قراءة في كتاب “ظلّ النعناع” للكاتبة والشاعرة اللبنانية إخلاص فرنسيس
بعد رغبات مهشّمة، على مرمى قبلة، وأمضي في جنوني والعشق المقدّس، أصدرتِ الكاتبة إخلاص فرنسيس مجموعةَ قصصٍ قصيرة عن دارِ سائرِ المشرق، عام ٢٠٢٢.
لوحة الغلاف لفاتح المدرس
تنفيذ العمل لقُصَي خميس
الكتابُ مؤلف من ٤١ قصّة قصيرة في ١٥٣ صفحة.
حين تفتحُ الكتاب يُلفِتكَ الإهداء الذي جمعتْ فيه رغوةَ الكلامِ بين السطور.
تبدأ قصصها بالنّورس حيث تنامُ الشمس على صفحةِ المياه، سادَ الصمت، وضعتْ حروف مشاعرها على الورق، طلبتْ أن يفتح شباك الوطنِ كي يتعطّرَ برائحة النعناع الزكية ص٧.
من هي إخلاص فرنسيس ؟
- هي الباقيةُ في ميناءِ الغربة، عرفتْ قدسيّة الصمت في معبد العشق، رائحة الأرض بعد المطر توقِظُ فيها الحنين ولو أنّها لا تُحِبّ التراب، فالحياةُ تملأُ صدرها ص٢٤.
- إنّها الأنثى بروحِ فراشةٍ تنتقلُ من بلدٍ إلى آخر، حرَة في سريرٍ من جمر. يُصاحبها الحزن ولا يواسيها سوى الحبّ. لا تنتهي قصةٌ لتبدأ أخرى من إكسيرِ الحياة المتدفقةِ من أعماقها.
-هي دمعة هجرٍ لا تجفُّ في المآقي ص ٦٥، تشتعلُ أنسجةَ روحها ص٦٨، تتكلمُ مع البحر فيُجيبها.
-هي التي تقطفُ الوقت من بساتين الغياب ص٧٠، وتتشابه أيّامها لكن الأحلام تختلف ص٨٦.
-هي التي تكتبُ بإبر الصنوبر ص٩٢، هي المعلقة بين غربة وطنٍ وغربة روح ص٩٢.
تمشي إخلاص في أحضان الطبيعة كأنّها نصّ فارغ من الكلمات ص٩٤.
- الحرية بالنسبة لها هي أساس الإبداع ص٩٨.
-هي قصّة عِشقٍ، هي لحن الخلود التائهة من قلبِ الضياء. هي ابنة وطنٍ تكتبُ فيه آخر وُريقات الحنين، في غربةِ الروح، التي لا يواسيها إلّا الحب، على قارعة الطريق، هي من تتدفّقُ الحياة في أعماق أعماقها.
-هي التي تدعو المثقّف في زمن العمى للوعي الانساني أن يتوقّف عن الاقتتال بالكلمات ويترجّل عن صهوة التعجرف والبهاء.
في قصصها، أنسَنتِ الأشياءَ، في حضن الطبيعةِ، ليفيضَ من حروفها، نهرٌ من الإبداع.
في قصصها، نجد كرنفالاً من الكلمات والحروف والعبارات، من أغاني الحبّ والغزل، من الحنين والأمل، الليل والسماء، النوارس والشمس والبحر والشاطىء والمحيط كلّها طوع أناملها على حبال الورق.
-هي من تشتعلُ روحها في الحاضر. هي طيرٌ سجين إلى الحريّة. هي العميقة في بساطتها.
لا تُصدّق ما تكتب !
أسأل : من أين لكِ كل هذا الغزل يا إخلاص ؟
هل من الضيق والوجع ؟
هل من الحرب في الأرض التي أحرقتها الضغينة ؟
هل من رحم المعاناة في زمن كورونا ؟
هل من صمّ الآذان في ضوضاء الأنانيّة ؟
هل من غرامٍ بقميص الجنديّة الأخضر ؟
هل من عمادكِ بنار الحريَة ؟
هل من قماط ثوب الحياة ؟
هل من رائحة الأرض وبهجة الألوان السماويّة ؟
هل من نزيف الأمومة وطفولةٍ مقهورة ؟
٤١ قصّة إستوحتها من الواقع كتبتها بلسان الخيال، بضمير الموجود على هذه الأرض التي تستحق الحياة، بقلمٍ يذوب فيه عطر الحنين ورائحة بخور الأرز وتَلوحُ فيه أغصان الزيتون.
تتراكض الكلمات، تتسارع أمامنا، تتراءى لنا صور الأمكنة وتمرّ كأنّها شريط مصوّر، ننظر إليه فنرى الغروب بلون الغسق البنفسجي، ننظر إلى زرقة السماء ونرى نور الشمس الساطعة تُحلّق فيها النوارس في الفضاء وعلى الأرض الأرانب التي لا تُحبّ الشهرة ص١٥٣.
من إبداع الكلمات التي تتسمّر أمامنا من حروفٍ وكلمات تصطفّ في روعة السّرد، في واو دهشةٍ أصابتني حين غرِقْتُ في بحر قصصكِ، في ألوان وجعكِ، في أثوابك العارية من جسدٍ على غصن شجرة.
هل كلّ هذا الإبداع من عطر شجرة الزيتون في أرض جارتنا الجنوبيّة علما الشعب التي أبصرتِ فيها النّور في نوّار ؟
هل من رائحة الدماء الزكية في جدار ساحة الكنيسة ؟
هل من رفقة لونا لكِ في رحلاتِكِ ؟
هل من جمال الطبيعة التي تلجأين إليها ؟
هل من ذاكرة الضوء في حروبٍ عبثيّة ؟
هل من فُرص الكتابة في زمن الوجع والوباء ؟
كم من الكلمات المُدهشة وضعتِ في كتابكِ؟ كم قصّة سلَبتِ منا، فحملتِ روحنا معك لتطيرَ عبر الورق إلى أسفارك، نرافقُكِ، نخاف عليك في الطائرة، نوشكُ على السقوط في بحر حزنكِ ونذرفُ دمعةً على دمعكِ!
كم مرة رحلتِ بإنسانيّتِكِ، جرفتِ وحول الشاب العشريني في مصر، اتخذتِ معبد الحبّ بدل الصلاة، ثُرتِ مع الجائع على قارعة الطريق، خِفتِ من رياح المرض والأذى، تنكّرتِ لأسياد الحكم والمظاهر، زرعتِ الجمال بكلّ ألوانه، بحروف بكلمات بعبارات بحِكَم حفظتُها في قلبي، وضعتُها في صندوق مخيّلتي فحملَني دمعي أحيانًا والشوق أخرى لأقرأ حروفك التي لم أعرفها سابقاً سوى عبر فايسبوك.
سابقاً ندِمتُ على عدم معرفتي بكِ أكثر عن قرب !
أمًا الآن فعرفتُ لون حروفِك، قيمة أدبِكِ، ألوانك المفضلة، لون عينيك، زهورك المفضلة، أماكن خلواتك، رحلاتك، زياراتك إلى أحضان الطبيعة.
وكأنّكِ تحملينا معك في حقيبة سفرك إلى كل الأماكن التي زرتِها.
ما أجمل الغوص في بحر أفكارك، في قصص أبطالك، ما أجمل عناق الروح!
أبدع الخالق الذي وضعك على سكّة الكتابة في رحلات الخيال لتنثري لنا من بخور الأرز قصصاً من حياة ونور لا من خيال.
أنثري يا إخلاص عطر بخور حروفك من وجع وترحال، من حنينٍ وغربة، من ألمٍ وحبّ، من عشقٍ مقدّس في ثالوث الجمال، من حزن بيروت إلى معابد مصر، عبر قصصٍ تدمعُ لها العيون.
كحّلي عيونك بالحبّ ليُكحّلَ الحبّ قلمك بالجمال الأدبي .
صفّي لنا أوراق العنب من عرائش الحروف والكلمات الأنيقة بيدين تعرفان كيف تصنع من الحبر رونقاً وجمالًا، عبر الورق الأصفر في كتاب الحياة .
ألا تجدين نفسك بالقراءة ؟
جزيل الشكر على هذه الهدية القيّمة
رنا سمير علم
٢٤ شباط ٢٠٢٣
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي