حدبة الجمل
ماذا لو أن الجمل سمع أحدهم يقول” لو رأيت حدبتك لوقعت وانكسرت رقبتك”، وماذا لو أن الجمل أخذ بظاهر الكلام والتفت بما في وسعه من القدرة ليرى حدبته.. ترى هل بإمكانه أن يفعل ذلك ببساطة، وإن استطاع، فماذا سيأتي منه.. هل سيفهم مضمون القول، أم أنه سيكتفي بالابتسام رضى عن سنام يشكل له علامة فارقة، ويحميه من الموت عطشا لشهر أو أكثر كما يتحدّث به العلماء في هذا الشأن؟!
في سريالية جميلة رأيتني وأنا أتحول ذاك الجمل، أحمل حدبتي على ظهري، وأتقوّس أسفلها مثل قوس يماثل ذاك القوس المنتصر الذي خلّفه من مر بوطني ذات تاريخ، وشاء الحظ أن يكون غير بعيد من بيتنا في ذلك الوطن الذي غدا أشبه بحلم واهم، أوطيف لسراب يتقن الاستهزاء بي، ثم تخيلتني أنزلق فوق الدرجات الحجرية تحته بعد أن تعرّش بصري لحيظات بذلك القوس، وما حفر فيه من نقوش، لأصل إلى ساحة كانت تنصب فيها الأراجيح لطفولتي وأترابي في ساحة ينسقها العيد، والقائمون عليه ليبهجونا، نحن الأطفال السعداء اللاهين عن الغد، وكراته الملتهبة، كنا نسعد بطفولة ساذجة ببساطتها، فنكوّر عناقيد بلّور لا نعرف كيف تراها تشبّ في مخيلاتنا، ولعل أحد أبناء الجن الصغار كان يبتكرها له، ولنا، في لحظة تصفو، ويتصافى فيها كل ما سواه بين أبناء الجن وأبناء الإنس، ذلك الصفاء الذي لم يعد له وجود في عوالمنا حين شببنا عن الطوق، ومزجتنا الأرصفة والدروب بلعاب فاسد تدّعي أنه منا، ولنا، تتنصل منه وتغرقنا فيه ثانية مع كثير من اللعنات، والتوصيفات التي تليق بنا.. نحن أبناء الزمن الحاسر بؤسه للملأ..
أحمل حدبتي، وأتلوّن بألوان الألعاب النارية فوق دار الأبرا هاوس في سيدني، وأشكالها المقذوفة بأهداف مدبرة، وأحابيل، وتوقّعات يسهر عليها قادة المراكب، والسفن، والطّوافات، والصحون الطائرة، ويسوّق لها المنجّمون المفترون في نهاية كل عام، وأحاول أن أفرح مع كل طلقة نارية لا تستهدف رأسي، لكني أعجز.. رأسي اللحظة، المنطاد الفارغ، ثم إنه يتشابك فيه المزيج بين ألوان مختلفة متنافرة، انسجامها غريب عن كائن مرتجع مسلوب مثلي، وأنا أنتظر من الساعة أن يتلاصق فخذاها الشبقين للرغبة، وقد شرقت عاشقها حتى نخاعه، بعد أن استنزفت منه الوريد في قبلات رومانسية جدا..
الساعة الثانية عشرة.. ركضت بعدها الدقائق سريعا على وقع موسيقى مبتذلة، ومغنين وهبوا أسوا ما عندهم ليرقص الجميع سكارى بخدر مفتعل، ولتغدو أذناي ساحتي أسمنت كتيمتين.. أراني أبحلق في انعكاسي أمامي، قد يكون التوأم لروحي في تلك الساعة، وقد يكون مستغرقا في عالم آخر لا يمت إليّ بصلة.. أرى أذنيه قد تحولتا إلى طريق معبد بالقار غرست فيه لافتات تدعوني للحب.. يبتسم، يتصنّع ابتسامة كي يرضيني، وكي يؤكد سعادته برفقتي، لكني لن أصدق في تلك اللحظة أي شيء، بل سأصدق كل شيء، ما دمت أتقوقع داخل ذاك السنام الأصم، وأتحول جنينه الصغير الذي يرضعه آثام العالم، ومنكراتها بجشع لا يعرف كيف يرتوي.. نزق.. زيف.. يا للعالم المشوه!..
أول يوم من السنة الجديدة
1-1-2023
السيرة الذاتية والأدبية للأديبة الأردنية ماجدة الطراونة
الاديبة ماجدة الطراونة من الاردن خريجة ماجستير رياضيات تكتب القصص القصيرة وقصص الاطفال ولديها اصدارات عديدة منها "مغاريف" و"آدمية" وتكتب...
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي