قهوة ساده
فرج احمد فرج
باحث انثربولوجيا
بعيد ان فرغنا من دفن وعزاء صديقنا العمده ، لم يبقي منه غير ذكرياته معنا
فنحن الاثنين كنا صندوقه المغلق في سراديب قلبه وخاصة بعد وفاة زوجته .
وما ..لاحظناه انه في الشهور الاخيره ..
كانت قراراته سريعة !
واستغربنا حين اخذ قرار بيع شقته التي شعر فيها انه مراقب .
وان هناك من يتجسس عليه
وبدء يقول ان هناك من يلمسه .
كنا نقول هلاوس كبار
ونساله كيف تبيع الشقة التي قضيت فيها اغلب عمرك ..
ونطلب منه .. اعقل يا رجل ؟
علشان شوية وسوسة تبيع مكان عشت فيه معظم ذكرياتك
فاجئنا انه سلم الشقة للسمسار وقبض من العراقي الذي اشتراها دون جدال
واشتري شقة من مبلغ البيع وفك جزء من مدخراته في البنك .. في التجمع .
وكانت المفاجأة ان حدثني ابنه بعد ثلاثة اشهر من اقامته بالشقة الجديدة
ان احضر بسرعة لجنازة ابيه .
بتقول مين اللي مات ؟
ابويا العمدة !
لا حول ولا قوة الابالله
انا لله وانا اليه راجعون
طيب ماتعملش حاجة قبل ان احضر اليك
انت مش حتعرف تتصرف
اجهش بالبكاء وانتحب !
اخذت صديقي الاخر ..وذهبنا بسرعة
وقمنا بالواجب ..
وحدثنا انفسنا سبحان الله كل الارهاصات الاخيرة ، كانت تنبئ بأن شيئا ما جلل سيحدث !
وخاصة اننا علافنا انه هدء واستقرت افكاره .
ظللنا طول اليوم مع ابنه ولم نغادره حتي تتمة ليلة العزاء .
وبدء اهله واقاربة واصدقائه يتوافدون برغم بعد المكان في التجمع .
والذي اعطي لي انطباعا بأن من سيحضر لهذا المكان نفر قليلين .
في الحقيقة ابنه استأجر قاعة عزاء فخمة .
كان حديثي مع صديقنا الاخر .. اكيد ان ايجار هذه القاعة كبير !
لا تعجب فقد ترك لابنه شيئ وشويات .
وانت عارف انه لما باع الشقة اعطاه مبلغ ضخم كي يهدء من روع زوجته الغاضبة بأستمرار
اضافة لما لما له في تركه ابيه سيضاف لمورثه .. وتمنحه الامان وتستقر زوجته الغاضبة
قاعة العزاء الفاخرة في اكبرمساجد التجمع الاول ، ذات مقاعد وثيرة ومريحة اضافة للتنظيم والبروتوكول المعد في عرض المستلزمات من مشروبات وماء وقهوة وغيرها .
ما لفت نظري ان المقرء .. كجول
تعجبت !
الا انهم قالوا المقرئين الشباب في التجمع والساحل بقوا كده .
حقيقة صوته جميل في التلاوة .
سمعني احد المنظمين وانا احدث صديقي عن الشيخ الكجوال ..
لم اعرف انه اجري اتصالاته فجلب مقرء كلاسيك بجبة وعمامة
كدت اضحك .. وكانه يقول فاصل ونعود
زي ما بيقولوا في البرامج
كنت طوال الوقت استقبل الاصدقاء والزملاء المعزيين واجلس بجوار البعض هنيهة لا ستقبال اخرين .
جاب بمخيلتي مشهد صوان العزي في حيينا قديما الذي كان ينصب امام مسكن المتوفي ويسد الشارع من قبل مكتب الفراشاه الذي يبني بعروق الخشب المشدود بالحبال الليف وصنع مكان اشبه بحوطة او مستطيل كبير مفتوح السقف في الصيف ومغطي في الشتاء بعرضات من الخيامية الكبيرة بالوانها الزاهية الحمراء والزرقاء في دوائر زخرفية اسلامية بديعة .
وكان يقوم علي اضاءة الصوان كهربائي محترف .
كل ذلك كان يقوم بها مكتب الفراشه المعروف في الحي ويقوم برص كراسي العافية متقابلة في صفوف بطول الصوان ويطاف علي المعزيين بصحاف الماء المسكوب والقهوة المرة من غير وش في فترات الاستراحة بين مقرء واخر يطوف نفر من المقربين بعلب السجائر واناس تطالبهم ان يرددوا خلفهم ” وحدوه ” ليردوا لا اله الاالله .
لم اعرف سبب ان طفت علي مخيلتي هذه الصورة القديمة بمشهد من يصطفون علي مدخل القاعة هنا والذين لا يتعدي5 افراد فقط وقارنت بما كانوا يقفون علي صدر الصوان اكثر من 20 شخص ولابد ان تسلم عليهم وتواسيهم جميعا جهة اليمين وانت داخل تهمهم بكلمات غير مفهومة وتعقب وانت خارج ان تسلم عليهم في جهة اليسار وتذكر بعض الكلمات عظم الله اجركم .
ربما هذه الصورة العصرية هي التي استدعت هذه الصورة القديمة من الذاكرة .
في عزاء التجمع .. قاعة فخمة يتدلي من سقفها النجف الكريستال والديكورات التي تزين الاسقف والحوائط والكتابات الذهبية للايات التي تضيئها ابليكات الحوائط مع الكراسي الوثيرة والنظام الذي يقوم به منظم العزاء الذي يعرف المعزين باهل الميت الذين لا يتعدي وقوفهم علي المدخل خمسة افراد علي راسهم ابن المتوفي – ثم يشير بالجلوس للمعزين ويستدعي السفرجية للقيام بالخدمه .
طلب مني صديقي الاخر الجلوس قليلا للراحة .
فمر عليا الجرسون بزيه الموحد في القاعة وكانك في كفتيريا .
وتقدم مني .. تشرب حاجة ؟
هات لي قهوة .
وبسرعة احضر لي زجاجة ماء معدنية وفنجان قهوة وانا اطلبها ..اكدت عليه ان تكون مضبوطه
اي لا سكرها زيادة ولا قليل .
فاحضر لي القهوة – ومن اول رشفة .. طلعت زيادة .
شربت رشفة اخري واقنعت نفسي انني محتاج سكر بعد عناء هذا اليوم .
كدت ان انادي عليه ان يرفع الفنجان ولكن صديقي وانا منهمك معه في الحديث الجانبي – وجدت السفرجي رفع الفنجان وانا لم اكمل منه غير رشفتين في الحقيقة اغتظت جدا .
نصحني صديقي – اطلبها ساده .
لم اعرف لماذا ثقافتنا حددت لنا في العزاء ان نشرب القهوة سادة .
افادني هم يعتبرون ان القهوة السادة من الحزن علي مرارة فراق الميت .
اما لو طلبتها غير ذلك يعتبروك علي قدر حزنك وقربك من الميت .
ونصحني صديقي اطلبها المرة القادمة ساده .
ولحظة وجدته يجوب مثل النحلة – اشرت عليه بعد ان اغتظت منه .. ان يحضر لي مرة اخري قهوة ..
واكدت عليه .. سادة!
واحضر لي قهوة ثانية وللاسف .. ايضا سكر زياده .
لا حول ولا قوة الا بالله .. امري لله .. عموما انا محتاج سكر
وما ان رشفت شرفة حضر صديق وقفت اسلم عليه ووضعت الفنجان علي الطاولة .
وعدنا وجلسنا متجاورين لم انتبه انه رفع الفنجان مرة ثانية الا بعد ان مددت يدي لارفع الفنجان كي ارشف منه رشفه .
لم اجده ازداد حنقي وغضبي وكدت انفجر في هذا الواد النحلة
كاد صديقي يضحك علي ما يحدث معي من فنجان القهوة وهذا الجرسون .
النحلة قادم ليسال المعزي الجديد – محضرا علبة مناديل صغيره وزجاجة ماء معدنية
تشرب ايه يا فندم ؟
اشكرك .. لا شيء ؟
قفشته من ذراعة .. تعال هنا رايح جي .. رايح جي زي النحلة
وهمست في اذنة
انت عارف ا
السيرة الذاتية والأدبية للأديبة الأردنية ماجدة الطراونة
الاديبة ماجدة الطراونة من الاردن خريجة ماجستير رياضيات تكتب القصص القصيرة وقصص الاطفال ولديها اصدارات عديدة منها "مغاريف" و"آدمية" وتكتب...
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي