مشاهد من يوم مر بي”
تنزهت، والأخضر سيرا..
كان بي وخز، ليس لي الأمر في سره..
شيء ما أثقلني، وأراه يدفعني إلى حبيب اعتدت أن يضع لي الأعذار حين يراني على تلك الحال..
أغفل عنه أحيانا، ليس لاعتياد النظر إليه، ودوام تحليقه، وتحلقه بي، بل لأن البال يكون في نزف، وغياب أحيانا..
الأخضر، سيقان الأشجار، نداء الطيور.. نحن في غابة، وبين الغابات تنطلق الروح إلى علاها بلا رفيق، وتهدأ..
لكن أن يلاحقني الحمام الزاجل هنا، وأتعرف أمرا لم أعرفه من قبل في أستراليا، فقد نشلني حقا من وخز الغياب، ومن شرود الروح الذي يحل بي هذه الأيام..
التقطت شابا قد فتح مؤخرة سيارته، وراح يطلق من الحمام الواحدة تلو الأخرى، فاقتربت.. فضولي المعرفي، والسردي اقترب منه، وسألته حول صندوق الحمام الذي أراه في سيارته..
-إنني أشارك به في مسابقة، كل ناد هنا، كل مجمّع سكني فيه ناد، وقسم يختص بتتبع الحمام الزاجل، إلى أين تصل به أجنحته بعد التدريب..
-وكيف تميز الحمامات التي تخصك؟
فأشار إلى شريحة ألكترونية جمعت بها أقدام الحمامات…
-حتى هنا.. للتكنولوجيا دورها؟
وعندما ذكر لفظة الزاجل، ردني في رداء العمر أشواطا..
أبناء حارتنا من الشبان الذين يطيرون الحمام، وقلوبهم معه، وعقولهم تخفق فوق سطوح الأسمنت، وصوت أمي تنهر أخويّ اللذين كانا طرفا من ذاك الاشتهاء، والمتعة.. رسائل المحبين التي حملها الحمام الزاجل في فيلم بالأسود والأبيض رأيته في مراهقتي، وما أزال أحتفظ بتفاصيل حزنه، وأتحسس ملح دموعي، وأنا أتابع تنهدات العاشقين فيه.. الرسائل في الحروب.. فنون كثيرة، كان للحمام فيها دور بارز، لكن أن ألتقي في أستراليا ضربا جديدا راقيا من فنون الحفاظ على الزاجل، فلم أتوقعه..
وأردفت:
- لم لا تُطلقها كلها مرة واحدة؟
فردّ:
-لتعتاد الطيران قليلا قليلا.. ثم إن هناك من الصقور ما يلتقطها..
-الصقور؟!
-نعم.. نحن في أستراليا، وللصقور الحرية، لا يأسرها، أو يشتريها أحد، كما هناك، لذا فنحن نخشى على الحمام من التقاطه… وأشار عاليا، وبعيدا، بعيدا..
وتعرفون بالطبع من تراه قصد، وقصدت بهناك..
وخلّيت الشاب لحمامه، وانطلقت أنغمر في الخضرة، وقد شعرت أني انتزعت بعض الوخز، وألقيت به للعدم..
“
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي