زينة محمد الجانودي
لبنانية،
دراسات عليا في اللغة العربية وآدابها،
كاتبة وناشطة في التّقارب بين الأديان والحوار الإسلامي والقضايا الاجتماعيّة.
عضو ملتقى الشعراء العرب
وفي خضم ما يجري حولنا وقضية التقارب والتعايش
كان لا بد لنا أن نحاورها ونتعرف على جديدها ومشوارها في مجال الحياة والفكر.
حاورتها من لبنان جميلة بندر
……………………………..
1.كيف بدأتِ رحلتك في دراسات اللغة العربية وآدابها؟وما دفعكِ لتصبحي كاتبة وناشطة في التقارب بين الأديان والحوار الإسلامي؟
حبّي للغة العربية بدأ وأنا تلميذة على مقاعد الدّراسة، فقد شدّني لهذه اللغة جمالها الأخّاذ بالتّعبير عن خلجات النّفوس ومكنوناتها، وأيضا تمسّكي بفكر وثقافة وتراث وتاريخ اللغة العربية، فعندما أنهيتُ دراستي الثانوية تخصّصت في المرحلة الجامعية باللغة العربية وآدابها ، ونلتُ إجازة فيها ومارستُ التعليم ومازلتُ في مادّة اللغة العربية، ثم نلتُ شهادة الماجستير، لأدخل أكثر وأكثر في بحر اللغة العربية ،ومن أعظم ماقد يملكه الإنسان، ملكة الكتابة، فالقلم هو موهبة وهداية وعطاء وهذه الملكة، أي ملكة الكتابة،وهبني إياها الله ،وقد عملتُ على صقلها وتنميتها،وبالتأكيد تخصصي باللغة العربية ساعدني جدا على ذلك.
و في اختياري أن أكون كاتبة في التقارب بين الأديان والحوار الإسلامي، أقول أنّه من يفهم الدّين على حقيقته،يدرك أنّ التقارب بين الأديان ، هو قضيّة دينيّة نادتْ بها كلّ الأديان السّماوية، وهو أيضا قضيّة إنسانية واجتماعية، لكلّ من يؤمن بمفهوم الإنسانية، ويهمه أن يكون مجتمعه متقدّما ومتطوّرا، وأيضا قضيّة كونية،فمن يتفرّد بالرّأي ولايقبل الآخر ،لا يستطيع أن يفهم الحياة، فإذا كنّا نؤمن بالاحترام والعدل والإنصاف والحقّ، علينا أن نطبّق مفهوم التقارب والتعايش مع بعضنا البعض.
2.كيف كانت تجربتك في كتابة كتابك حول التقارب بين السنة والشيعة؟
ما الذي دفعكِ للاهتمام بموضوع التقارب بين هذين المذهبين؟
مرّ لبنان بمرحلة سياسية حسّاسة ودقيقة جدا ،حيث كان الصّراع السني والشيعي يزداد حدّة،وأصبحت النّفوس متشنّجة، وقد دفعني ذلك لأبدأ برحلتي في الخوض في تجربة التعرّف على الطرف المسلم الآخر، ولأبحث عن أجوبة عديدة لتساؤلاتي، وأهمها السؤال الذي كان يسبّب لي الحزن والقلق، وهو لماذا أبناء الإسلام يتفرّقون عن بعضهم، أهذا يرضي الله؟ أهذه هي رسالة النّبي محمد التي هي أمانة تركها لنا ؟
بحثتُ في مراجع وفتاوى كثيرة التي هي مثار خلاف بين الطرفيْن، قرأت عن الكثير من التجارب والكتابات في الوحدة الإسلامية، وقمتُ بدراسات معمّقةفي هذا الإطار،ولجأتُ إلى علماء ورجال دين وسطيّين من السنة والشيعة، وبعد أن نضجت أفكار المعرفة في عقلي، وتطوّرت قدراتي بتوسّع اطلاعي وقراءاتي، قرّرت أن أضع ماوصلتُ إليه بكتابي، فشعرتُ بالضّرورة الحتميّة للتقريب، وذلك للتخفيف من حدّة الاختلاف وتضييقه إلى الحدود الممكنة، وهو ليس مستحيلا صعب المنال، إذا تمّ السّعي إلى تحقيقه بصدق وعزم وعُرِف السّبيل إليه،وقد كنتُ على ثقة تامّة حينها ولازلتُ بأنّه لا فرق بين المذهبيْن، والخلاف إن وجد فهو خلاف في الفروع، وليس في الثّوابت والأصول، وهدفي من الكتاب كان ومازال هو الوصول إلى الوحدة القائمة على الأسس الرّاسخة التي يحتاجها المسلمون.
3.كيف تتعاملين مع التحديات التي تواجهينها في ترويج رسالتك حول التسامح الديني؟وما هي المقالات أو الأبحاث التي نشرتِها وتفضلينها في مجال الدين والاجتماع؟
شكّل صدور الكتاب في بداية الأمر مفاجأة وردّات فعل مختلفة منها إيجابيّة ومنها سلبيّة، وهذه المهّمة التي قرّرت الدّخول فيها ، هي مهمّة صعبة وتحتاج إلى جرأة، ولكنّها ليست مستحيلة، بل تحتاج لصلابة وتصميم وقوّة وإرادة، وهذا التصميم وإكمال المسيرة وعدم الاستسلام واليأس، نابعا من إيماني بأنّ ما أقوم به هو واجب إنساني وأخلاقي وشرعي، وهو ما دعانا إليه الإسلام، أي الوحدة والمحبّة والتّلاحم والتّسامح والاعتدال. ومن أجل هذا كلّه ولأنّ النيّة صادقة مازلت مستمرّة في عملي بالتقريب والوحدة من خلال كتاباتي التي أنشرها ،ونشاطاتي في المجتمع، فسلاحي السّلمي، هو الكلمة الطيّبة،آملة أن تكون هذه الكلمة، شمعة تضيء في وسط مانعيشه من ظلام.
وتحمل مقالاتي عناوين مختلفة، منها مواضيع دينيّة تدعو إلى الوحدة وقبول الآخر ، ونبذ التطرّف، وتجديد الخطاب الديني، والدّعوة إلى الدين بالحبّ والتحبّب، وواقعيّة الإسلام بعيدا عن الخرافة، والعلاقة بين الدّين والمجتمع وغيرها…
وأيضا كتبت مقالات لمواضيع اجتماعية وإنسانيّة عديدة، عن التربية والحقد والغيرة والغضب، والكلمة الطيّبة وأثرها، والحبّ مفتاح المجتمع السّليم، وقيمة العطاء، وكنز القلوب، وعندما تغيب الأخلاق عن الأعلام، وظاهرة التقديس وسلبيّاتها، والضّعف في اللغة العربية أسبابه والحلول الملائمة له، وعن المرأة والمرأة الفلسطينيّة، واستغلال المرأة في الحروب والصراعات، وغيرها…
4.هل تعتبرين أن التعايش السلمي بين الأديان هو ضرورة إسلامية أساسية؟
أقام الإسلام العلاقة مع الآخر، على مبدأ بغاية الأهمية وهو الكرامة الإنسانية التي من أهم قواعدها الأساسيّة احترام الآخر وعدم تصنيفه ورفضه بسبب اللّون أو العرق أو الجنس أو اللغة أو الثقافة أو الدّين، وأسّس لقبول الآخر تأسيسا علميّا وواقعيّا، وذلك عندما رفض كل أشكال العنصريّة، فإقامة الحقّ والعدل بين الناس جميعا، بغضّ النّظر عن معتقداتهم ومايدينون به، هو هدف أساسي من أهداف الإسلام، ولذلك أمر الله تعالى المسلمين، أن يعاملوا الناس جميعا من دون استثناء أو تمييز بالإنصاف والعدل، { يا أيّها الذين آمنوا كونوا قوّامينَ بالقسْطِ} [ النساء ،آية : ١٣٥].
فالتعايش أو قبول الآخر، معناه الاحترام المتبادل والمعاملة بالعدل والإنصاف،دون الحاجة إلى الذّوبان في الآخر وإلغاء الذات أو الهويّة أو الثقافة أو الإيمان، فالذي أرسى دعائمه الإسلام، هو قبول الآخرين والتعايش معهم على الالتزام والمساواة بالحقوق والواجبات، والتسامح والإحسان، وذلك على مبدأ قول الله تعالى:{ وجعلناكم شعوبا وقبائلَ لِتعارفوا}[ سورة الحجرات، الآية: ١٣]. فهذه الآية تدلّ أنّ التعدّدية والاختلاف ثراء وغنى، وأنّ اختلاف المجتمعات والبشر هو إرادة الله، فالله لم يجعلنا أمّة واحدة، بل جعل لكلّ منّا شرعة ومنهاجا،{ لكلّ جعلْنا شرعةً ومنهاجا }[ سورة المائدة ،الآية:٤٨]. فالدّليل هنا واضح، في القرآن على تعدّد الشّرائع والأمم، الإسلام دعا إلى أرقى أجواء التّعايش مع الآخر،
فبالتعدّدية والاختلاف يمكن الوصول إلى الوحدة ،فعندما تكون التعدّدية وقبول الآخر وسيلة، تنتهي إلى الوحدة كهدف، ويقدّر لها النجاح من القاعدة إلى القمّة.
5.كيف تقيمين تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في نشر رسالتك ،وهل لديكِ توجيهات خاصة للشباب الذين يسعون لتحقيق التواصل بين مختلف الأديان؟
نعلم كلّنا بأنّ وسائل التواصل الاجتماعي اليوم لها تأثيرها وانتشارها السّريع ، فهي أداة مهمّة ومؤثّرة على المجتمع، وهو ثورة هائلة اليوم، فالعالم أجمع يشهد حضارة جديدة لم يشهدها من قبل، ولكن للأسف الشديد لا توجد قاعدة أخلاقيّة ثابتة لهذه المواقع، كما نلاحظ أنّ هناك تغيير وتفكيك لثوابت وتماسك مجتمعاتنا، وتزيين للجانب المسيء، ونلاحظ انتشار لكثير من السّخافات والتّفاهات التي لا تليق بنا وبمادئنا وثقافتنا، بظلّ كلّ هذا نشر الثقافة والفكر الرّاقي والرّسائل السّامية، لن يكون سهلا بل هو مهمّة صعبة، ولكن مع ذلك أن نستمرّ ونكتب وننشر ما هو نافع وخير لمجتمعنا، فأنا أحاول دائما أن أتحدّث عبر مواقع التواصل بقضايا أخلاقية وإنسانية ودينية ووحدويّة، لنشر الوعي قدر الإمكان.
وطبعا أدعو الكلّ وخصوصا الشباب، أن يكون ناضجا وواعيا، ويُحكّم عقله، وينفتح على الآخر، وعلى فكره وثقافته وعقيدته ودينه، وأن لا يحجز نفسه في دائرة مغلقة، فعدم معرفة الآخر يخلق الخوف منه، فعليه أن يكسر الحواجز التي تشكّل عائقا بينه وبين الآخر، وعندها سيكتشف ماهو جميل عند غيره ويحبّه ويحترمه، ويتقرّب منه.
6.هل تعتبرين أن هناك تحديات محددة تواجه المرأة في مجال الحوار الديني والاجتماعي؟
خلق الله لكلّ امرأة مواطن قوّة بداخلها، تستطيع النجاح من خلالها، ووضع فيها سرّ القدرة على تحمّل شتّى أنواع المصاعب والآلام، ممّا يجعلها عنوان للتّقدير والتّكريم والاحترام، وقد بلغتِ الكثير من النّساء الأهداف السّامية، وبرزتْ في العديد من المجالات، وتميّزت في مختلف نواحي الحياة، فالمرأة تساهم في بناء المجتمع وتطويره، وتلعب دورا مهما في تقدّمه ونجاحه، فخلال العصور أثبتت المرأة نفسها، كما أثبتت جدارتها في مختلف مجالات المهن، كما أثبتت مهارتها في تولّي العديد من المناصب العليا والمواقع القياديّة، وقد شهد العالم زيادة كبيرة في مشاركة المرأة في جميع مجالات العمل.
وعمل الوحدة والتقريب بالنّسبة لي كامرأة هو كأيّ عمل تستطيع المرأة القيام به وإثبات نفسها والنجاح فيه.
7. ما رأيك بالملتقيات الأدبية وخاصة ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر عبد الحميد رمضان؟
الملتقيات الأدبيّة مهمة جدا ، ونحتاجها اليوم ، لتبقى الكلمة الجميلة حاضرة في حياتنا، كي نغني ثقافتنا وفكرنا وكتاباتنا، وملتقى شعراء العرب، هو من أهم الملتقيات التي تجمع أرقى وأهم الشخصيات من الأدباء والشعراء والإعلاميين ، ونخب المجتمع في الوطن العربي ، والشاعر ناصر الحميد رمضان الذي يرأس ملتقى شعراء العرب، من أرقى الشخصيّات التي تعرّفت بها، وكان لي الشّرف في التعرّف إليه، فهو صاحب الكلمة المعبّرة التي تدخل إلى النّفوس والقلوب دون استأذان، وهو يعمل من قلبه وبكلّ جهده لنجاح هذا الملتقى.
8_ما هو مشروع الكتاب القادم وهل ستظل الفكرة حول التقارب مسيطرة أم أن هناك أطروحات أخرى وموضوعات أخرى؟
هناك مشروع بإذن الله تعالى ،وهو جمع كلّ مقالاتي وأبحاثي في كتاب، ولكن نظرا لما يمرّ به لبنان من أزمات وحروب، أتمهّل قليلا، ولكن هو قيد التّحضير ، وطبعا مشروعي الحواري ورسالتي مستمرّة معي أينما كنت، من خلال كتاباتي والمؤتمرات والنّدوات التي أحضرهاوالمقابلات، وطبعا من خلال شخصيّتي وسلوكي وتعاملي مع الآخرين.
حاورتها من لبنان جميلة بندر
عضو بملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف
* * *
*
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي