كان قد نسي شيئا ما ثم استعادة
قصة قصيرة
“كان قد نسي شيئا ما ثم استعادهُ”
مؤيد عليوي
كان عائدا مع رمل القتال والجراح تنز من جسده بدمه المتبقي الذي أوصله الى البصرة ساعة تحليق طائرات التحالف الدولي في سمائها بصوت عربي بلهجة مصرية من إحدى الطائرات تطالب أهل البصرة بإخلاء بيوتهم مع نثرٍ من الأوراق المكتوبة باللغة العربية تطالب بإخلاء البصرة من أهلها سوف تقُصف المدينة، كان هو عائدا مثقلا بجراحه التي دفعها ثمنا لحرب لا ناقة له فيها ولا جمل ،يسحب أقدامه بهول الانكسار وهو يريد بصوت لا يكاد يسمعه هو بما شيبه الهذيان ” ياستار استره وياي واني عبد الستار، أبيض من الثلج كَلبي وانت تعلم اوصلني الى أهلي ولو جثة هامدة فقط اوصلني الى اهلي “، حتى وصل البصرة من جهة المطلاع وسفوان، المطلاع وما أدراك ما المطلاع نار حامية من السماء بفعل الطائرات الأمريكية قلبت الارض والصحراء والدبابات والبشر والعربات والجسور في خلطة لا مثيل لها كأنك وضعت الدنيا في خلاط عصير كوكتيل ، لم أعد أرى شيئا وأنْ رأيتُ ما نفعه حتى وصلت أهلي في البصرة تركوا كل شيء تركوا شراء الأسلحة من الجنود العائدين بهزيمة الرئيس حفظه الله ورعاه، ومَن كان يستطع قولا غيرها ؟! قلة نحن الذين أدركنا أن الهزائم تلحق بالناس فقط أما حفظهم الله ورعاهم اقصد جميع الرؤساء والملوك والأمراء فلا يهزمون بل ينتصرون علينا نحن الفقراء عيال الله، حينها تركت نفسي بين يدي أربعة من اهلي اخوتي من الحيانية البصرة ، نقلوني من ساحة اللقاء قارعة الطريق من الكويت الى البصرة ، قاموا بتضميد جراحي النازفة كان مضيفهم يشبه غرفة عمليات كبيرة كنا جميعا جرحى الرئيس في حربه الثانية ،
بقي نائما لمدة يومين يصحو فقط للطعام ودخول الحمام ولتغيير ضماد جراحه التي أخذت تلتئم بسرعة غريبة كان أرض العراق ضماده، كانت جراح نفسي اكبر لا يهم ما وصلتُ اليه المهم اني في العراق، قاطعني صوت الطائرات بلهجة مصرية اخلوا المدينة، البصرة تحت نيران قوى التحالف الدولي بحسب قانون محلس الامن الدولي والامم المتحدة، عادت ذاكرتي الى لحظات استدعاء مواليدي الكبيرة السن لساحة حرب الرئيس في الكويت ، تركتُ عملي الصحفي والتحقت مجبرا ،بغداد لا يمكن البقاء بها هاربا من الخدمة العسكرية وكيف اهرب والطرق عيون تتلصص ، انزاح عن ذاكرتي مكتبة بيتي واشياء أحبها قبل أن أخرج من البيت وشوارع بغداد وكراج النهضة ،كان ثمة خطأ في ذاكرتي سمعت صوت أحد الجنود بجانبي وكان يمزح مع الجميع” شنو غدانه اليوم؟ وين المعزب ابن الحيانية” كنت قد ضحكت ولم اضحك منذ شهرين ،بعد الضحك دخنت سكارة مع استكان الشاي لكن شيئا ما فقدته هناك كأنني تركت اشياء احبها نزفتها مع دمي في الطريق من الصحراء الى البصرة ،كما تعبتْ عياني من كثرة ما رأيت في ذلك الطريق صورا ، تعبت من تلك المناظر في رأسي ربما سوف اكتب عن هذا رواية عندما اعود الى بيتي وعملي ،قاطعه الجنود بصوت عال انتهت الحرب لن يضربوا البصرة وتعالت الاصوات بالفرح على نجاتهم فيما كان هناك بعيدا اصوات اطلاقات نارية، كان هو يلملم بقايا ذاكرته وجسده هو يلبس دشداشة بيضاء والجو اقبل على الربيع ، لم يعلم ما يحدث خارج مضيف الحيانية ، حلق ذقنه واستعد للسفر الى بغداد ، فيما كانت صورة الرئيس في البصرة تتعرض لاطلاق نارمن جندي عراقي رفض الحرب ورفض الهزيمة وعشق الحياة والعراق .
وصل ستار كما كان تقول له امه وأصدقائه، الى بغداد ودخل مكتبه الصحفي ، لم يكن سعيدا ولا يعرف لم زملائه فرحين به حيا مع غضبة بعضهم على انتصاره وهو عائد منتصرٌ كما يزعمون ، حتى المقهى التي كان يرتادها تضج بمن لا يعرفهم وجوه جديدة قاسية نظراتهم لا تخطأ، ايديهم فارغة طول وقت المقهى ومستعدة لعمل قوة ما او لتحمل شيئا ما لضرب الاخرين ، غادر المقهى مسرعا الى بيته في احد احياء بغداد الفقيرة ، جلس وكتب رواية عما شاهده في الكويت اخرج ما علق بذاكرته ونفسه الى الورق، اشهر قلمه وهو يواصل الكتابة مع مواصلته العمل الصحفي في المجلة ، كانت بغداد هادئة فيما مدن اخرى كان تفور ، سقط نظام وعاش نظام مات الملك وعاش الملك وحرب تدور راحها على الفقراء الذين غدو يبحثون عن الخبز فقط ، اكمل روايته الادبية ، استعاد بعض وسامته وبسمته ،احس به زميله وبعضهم حسبه قد تزوج للمرة الثانية ،
زميله –انت اليوم افضل من الامس وسامة واريحية
- لقد اكملتُ كتابة رواية جديدة عمّا مرّ بي في الكويت .
- وهل ؟
- نعم .
- لا تخبر احدا
- سوف اصمتُ عن الكتابة ولا أخبر احدا عنها ولا عن غيرها مما اكتبُه في الظل.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي