
قراءة تحليلية لرواية “حمروش” للأديب جميل السلحوت
بقلم: وفاء داري كاتبة وباحثة من فلسطين
عنوان المقال: (حمروش: المغارة كفضاء رمزي)
يتناول هذا المقال تحليلًا لرواية “حمروش” للأديب الفلسطيني المقدسي الكبير الشيخ (جميل السلحوت)، أحد أبرز الأسماء الأدبية الفلسطينية. والذي كُرم من عشرات المؤسسات الفلسطينية والعربية، نال لقب “شخصية القدس الثقافية” عام 2012، وشارك في مؤتمرات دولية عديدة، ولقاءات أدبية، وثقافية محلية، وعربية. فمن الأعمال الأدبية للأديب(جميل) ما يقارب 14 عملا روائيا، كما له إصدارات عديدة في أدب الأطفال منها: 8 روايات لليافعين، و6 قصص للأطفال ومجموعتان قصصيتان. كما له عدة أعمال أدبية أخرى في الأدب الساخر، وأدب الرحلات، وأدب الرسائل، واليوميات. كما للأديب (جميل) عدة أنشطة وإصدارات ومنشورات تراثية وذاتية، حيث قام على اعداد وتحرير الكتب التسجيلية في (ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني) ذلك من خلال 14 كتابا ضمن فعاليات الندوة – (ندوة اليوم السابع )، ذلك الصرح الأدبي والثقافي المقدسي الكبير، والذي رغم التحديات أثبت بصمته الأدبية في اثراء المشهد الأدبي الفلسطيني على صعيد الأدب والثقافة والفن بكل أنواعها، كان و لازال قائمًا منذ أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، حيث يجمع أدباء فلسطين، وايضًا الأدباء العرب والمهجر بإدارة الأديبة المقدسية ديمة جمعة السمان بشكل اسبوعي منتظم. حيث تناقش الإصدارات الأدبية مع مؤلفيها. يشار بالذكر تحول اللقاءات عبر الأثير (الفضاء الافتراضي – زووم) منذ جائحة الكورونا حتى وقتنا الحاضر.. سيره الأديب (جميل)حافلة بالإنجازات الأدبية والثقافية، والتي ساهمت في اثراء المشهد الأدبي الفلسطيني، والتي تحتاج صفحات طويلة لسردها واعطائها حقها.
رواية “حمروش” تقع في 72 صفحة من الحجم المتوسط، صدرت عن مكتبة كل شيء – حيفا 2024. والتي تدور أحداثها حول قرية صغيرة تقع فيها مغارة يُعتقد أنها مسكونة بالأرواح. تعد عملًا أدبيًا يمزج بين الواقع والخيال، وفي محاولة لفهم كيفية تصوير الكاتب للعلاقة بين الواقع والخيال في الرواية، وتحليل الشخصيات والأحداث للكشف عن الرسائل والقضايا التي تطرحها الرواية، نجد أن رواية “حمروش” تدور أحداثها في قرية صغيرة تقع فيها مغارة تُثير الرعب والفضول بين سكانها. تتناول الرواية قضايا مثل الخوف من المجهول، قوة المعتقدات الشعبية، وأثرها على حياة الناس. أبدع الأديب جميل في استخدام العناصر الروائية مثل الشخصيات والأحداث والرموز لتقديم رؤية فنية لقضايا اجتماعية وثقافية معاصرة، وتوظيف الفضاء الروائي في تقديم رؤيته للعالم.
العنوان: ” حمروش” عنوانٌ يعكس صراعًا بين العقل والخرافة، اسم عربي يحمل دلالات فالشيخ حمروش: هو الشخصية الأسطورية المدفونة في المغارة، والتي تُعتبر وليًّا صالحًا أو رمزًا للقوة الغيبية. الجذر اللغوي: “ح م ر” قد يُشير إلى اللون الأحمر (الحمرة) أو القوة (الحماس)، لكن السياق الروائي يربطه بالقداسة والغموض. مما قد يوحي بأن الرواية تقدم سردًا متعدد الطبقات، يعتمد على تجميع قصص مختلفة أو وجهات نظر متعددة عبر تجميع سردي مُحكم. هو ليس مجرد عنوان لرواية، بل بيانٌ نقدي عن آليات صناعة المعتقدات وكيفية تفكيكها.
الشخصيات: (سعيد) طفل يمثل جيل الشباب الذي يتحدى المعتقدات القديمة. (أبو زيد): يمثل جيل كبار السن المتمسكين بالتقاليد والمعتقدات الشعبية. (محمد): شخصية تحاول التوفيق بين العقل والمنطق والإيمان بالخرافات.
الأسلوب الأدبي: اعتمد الأديب جميل أسلوبًا سرديًا تقليديًا مع إدخال عناصرَ فولكلورية، حيث مزج بين الحوارات الحية والوصف التفصيلي لبيئة القرية، مما عزَّزَ الواقعية الاجتماعية. اللغة بسيطة ومباشرة لكنها غنية بالرمزية، مما يجعل الرواية قريبة من القارئ العادي، خاصة أنها موجهة للفتيات والفتيان. ومع ذلك، يلجأ إلى استخدام الرمزية والأساطير الشعبية لإثراء النص، مما يضفي عليه عمقًا ثقافيًا واجتماعيًا خاصة في تصوير “مغارة الصالحين” كفضاءٍ للخرافة والخوف. تبرزُ الحواراتُ الداخلية للشخصيات تناقضاتها النفسية، بينما يعكس السردُ تيارًا واعيًا يُجسِّد صراعَ الأجيال. الأسلوب يعتمد على السرد المباشر مع بعض الانزياح نحو الوصف التفصيلي للمشاهد والأحداث، مما يعطي القارئ صورة واضحة عن البيئة التي تدور فيها الأحداث.
الرموز الدلالية: (مغارة حمروش) ترمز إلى المجهول والخوف من قوى الطبيعة. (الأفعى العملاقة): ترمز إلى الخرافات والأساطير التي تسيطر على عقول الناس. (الوتد): يرمز إلى التحدي والمواجهة الحاسمة بين قوى الخير والشر. الهوية حيث تشكيل الهوية الجماعية للقرية من خلال تجميع الحكايات المتناقضة (الأسطورة/الواقع الخوف/الشك /المغارة كفضاء رمزي). وهناك أيضًأ صراع الأجيال: الطفل سعيد (المنطقي)، والكبار (المتمسكون بالخرافات).
الأحداث: تدور معظم الأحداث حول مغارة “حمروش” والأقاويل والحكايات المرتبطة بها. تتنوع الأحداث بين وصف لحياة القرية اليومية، وحكايات عن الأرواح والأفعى العملاقة، وقصص عن الزواج والخطوبة. تتطرق الى الأسرة والعلاقات الأسرية والخرافات والمعتقدات الشعبية. والصراع بين العقلانية والخرافة.
السياق السردي والموضوعي: (التقاطعات بين الواقعي والفانتازيا): الأحداث الخارقة (امرأة طولها 3 أمتار، أفعى ضخمة تبتلع الخراف) تُعتبر “اسطورة حمروش “من الخيال الشعبي. كذلك الشخصيات الواقعية مثل: محمد العيسى لمحاولة تفكيك هذه الحكايات، مما يعكس صراعًا بين العقلانية والخرافة. ايضًا هناك (الانزياح الزمني): الماضي “أسطورة حمروش” أحداث من الماضي تُسرد في الحاضر “محاولات كشف الحقيقة”. وكذلك (الانزياح الدلالي): من كونها مكانًا مقدسًا إلى فضاء للصراع بين الحقيقة والخيال. كذلك حمروش: رمز للتراث المكبوت الذي يعود ليطارد المجتمع مثل: الهيكل العظمي للحمار الذي يُكتشف لاحقًا.
المحاور النفسية والاجتماعية والنقدية: (الخوف والقلق- البراءة والفضول- الصراع الداخلي). (الخرافة والعقلانية): تتعمق الرواية في تأثير المعتقدات الشعبية على السلوك الجمعي، كما في خوف القرية من “مغارة الصالحين”، مقابل محاولات الطفل “سعيد” تفكيك هذه الخرافة بفضوله البريء. (صراع الأجيال): يتجلى في مواجهة الأبناء مثل:” سعيد ومحمد العيسى” لقيم الآباء المتجذرة في الموروث، مما يعكس أزمةَ الهوية في المجتمعات التقليدية. (الهشاشة النفسية): يعاني الأفراد من قلقٍ وجودي ناتج عن التعلق بالأساطير، كالخوف من المجهول والشعور بالعجز أمام الطبيعة. (نقد التمسك بالخرافة): العنوان يطرح سؤالًا: هل “حمروش” حقيقة أم مُجرد “خيال” من صنع الخوف والجهل؟ الرواية تعري آليات صناعة الأساطير (مثل قصة اللصوص الذين اخترعوا أسطورة الشيخ حمروش لخداع القرية).
الرسائل الأساسية: نقدٌ لسيطرة الخرافة على العقل الجمعي، ودعوةٌ لتبني التفكير النقدي. تسليط الضوء على صراع الهوية بين التمسك بالماضي وقبول الحداثة. كذلك التأكيد على قوة البراءة والفضول الإنساني في كسر حاجز الخوف. كما تُظهر الرواية كيف يمكن للخوف من المجهول أن يؤثر على حياة الناس وقراراتهم. وتكشف الرواية عن الصراع بين جيل الشباب الذي يسعى للتغيير وجيل كبار السن المتمسكين بالتقاليد. كما تبرز الرواية أهمية التفكير النقدي والعقلاني في مواجهة الخرافات والأساطير.
ختامًا: رواية الأديب جميل عملٌ يجسد التناقضَ بين التراث والحداثة، باستخدام سردٍ يعكس تعقيدات المجتمع الفلسطيني. تُقدِّمُ قراءةً أنثروبولوجيةً لآليات تشكيل المعتقدات، وتُرسي أسئلةً جوهريةً حول دور العقل في تحرير الإنسان من قيود الخوف. ومن هنا نجد أهمية تشجيع القراء على التفكير النقدي وتحليل المعلومات قبل قبولها كحقائق. وتعزيز الحوار بين الأجيال المختلفة لتبادل الخبرات والمعرفة. والاهتمام بالأدب المحلي الذي يعكس قضايا المجتمع وتحدياته.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي