رحلتي مع الكتب ومعرض القاهرة الدولي للكتاب
معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56 ليس مجرد حدث ثقافي عابر، بل هو جزء لا يتجزأ من ذاكرتي وقلبي وعقلي. كل عام يحمل هذا المعرض في طياته مزيجًا من الماضي والحاضر، كأنّه نافذة تفتح لي ذكريات طويلة وتجدد في داخلي شغفًا قديمًا ومتجددًا بالكتاب والثقافة.
أتذكر أيام طفولتي وشبابي الأولى، حين كان المعرض محطة سنوية لا غنى عنها. كنت أنتظر تلك الأيام بفارغ الصبر، أعد نفسي بقائمة طويلة من الكتب التي أحلم باقتنائها. كنت أتجول بين الأجنحة كطفل في حقل من الزهور، أتنقل بين رفوف الكتب، أنقب في عناوين الشعر والموسوعات وكتب التراث، وأغمر نفسي في عالم من الكلمات.
قبل أكثر من ثلاثين عامًا، كان الكتاب بالنسبة لي نافذة مفتوحة على العالم، وسيلة لاكتشاف الحياة. كنت أقف أمام أرفف دواوين الشعر والكتب وأشعر كأنني أمتلك كنزًا حين أضع يدي على كتاب لم أقرأه من قبل. كنت أعود إلى البيت محملًا بحقائب مليئة بالكتب، وأبدأ رحلة قراءة لا تنتهي، أتنقل بين صفحات الأدب والتاريخ، أعيش مع الشعراء والفلاسفة، وأعيد تشكيل عوالمي الداخلية بفضل ما أقرأه.
ومع مرور السنوات، تغيرت الأدوار بعض الشيء. لم أعد فقط ذلك القارئ المتلهف الباحث عن الجديد، بل أصبحت أيضًا كاتبًا يضع كتبه بين أيدي القراء. شعورٌ لا يمكن وصفه أن تجد نفسك جزءًا من هذا المشهد الثقافي، أن ترى كتبك بين المؤلفين، وأن تلتقي بقرائك الذين يأتون إليك بشغف مشابه لذاك الذي كنت أحمله يومًا.
معرض الكتاب ليس مجرد مكان لشراء الكتب؛ إنه احتفال بالمعرفة، لقاء بالأفكار والأحلام، حوار ممتد بين الماضي والحاضر والمستقبل. هو فرصة لتجديد العهد مع الثقافة، والتواصل مع القراء والكُتّاب على حد سواء.
رحلتي مع الكتب ومعرض القاهرة الدولي للكتاب هي رحلة عمر. إنها رحلة حب للثقافة والأدب، رحلة اكتشاف ذاتي وإعادة بناء مستمرة لعالمي الفكري. مهما تغيرت الظروف، يبقى الكتاب نافذتي الأبدية، ويبقى معرض الكتاب المكان الذي أعيد فيه صياغة علاقتي بالحياة، عامًا بعد عام.
أنتظر هذا العام، في الدورة الـ56، لأجد نفسي مجددًا أمام رفوف الكتب، أستنشق عبير الورق، وأغوص في عوالم لا نهاية لها. وكأنّ المعرض يعيد لي طفولتي وشبابي، وكأنّ الثقافة تُعيد خلقنا من جديد.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي