
**خلف جدران الطيف **
في صَوْمَعَةِ الشَّوْقِ،
أَشْرَبُ كَأْسَ الوَلَهِ،
مُتَّكِئَةً عَلَى ظِلِّ صَدًى،
لَا وَجْهَ فِيهِ سِوَاهُ.
أَتَنَسَّكُ بِالحُرُوفِ،
أَصُومُ عَنِ النِّسْيَانِ،
وَأُفْطِرُ عَلَى وَجَعٍ اسْمُهُ.
كُلُّ نَافِذَةٍ تَقْرَأُ مَلَامِحَهُ،
وَكُلُّ جِدَارٍ يُصَلِّي بِاتِّجَاهِهِ،
حَتَّى الوَقْتُ…
يَعْبُرُنِي خَاشِعًا، لَا يُوقِظُنِي مِنْهُ.
أَخُطُّ دُعَائِي بِمِدَادِ الحَنِينِ،
أَذْبَحُ خَيْبَتِي عَلَى عَتَبَةِ الغِيَابِ،
وَأَذْرِفُكَ دَمْعًا لَا يَرَاهُ أَحَدٌ،
وَلَكِنَّ الرُّوحَ تَعْرِفُ مَذَاقَهُ.
هَلْ لِي أَنْ أُكْمِلَ؟
أَمْ أَكْتَفِي بِطَوَافِ هَذَا المِدَادِ حَوْلَهُ؟
فَهُوَ دَاءٌ وَدَوَاءٌ،
وَسِرِّي المُعَلَّقُ فِي رَقَبَةِ القَدَرِ.
فِي مِحْرَابٍ سَقْفُهُ وَهْجُ عَذَابٍ،
أَرْتَشِفُ كَأْسَ الوَلَهِ بِبُطْءٍ،
كَأَنِّي أَخْشَى أَنْ أَفِيقَ مِنْ سُكْرٍ
حِينَ مَرَّ طَيْفُهُ كَأُنْشُودَةٍ قَدِيمَةٍ، فِي أَثَرِ خَاطِرَةٍ.
كُلُّ رَشْفَةٍ تَنْطِقُ بِاسْمٍ لَمْ أَعُدْ أَجْرُؤُ عَلَى نُطْقِهِ،
كَأَنَّ الحُرُوفَ تَخُونُنِي حِينَ أَصِلُ لَهُ.
الجُدْرَانُ صَامِتَةٌ،
وَلَكِنَّهَا تَعْرِفُنِي…
تَعْرِفُ كَمْ مَرَّةٍ رَسَمْتُ طَيْفَهُ عَلَى الحَائِطِ بِدَمْعٍ خَفِيٍّ،
كَمْ مَرَّةٍ صَلَّيْتُ لَهُ بِلَا سُجُودٍ،
وَأَقَمْتُ اللَّيْلَ عَلَى وَقْعِ أَنْفَاسِهِ المُتَخَيَّلَةِ.
الوَقْتُ لَا يَمُرُّ…
أَوْ رُبَّمَا أَنَا العَالِقُ بَيْنَ عَقْرَبٍ يُشِيرُ لَهُ حَصْرًا،
وَآخَرَ يَرْفُضُ أَنْ يَبْتَعِدَ.
لَا صَوْتَ…
إِلَّا ارْتِجَاجَ الخَيَالِ كُلَّمَا عَبَرَنِي رِيَّا،
وَمَرَّ طَيْفُكِ وَالهَوَى مُتَعَطِّرٌ
بِرِيَّا المُنَى، وَبِنَشْوَةٍ لَا تُحْتَمَلْ.
أَوْ مَالَتْ بِي الذَّاكِرَةُ نَحْوَ أَوَّلِ الحَنِينِ.
أَمْشِي دَاخِلِي كَأَنِّي دَيْرٌ مَهْجُورٌ،
كُلُّ زَاوِيَةٍ فِيهِ مُسَبِّحَةٌ،
كُلُّ رُكْنٍ بَوْحٌ.
كَمْ مَرَّةٍ قُلْتُ: سَأَنْسَاهُ؟
وَكَمْ مَرَّةٍ خَذَلَتْنِي النِّيَّةُ عِنْدَ أَوَّلِ رَفَّةٍ تُشْبِهُهُ؟
حَتَّى النَّوْمُ…
لَمْ يَعُدْ حِيَادِيًّا،
صَارَ مِيدَانًا تُحَارِبُنِي فِيهِ صُورَتُهُ،
بِوَجْهٍ يَبْتَسِمُ وَلَا يَقْتَرِبُ.
أَخْشَى الخُرُوجَ…
فَفِي الشَّارِعِ رَجُلٌ يُشْبِهُ مَشْيَتَهُ،
وَفِي الأَغَانِي نَبْرَةٌ تَسْكُنُ صَوْتَهُ،
وَفِي الكُتُبِ جُمْلَةٌ تَرَكَهَا لِي وَلَمْ يَقُلْهَا.
صَوْمَعَتِي تَضِيقُ…
وَلَكِنِّي لَا أَخْرُجُ،
لِأَنَّ الخَارِجَ لَا يُشْبِهُهُ،
وَلَا يُشْبِهُنِي بَعْدَ غِيَابِهِ.
ورود الدليمي /العراق
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي