أنتَ في البعد أجمل!
لو سمحت لك الظروف يوماً بالسفر والعيش في المهجر بعيداً عن أهلك وناسك، في أحد البلدان المتقدمة التي توفر الرفاهية لمواطنيها وتصون كرامتهم، وبعدما تنقضي الفترة الأولى من الانبهار بمظاهر التطور ويُسر العيش ونظام الحياة، يبدأ الشوق إلى موطنك الأصلي بالتسلل إلى قلبك. فتفتقد الأشياء التي تركتها خلفك. ولعل أول شيء ستفتقده، هو الروائح، وبالخصوص رائحة الطعام الذي يتنوع مع اختلاف المناسبات والمواسم والفصول، وحتى الشهور والأيام. فلن تخطِئ يوم الجمعة ورائحة الكسكس تفوح من كل البيوت؛ كما رائحة “الحريرة”، حساء رمضان الشهير يذكِّرك بشهر الصيام؛ بينما رائحة الدجاج المحمر ومرق اللحم بالبرقوق تنبهك إلى أن هناك فرحاً في الجوار.
والروائح بدورها تحيلك على الأجواء المصاحبة لها، الأماكن والأشخاص؛ فيتضخم شعور الافتقاد لديك. لمسة يد أمك وصوتها وهي توقظك في الصباح، بينما رائحة الشاي بالنعناع أو القهوة بالشيح والزعتر القادمة من المطبخ تداعب أنفك وتلهب حواسك؛ تربيتُ يد والدك على كتفك عند عودتك في المساء، بينما تسرع بتَحيته وتنسحب قبل أن يشتمَّ فيك رائحة السجائر أو الكحول؛ مشاكسة إخوتك وسمركم حول طبق اللب والفواكه الجافة؛ مجالسة أصدقائك على شرفات المقاهي وسهراتكم، تلعبون الورق، تلفُّكم رائحة التبغ وشرابكم المعتاد؛ ذكرى حب أَضعتَه بين تردد أو جبن وقلة حيلة، وعِطر يد شبكَت أصابعها مع أصابعك صدقاً، وأفلتتَها مِن قبضَتِك سهواً.
ستفتقد الكثير، التحية المتبادلة مع الجيران في الصباح، حديثك مع صاحب البقالة الذي يحوز كل أخبار الحي، التسكع بين الدروب والأسواق العابقة بالنكهات، تفاصيل عديدة كانت تؤثث يومك وتصنع بهجتك.
وفي لحظات الحنين الجارف، قد يأخذك الشوق واللهفة، فتصبو إلى معانقة أرضك وأحبائك، وتنسى كل الذكريات الأليمة؛ ضعفَـك، شعورك بالغبن والمهانة، مظاهر البؤس حولك، جميع المشاكل والمعيقات تخِفُّ حِدتها بفعل ساحر. وربَّما إن سألوك من أي بلد أنت، سوف تجيب، والدمع يترقرق في عينيك:
” أنا من أجمل بلد في العالم!”.
نعيمة السي أعراب – مهندسة وكاتبة من المغرب
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي