الشاعرة البحرينية منار السماك لمجلة أزهار الحرف بمناسبة صدور ديوانها الجديد “عناق خطير للريح”
مقدمة:
تُعدّ الشاعرة والقاصة البحرينية منار السماك إحدى الأسماء الأدبية البارزة في المشهد الثقافي البحريني والعربي، حيث تمتد تجربتها في الكتابة إلى مجالات متعددة، من الشعر إلى القصة القصيرة، إضافة إلى نشاطها النقابي والاجتماعي في قضايا المرأة وحقوقها. شاركت السماك في العديد من الفعاليات الأدبية والثقافية داخل البحرين وخارجها، وأسهمت في إدارة أمسيات ومؤتمرات أدبية متنوعة.
صدر لها عدة أعمال أدبية، منها ديوانها الشعري “إليك أكتب”، ومجموعتها القصصية “سم الأفعى”، بالإضافة إلى إصدارات أخرى مثل “ومضات قال أحبك ورحل”، “غياب” (قصص قصيرة)، وأخيرًا ديوانها الجديد “عناق خطير للريح”، الذي يُعرض حاليًا في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56.
من هنا كان لمجلة أزهار الحرف أن تحاورها وتتعرف على مشوارها الأدبي
نتحدث مع الشاعرة منار السماك عن ديوانها الجديد، تجربتها الأدبية، ورؤيتها للمشهد الشعري العربي، كما نتطرق إلى علاقتها بالأديب ناصر رمضان عبد الحميد رئيس ملتقى الشعراء العرب.
حاورتها من لبنان جميلة بندر
**
- بدايةً، مبروك على صدور ديوانك الجديد “عناق خطير للريح”. كيف تصفين هذا الإصدار وما الذي يميزه عن أعمالك السابقة؟
شكرًا لكم. “عناق خطير للريح” يمثل محطة فارقة في تجربتي الشعرية، حيث يأتي مختلفًا عن أعمالي السابقة من حيث الموضوعات والأسلوب. في هذا الديوان، حاولت تجاوز الأطر التقليدية والاقتراب أكثر من مشاعر الإنسان في ظل الفوضى والتحولات الكبيرة التي نعيشها. القصائد هنا مشبعة بالتأمل والقلق الوجودي، وتعكس هواجس الروح في مواجهة العدم والتيه. يختلف الديوان عن أعمالي السابقة في أنه أكثر تجريبية من حيث اللغة والصورة الشعرية، وأكثر عمقًا في استنطاق الأسئلة الوجودية.
- ما الدافع وراء اختيار هذا العنوان؟ وما الرمزية التي يحملها “عناق خطير للريح” في قصائد الديوان؟
العنوان جاء ليعبر عن فكرة الاحتضان القلق، ذلك العناق الذي لا يهب الطمأنينة بل يفتح الباب أمام احتمالات مجهولة. “الريح” هنا ترمز للتحولات العاصفة التي قد تكون داخلية أو خارجية، وهي ليست مجرد عنصر طبيعي، بل رمز للقلق والحرية واللايقين. كل قصائد الديوان تدور في فلك هذا التوتر بين الاحتواء والانفلات، بين السكون والحركة، وكأنها مواجهة دائمة بين الروح والواقع.
- كيف ترين تطور تجربتك الشعرية منذ إصدارك الأول حتى اليوم؟ وهل هناك تحولات واضحة في أسلوبك ومواضيعك الشعرية؟
بلا شك، هناك تطور واضح. في بداياتي كنت أميل إلى البوح المباشر والتكثيف العاطفي، أما الآن فأصبحت أبحث عن العمق الفلسفي في الكتابة، وأصبحت أكثر وعيًا بأدواتي الشعرية. هناك تحولات في الأسلوب أيضًا؛ فقد أصبحت لغتي أكثر انسيابية، وصوري الشعرية أكثر انفتاحًا على التأويل. أجد أنني انتقلت من الذاتية الخالصة إلى تناول قضايا أكثر شمولية تتعلق بالإنسان والعالم.
- إلى أي مدى تأثرت كتاباتك بتجربتك في العمل النقابي والاجتماعي؟ وهل هناك خيط يربط بين نضالك في قضايا المرأة وبين صوتك الشعري؟
الكتابة والنضال وجهان لعملة واحدة بالنسبة لي. تجربتي في العمل النقابي والاجتماعي جعلتني أكثر وعيًا بأهمية الكلمة، وأقرب إلى قضايا الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص. في شعري، لطالما كان صوت المرأة حاضرًا، ليس من منظور الخطاب المباشر، بل من خلال إبراز معاناة المرأة، قلقها، وأحلامها. أرى أن الشعر أداة مقاومة بقدر ما هو أداة تعبير، ولذا فإن نضالي في قضايا المرأة ينعكس حتمًا في كتاباتي.
- ما أبرز التحديات التي تواجه الشاعرات في المشهد الأدبي العربي اليوم؟ وهل تعتقدين أن المرأة الشاعرة ما زالت تواجه قيودًا معينة؟
رغم التقدم الملحوظ، لا تزال الشاعرات يواجهن تحديات عدة، منها النظرة النمطية التي تضع الشعر النسوي في إطار معين، وكأن المرأة تكتب فقط عن العاطفة. كذلك، هناك تحديات تتعلق بالنشر والتوزيع، حيث تهيمن المؤسسات الذكورية على المشهد الأدبي في كثير من الأحيان. صحيح أن الأوضاع تغيرت، ولكن لا تزال بعض القيود المجتمعية تفرض نفسها، خاصةً عندما تحاول المرأة كسر التابوهات أو التعبير عن ذاتها بحرية مطلقة.
- شاركتِ في العديد من الأمسيات والمؤتمرات الأدبية. كيف ترين أهمية هذه المشاركات في تعزيز حضورك كشاعرة؟ وما أبرز تجربة لا تزال عالقة في ذاكرتك؟
هذه المشاركات أساسية لأي كاتب، فهي ليست فقط فرصة لتقديم النصوص للجمهور، بل أيضًا مساحة للحوار والتفاعل مع تجارب أخرى. أكثر تجربة لا تزال عالقة في ذاكرتي كانت مشاركتي في أحد الملتقيات الأدبية في المغرب، حيث وجدت نفسي أمام جمهور متذوق للشعر، وكانت ردود الأفعال مدهشة. مثل هذه اللقاءات تعطي الشاعر دفعة جديدة، وتفتح أمامه أفقًا أوسع.
- لديك تجربة في كتابة القصة القصيرة إلى جانب الشعر. كيف توفقين بين هذين المجالين؟ وهل تجدين أن هناك تقاطعًا بينهما في أسلوبك الإبداعي؟
بالنسبة لي، الكتابة هي حالة إبداعية واحدة، ولكن تختلف الأدوات بين القصة والشعر. أحيانًا أبدأ فكرة على شكل قصيدة ثم أجدها تتحول إلى قصة، والعكس صحيح. أرى أن القصة تمنحني مساحة للحكي والسرد، بينما الشعر يركز أكثر على اللحظة والانفعال المكثف. هناك تقاطع بينهما في الأسلوب، خاصةً في اللغة الشعرية التي أحاول أن أترك أثرها حتى في القصص التي أكتبها.
- حدثينا عن علاقتك بالأديب ناصر رمضان عبد الحميد رئيس ملتقى الشعراء العرب، وكيف أثرت هذه العلاقة على مسيرتك الأدبية؟
علاقتي بالأديب ناصر رمضان عبد الحميد هي علاقة أدبية وثقافية مميزة، حيث كان له دور في دعمي ككاتبة، خاصة من خلال تسليط الضوء على أعمالي في ملتقى الشعراء العرب. الحوارات والنقاشات التي دارت بيننا أثرت تجربتي الشعرية، وفتحت لي آفاقًا جديدة في فهم الشعر والتفاعل مع الساحة الأدبية بشكل أوسع.
- كيف ترين دور الملتقيات الأدبية في دعم الإبداع الشعري؟ وهل ترين أن هذه التجمعات تساهم في إبراز الأصوات الجديدة؟
بالتأكيد، الملتقيات الأدبية لها دور كبير في دعم الإبداع، لأنها تتيح للشعراء فرصة الاحتكاك المباشر، وتوفر لهم منصة للتعبير والتواصل. هذه التجمعات تسهم في إبراز الأصوات الجديدة وتفتح أمامها أبواب النشر والانتشار، خاصةً في ظل صعوبة الوصول إلى دور النشر التقليدية.
- برأيك، كيف يمكن للشعر أن يواكب التحولات السريعة في العصر الرقمي؟ وهل تجدين أن وسائل التواصل الاجتماعي أثّرت إيجابيًا أم سلبيًا على الشعر؟
الشعر، كغيره من الفنون، يجب أن يتكيف مع العصر الرقمي. صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت منابر للشعراء، لكنها في الوقت ذاته خلقت نوعًا من الاستسهال، حيث أصبح البعض ينشر نصوصًا غير ناضجة بحثًا عن الإعجابات السريعة. ولكن بالمجمل، أرى أنها أداة إيجابية إذا تم استخدامها بوعي، لأنها تساعد في إيصال الشعر إلى جمهور أوسع.
- أخيرًا، ما القادم بعد “عناق خطير للريح”؟ هل هناك مشاريع أدبية جديدة قيد التحضير؟
نعم، هناك مشاريع أدبية جديدة، منها مجموعة قصصية قيد الإعداد، بالإضافة إلى ديوان شعري جديد بدأ يتشكل في ذهني. الكتابة بالنسبة لي رحلة لا تتوقف، ودائمًا هناك أفكار تنتظر أن تتحول إلى نصوص.
- ماذا عن مصر والثقافة والأدب وماذا أضافت لك القاهرة؟
مصر كانت وما زالت منارة ثقافية. القاهرة أضافت لي الكثير من خلال الاحتكاك بأسماء أدبية كبيرة، وحضور فعاليات ثقافية غنية. أشعر أنني تعلمت منها الكثير، ليس فقط على مستوى الكتابة، ولكن أيضًا على مستوى فهم روح الأدب العربي.
- كانت لك أمس مشاركة مع مجموعة من الشعراء والشاعرات بالوطن العربي، كما تم تكريمك. في اتحاد كتاب مصر حدثينا عن شعورك.
كان شعورًا رائعًا ومؤثرًا أن أكون جزءًا من هذه الفعالية الأدبية المميزة، حيث التقيت بنخبة من الشعراء والشاعرات من مختلف أنحاء الوطن العربي. كانت الأمسية حافلة بالإبداع، والتفاعل مع الجمهور والأصوات الشعرية الأخرى أضاف بعدًا جديدًا لتجربتي. أما لحظة التكريم باتحاد كتاب مصر العريق فكانت مزيجًا من الفخر والامتنان، فهي ليست مجرد تقدير لمجهودي الشخصي، بل أيضًا اعتراف بأهمية الشعر ودوره في المشهد الثقافي. أشعر بالامتنان لكل من دعمني وساندني في مسيرتي الأدبية، وهذا التكريم يدفعني للمضي قدمًا والاستمرار في تقديم ما أؤمن به من إبداع.
حاورتها من لبنان جميلة بندر
محررة بمجلة أزهار الحرف
عضو ملتقى الشعراء العرب
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي