والدتي والجارة
مهما ابتعد الإنسان زمناً عن مسقط رأسه ، وعن منزله الأول ….. تبقى جذوره مَغروسة في كلِ شبر منه ، ولله، مازلت لم أغادر كوخي الصغير والقديم في الفيحاء العريقة؛ هذا الكوخ في حيّ متواضع إلا أنه قصري العظيم ، يزينه أبي وأمي وهما نبراس حياتي …. عطاؤهما بتفان وعاطفتهما ليس لها حدود …. صدقهما منغَّم بجميع الألحان …. وهي غذاؤنا … حَيُّنا يجمع كل الأجناس والأنواع السكانية من طوائف ومذاهب … والجميع أسرة واحدة على الخير ….
والواقع أنه لا يخلو الأمر من بعض المفاجآت وهي مكمّلة للحياة …. وكان نصيبنا، بالقرب من بيتنا جارة لها ولد وحيد يقارب سنه من عمر أخي (( الثالث )) ترتيبه في أسرتنا ، هما مع أولاد الحارة يشكلون فريقاً لكرة القدم، وكان أخي حارس المرمى. أذكر أنه في أحد الأيام، رجع أخي راكضاً، مضطرباً، لاهثاً، يتصبب وجه عَرقاً؛ سألته والدتي ما بك “رامي”؟ لا ، لا شيء ؛ خلصنا لعب فريق كرة القدم ….
ما إن دخلت والدتي المطبخ لتؤمن الطعام … حتى سمعت طرقاً شديداً على الباب … افتحي – افتحي ..
“الله يجيرنا هذه الجارة أم ربيع”، تفتح أمي الباب كعادتها وابتسامتها دائمة مرسومة على وجهها قائلة: “خير أم ربيع ؟ تفضلي!” أجابت الجارة بصوت عالٍ أي خيرهذا ؟ وأنتم بجوارنا !!! ابنك تعدّى على ربيع، وضربه فعلّم كفّه على خدّهِ بلونه الأحمر … رجع إلى البيت باكياً شاكياً متألماً…. أحسني تربيتة “رامي” مؤذٍ ….
يا للغرابة كم كان صدر والدتي رحباً .. يمتص الأحداث ويُليّنها – ويلتمسُ لها أعذاراً.. كي تسيرالحياة على أحسن ما يرام ….
يا جارتي أم ربيع ، حقك علي كبير؛ أنا لا أتقن التربية، لكن أليس الجار للجار ولو جار ؟! ساعديني فالأخذ والعطاء أيضاً من شيمة الجوار ….نادت أمي: “يا رامي” فحضر بسرعة والقلق ينتابه ؟
نعم ماما….
هذا ابني وديعة بين يديك اعيدي تربيتهُ… أنت أم له أيضاً .. مثلي ، وأنا شاكرة لك فضلك يا جارتي… قاطعتها: “ماما!”
فهمتْ أمي أنني أحثها على الرَّد القاسي … فاستدركت قائلة : “مش شغلك”
طبّقت فمي ونفذت دون أن أعترض … بقيت أستمع لأرى ما هو دور الوالدة في الدفاع عن أخي وسمعتها تقول :
يا أم ربيع بعد فترة من الزمن قد يعود “رامي وربيع” لمتابعة اللعبة ولتشكيل فريق جديد وهما من أفراده … وكأن شيئًا لم يكن ليتنا نكون بسماحة هؤلاء الأطفال، وبطباع قلوبهم، هل سألتِ “ربيع” ما هو رد فعله أنذاك؟ بالنسبة لابني؟ ابتسمت غير مبالية، شتمهُ لأنه لا يستطيع مقاومته جسدياً…
إذاً يا جارتي هل مقاومة الذي يقدر مثل مقاومة الذي لا يقدر؟ ومع هذا أنا لستُ مع الخطأ أبداً… لكن حسن الجوار مطلب البقاء والإستمرار لهذه الحياة التي متاعبها لا تنتهي … وتعلمنا أن الجار يكاد أن يرث جاره، وأحب لأخيك ما تحب لنفسك…
وأعدكِ أنني لن أقصر في عقوبته كي لا يكرر الخطأ… وسأشرب وإياكِ فنجان القهوة ونبارك الجيرة من جديد.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي