وكان عرسا
.. في مثل هذا اليوم
فككت ضفائري
وربطة شعري الزرقاء
خلعت الزي المدرسي الكحلي
في مثل هذا اليوم
فككت حبل الأرجوحة
التي صنعتها بنفسي
في غصن زيتونة
في الجل الأخير المطل على الشارع
مثل هذا اليوم ، سكبت الدموع حتى تشوه ماكياج وجهي
ونزلت درج بيتنا الطويل
المؤلف من ثمانين درجة
ومع كل واحدة ،
كانت تنزل دمعة على بضعة من عمري :.
هنا أخطت الثياب لكل باربيات Barby
الفتيات
هنا رددت الاغنيات
ولحنتها مع ابن خالتي ايمن
هنا . ناولت أبي
إبريق الفخار وهو ينكش الحقل ويزرع مع كل وردة قصيدة
على هذه الدرجة انتظرنا انا ورفقائي
وصول الباص الكبير للذهاب في رحلة سياحية إلى بعلبك ورددت ” يا قلبي لا تتعب قلبك …”
هنا تسامرنا
انا وشلة من الأقارب
مع القمر وغنينا اغاني كاظم الساهر (بعد الحب..)
هنا لحق بي ابن الجيران
ونظر إلي بخجل
وهو يخبئ وراء ظهره
طبق وردة جورية سرقها من أحواض الورود المتدلية فوق أسوار أحد الحدائق.
هنا .على هذه الدرجة
ناولتني عمتي رغيف خبز مرقوق عبر السور الشوكي الذي كان يفصلنا عن بيتها
هنا لحقت بي
الكلبة الوفية “ستيلا” او هرتي “لولو”
وانا أغادر المنزل.
هنا أطعمت هرة جائعة .
هنا استقبلت اولادا اتوا من أقصى احياء القرية كي يلتحقوا بالمدرسة الصيفية التي أقمتها في الطابق السفلي من بيت اهلي
في مثل هذا اليوم
لم اعد استيقظ على صوت أبي وهو يتلو القرآن فجرا
ولا جلبة فناجين قهوة امي وهي تقراها لجارتها
في الصباح
ولا صوت اختي الفيروزي
تركت حلقات سوق عكاظ
والكلمات المتقاطعة
وتبادل الأحاديث عن موليير بودلير وروسو وجبران
وإتقان اغاني خوليو وجو داسان وميراي ماتيو وانريكو ماسياس
في مثل هذا اليوم إنسلخت عن جمالات الكون كما ينسلخ طفل عن أمه عند الفطام
في مثل هذا اليوم .تركت سريري والعابي وكل peluches
من صديقاتي
واجندة يومياتي
وكل الرسائل والمعايدات
في مثل هذا اليوم
تركت كل شيء ورائي
الكل كان يغدق علي بالإطراءات ويثني على أناقة ثوبي الأبيض الطويل من الطراز الفرنسي
وعلى تسريحة شعري المرصع بحبات من اللؤلؤ الأبيض
على سيارة الليموزين التي اقلتني
على حفلة العرس الذي كان في وسط البحر
والشموع والورود و حلقات الدبكة
وعلى اليمامتين اللتين تعانقتا وقالتا بهديلهما :مبروك
بعد ما حلقتا فوق قالب الحلوى المؤلف من اثني عشرة طبقة
والبوفيه المفتوح
والقارب الأبيض المغطى بباقات الزهور .
وما زلت أذكر جملة اختي زهرة الحنون : طالعة متل القمر امونتي “
تركت كل شيء ورائي
وكنت أقيم في داخلي رثائي
ودعت لمسات أبي وجلسات إخوتي حول مائدة واحدة
مثل اليوم إعترفت
بفشلي في الحب بعبوديتي في قفص ذهبي
وهدمت خلية النحل
وسرقت منها أكذوبة العسل
فلن يحبك رجل بصدق كالأب
ولا من يحتضنك بدفء غير الأم
لا يمكن ان تحفظ سرك وتخشى عليك سوى الأخت
ولا يسندك إلا الأخ
في مثل هذا اليوم
اصبحت سمكة
خارج الماء
ودعت طفولتي ومراهقتي
ودعت عذريتي
وأصبحت امراة عذراء .
آمنة ناصر
السبت ٢٧ آب
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي