قصة :شروق لطيف لعبة غالية الأثمان
فى أحد ليالى الصيف الماضى تلقيت دعوة لحضور حفل زفاف وكان مقاما فى قاعة ضخمة لأحد قصور الأثرياء .
ولكنها تركت فى نفسي ألما لا يفارق مخيلتى وأمضى من السيف الى قلبى كل ما تكررت الدعوة لحفلات مشابهة…..
إذ بينما كانت فقرات الحفل الساهر تتوالى وإذ فجأة تعالى صياح المدعوين إيذانا ببدء فقرة الراقصة فإزدادت الحماسة فى التصفيق وتعالت اصوات الصياح وازداد الهرج والمرج للإشتراك فى الغناء والتراقص على أنغام الموسيقى الصاخبة ،
ولكن ما إن انفتح الباب ووقع ناظرى عليها إلا وأصبت بالذهول إذ وجدت فتاة نحيلة الجسم قصيرة القامة تكاد ان تتعثر فى ملابسها إذ كانت ترتدى ثوبا من ثياب الرقص المبهرجة وقد بدا اكبر من مقاسها وكأنه يقول لها لا لست لك ايتها الفتاة الأغّر…
وما أن بدأت بحركات الرقص إلا وتخيلت دمية المولد الخشبية المربوطة بالأسلاك فى اوبريت الليلة الكبيرة لصلاح جاهين بل ولاحظت الوجوم باديا على وجهها كأنها تقوم بدور مكلفة به رغما عنها
فأطرقت ساهمة متسائلة هل هى راغبة فى ذلك لكن كيف وهى فى نظرى لم تتجاوز السبعة عشر ربيعا من عمرها كيف ومثيلاتها مكانهن على المكاتب للإستذكار وتحقيق مستقبل باهر وانتظار فتى الأحلام المرتقب لبدء حياة ملؤها الحب والسعادة
ما الذى دفع هذا الغصن الرطب لكى تلقى فى نيران آكلة..
العديد من التساؤلات دارت فى مخيلتى ولم استطع التوصل الى اجابة شافية …
وزاد حنقى رويدا رويدا عندما تحولق حولها الشباب وأخذوا يضيقون عليها الخناق فتخيلت انها يمامة ضعيفة قد وقعت فى شباك الصيادين ومما ضاعف ألمى وزادنى شجنا هو رؤية رجلا جهما بدينا وإذ هم بالإقتراب منها ليلقى عليهآ رزمة ضخمة من النقود وكأنه نوع من التباهى بالغنى المفرط امام المدعوين وأخذ يرمقها بلحاظه وكأنها سهاما تكاد تخترق جسدها الهزيل فاستأت من دناءته وقلت ما هذا أيها الرجل الوضيع بماذا افتتنت هل بفتاة فى عمر احفادك ايها الثمل المغيب ؟!!
عار عليك وانت تتمايل بجفرتك يمينك ويسارا أليس بالأحرى ان تخجل من تصرفاتك الممقوتة وتأخذك الرقة والشفقة عليها وتنتظرها خارجا وتعطيها ما القيته عليها من المال وتقول لها اذهبى يا ابنتى ولا تعودى الى مثل هذا العمل ثانية فتكون أنقذتها من سوء العاقبة وربّ تدعي لك دعوة تنفعك وانت على مشارف انتهاء الحياة
فشعرت باختناق شديد فقررت الخروج الى الحديقة علّنى أجد بعض الهواء الرطب لتهدأ لجة نفسي من عزم الحزن والألم الذى اخترق احشائى كسكين …
وإذ وقع على مسامعى حديثا من اثنتين ممن يطلقون عليهن عواجيز الفرح
وإذ بواحدة تقول للأخرى سيكون لها مستقبلا جيدا فى الكبر ستنافس الراقصات الروسيات المشهورات
فتمتمت فى سري متهكمة للأسف وبئس المصير..
لترد الأخرى بجملة نزلت كصاعقة على أذنى قائلة يقال ان والدتها تنتظرها خارج القاعة جالسة على السلم الخلفى للحديقة وما أن سمعت تلك الكلمات التى أثارت حفيظتى إلا واندفعت بدون تفكير متجهة الى هذا المكان وانا مستعدة ان اوجه لها كل اسباب التقريع واللوم فى كيفية انتزاع عاطفة الأمومة من قلبها وكيفية ان تزج بإبنتها فى هذا الأتون ولكن….
ما ان اقتربت اليها إلا وتحولت مشاعر الغضب الى شفقة والتقريع الى رأفة إذ وجدت امرأة نحيلة الجسد عابسة الوجه تستند برأسها على الحائط المجاور للسلم وبجانبها طفلا صغيرا لم يتعد السبع سنين من عمره يلهو بلعبة صغيرة فى يده…
فقصتها تبدت امام عينى بدون كلمات فهى لم تحتاج الى شرح او تبرير لان مأساتها تبدت فى انها ارملة فقيرة قد انهكت صحتها فى العمل من اجل اعالة أطفالها وداهمها المرض الذى منعها من الاستمرار فى الكفاح فلم تجد بُدا بدلا من ان يموتا من الجوع الا لأن تستمع للنصيحة الغير شريفة التى عرضت عليها الزج بابنتها فى هذا الوضع الردئ مع التأكيد لها بعدم القلق عليها مادامت ستصحبها معها آمنة الى المنزل ثانية فاضطرت تصديق الكذب والإذعان للتضليل بنفس مُرّة تملأها الحسرات وعين مسهدة تفيض منها العيرات ….
ولكن بقيت الاسئلة التى دارت مثل العواصف الهوجاء فى خلدى الى متى ستضمن هذا الأمان الزائف والمؤقت هل سيظل حتى توافي الأم المنية فقط ثم تفتح ابواب الشر على مصراعيها لتلتهم هذه الفتاة المظلومة ولكن وجدت ان هذا السؤال انما رد عليه سليمان الحكيم والذى يحمل إجابته فى طيات سؤاله :
أيأخذ انسان نارا فى حضنه ولا تحترق ثيابه أو أيمشى على جمر ولا تكتوى قدماه ؟!!
ولكن ظل التساؤل الآخر الذى لم أتمكن من ايجاد حلا شافيا له الا وهو هل هذا الطفل الصغير الذى يلهو سعيدا الآن سيقدر يوما أن هذه اللعبة الصغيرة الذى استمتع بها فى طفولته والتى قد اشترتها له أخته المكلومة والذى جار عليها الزمن انها دفعت لقاءها لتسعده أغلى الأثمان؟!!!
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي