دبابات صديقة للبيئة … وتنمر وَفِيّ
نمضي في حربنا اليومية مع الحياة وفي هذا الزمن المعدم من الزمن، الكل أصبح يعرف -لا بل خبيرا- بما يسمى بالحرب الباردة سياسة التقويض من الداخل والابتعاد عن كل الأشكال العنف العسكرية، ثم ظهرت اليوم النسخة المطورة لها دائمة التحديث – كقهرنا – هي “الحرب الناعمة، التي تخطط ليس فقط لتسلبك كل ما تملك بل تشفيرك لتشكرها حتى على ما سلبته منك، هذا في الشأن السياسي يا سادة، والأجدر به أن نقول: لا تعليق.
أما في الشأن الاجتماعي معضلة اليوم وعثرة الغد دبابات صديقة تسير وتطحن كل ما يعترضها تدوس البشر قبل الحجر، تشحذ قوتها من القتل والدمار الطاقي، تشحذ طاقاتها من استنزافك، وهي صديقة للبيئة لا شيء يثبت أنها تلوث الأرواح لأنها تعمل في الخفاء، هذه الدبابة هي نفس تعاني من عدم الثقة الداخلية، تعاني من نقص في حب النفس، تعاني من نقص الرحمة، تعاني من عدوانية مدمرة، فيخرج كل هذا النقص منها على شكل انتقاد جارح أو تحكم غير منطقي وغير مبرر أو تسلط، وفي أفضل حالاتها تلجأ للصمت العقابي والسخرية المبطنة، تقصفك بنصف ابتسامة تصيب القلب والروح معا، وقد شاع في الآونة الأخيرة مصطلح التنمر وكيف الانسان يصبح كالنمر بسلوكه العدواني وصنفوا التنمر بأنواع كالتنمر الجسدي والتنمر اللفظي … كل أشكال التنمر هذه ظاهرة تدين مرتكبها، أما الدبابات الصديقة المطورة اليوم تلجأ للصمت القاتل، تلجأ لتجاهلك، لجعلك تشعر بالإهانة، تبث لك الاحساس بأنك غير مرغوب فيك وبأنك من مستوى وضيع أو أدنى منها بدرجات، وأن أي انجاز لك أمر سخيف أو حتى تهمة تدان بها، بالهمز واللّمز تقتلك (اللمز: المخاطبة من خلال العين بإشارات وحركات تؤذي النفس وتجرح الروح) وقد تجد هذه التصرفات أحيانا حتى بين الأهل والأولاد، فتراك أحيانا تصرخ ( شو ما عملت له ما برضيه ) نعم يا أصدقائي لا يرضيه ولن يرضيه لأنه غير راض عن نفسه وغير قابلا لها، فكيف سيرضى عنك ويقبل بك؟
للأسف تربيتنا التقليدية وأخلاقنا غالبا ما كانت لا تسمح لنا بالرد أو المواجهة أو الانزلاق لمنحدراتهم، ولا علم لنا بهذه الأساليب النفسية المدمرة، فكنا عزّل نواجه كل هذه الدبابات بقلب عارٍ ونحاول النهوض، لذلك كنا ذخيرتهم وكنا سلاحهم وكانت طاقاتنا وقودهم وكنا انجازاتهم كنا مساندا لهم في انتصاراتهم علينا ..
كفانا، كفى نستنفذ طاقاتنا
كفى نغذيهم ونغذي سلبياتهم، صمتنا أجلسهم ليس على أكتافنا وحسب بل على أنفاسنا،
هذه الدبابات التي تجلس وتحتسي القهوة معك، هذه الدبابات التي تدعوك لمناسباتها، هذه الدبابات التي تعمل معك، تزين لك السكين الذي ستذبحك به،
ولا دليل.. نعم ولا دليل.
تعيش مع وحش بشري خبير بطحن النفس، بالقنص في الروح، باحتقارك بإتقان وعناية… ولا دليل، تقوّض نفسك من الداخل بشكل تام حتى تفرغك وتجعلك هيكلا وجسدا حاضرا بين الآخرين، فأين الدليل؟
لكل من يعاني بصمت تجاهل، تجاهل وأكمل.. ليس فقط من الخارج تجاهل من صميم قلبك فأنت البحر الذي لا يسممك انسان، تجاهل وابتعد حتى تخور قواه ويسلك سلوكا آخر أو يأكل نفسه كالأخطبوط حين تقطع أحد أطرافه.
لا تنتظر قضاء ينقذك، ولا شكوى للآخرين تنقذك، إرحل عنهم وحسب.
يقين حمد جنود
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي