الفنانة التشكيلية العراقية الدكتورة :عايدة الربيعي لمجلة أزهار الحرف

العراق بلد الفن والإبداع والجمال، فلا يوجد بين الناس إلا الفن، ما بين الرسم والشعر والنحت يحيا الشعب العراقي
وساهمت المرأة العراقية بفنها وإبداعها وزادت الجمال جمالا.
من هنا كان لنا هذا الحوار مع الفنانة التشكيلية العراقية الدكتورة :عايدة الربيعي
لنتعرف على فنها وإبداعها ومسيرتها المليئة بالجمال والفن.
حاورتها من لبنان/نجوى الغزال

حوار مع الفنانة التشكيلية عايدة الربيعي من العراق

١_ يرتكز الفن التشكيلي على الخيال فكيف تسعى عايدة الفنانة التشكيلية الى تغذية خيالها لتبدع في أعمالها الفنية؟

ج/ العملية الابداعية بمجملها هي اعادة صياغة للحقيقة بمخيلة الفنان التشكيلية. لذا فان مفهوم الخيال في العملية الابتكارية، الجمالية، (الابداعية) يعد من المفاهيم المهمة، يتغذى الخيال من الخبرات السابقة ومن الذكريات والصور التي تمّ تكوينها مسبقاً.. عادة ما أستثمرها للتوظيف داخل بنية العمل الفني، بما يسمى عملية ابتكار الجمال المادي. انه هاجس ينمي مخيلة وفكر الإنسان الفنان أو بمعنى آخر هي اشياء أتخيلها من بواطن فكري ومشاعري مبنيّة على أساس رغباتي في تحوير وانتاج اللوحة عبر الخيال والتخيل والمتخيل، لايستغني اي فنان عنه وخاصة خلال عملية الخلق. فالتخيل ان تتمثلي الأشياء دون أن تكون ماثلة أمامكِ كما هي في الواقع( في التو) وبذاتها. لذا أعتمد كفنانة التخيل لتمثل الإمكانات المحتملة لا الواقعية، ولتمثل الأزمان الأخرى لا الحاضر، ولتمثل وجهات النظر غير الخاصة. وبخلاف الإدراك والاعتقاد، فإن تتخيلي شيء ما لا يتطلب منكِ أن يكون ذلك الشيء حقيقيا! وهذا يجرنا ياعزيزتي الى سؤال: هل الخيال هو انسحاب عن الحقيقة؟ في حين ان الخيال هو خزين ذكريات حقيقية! برأيي وعن قناعة بأن العين ناقلة للواقع ونافذة الروح والطريق الرئيسي الذي يمكن من خلالها ان يتعرف الوعي في عمومه على اعمال الطبيعة التي لاحدود لها بدرجة من الغزارة والمتعة والاتساع التي تفوق سائر الحواس. هكذا أغذي تجربتي الابداعية على قول هيدغر: “من المهم قبل كل شيء ان نرى” انه يشير هنا الى ان الفن بوصفه وضعا للحقيقة، وهذا يقودنا الى سؤال اخر: الى اي حد يوجد الفن! وعليه فالفن تنفيذ لجوهر الحقيقة الاصلية، دور الخيال هنا في رص الحقيقة، لذا يُعد الخيال عندي الملهم الثر لموضوعات لوحاتي التي اتلاعب بها خطا ولونا وانحناءات مقوسة بشئ من الخيالية .. ومن الممكن ان نستنتج ان الفن مرتبط بالوجود.. فالفن لايعمل الا على جلب ماهو اقرب الينا الى الحضور، والاقرب هو مايحدد ماهية عالمي الانساني” بحسب هايدغر الذي اختلف مع كانط في نقطة حساسة بان الفن ليس تسويق لانفعالات الفنان ولا هو في تبعية اصلا لذات الفنان، عكس كانط الذي انتهى بربط مصير الفن بالحس والذوق الفني و العبقرية والالهام بوصفها الشروط الضامنة للعملية الفنية الابداعية، عبر هذا وذاك اكتنزت كفنانة مخيلتي التشكيلية التي ترتكز عليها لوحاتي واعمالي الفنية الجديدة المعاصرة.

٢_الفن التشكيلي يقال بأنه الفن البصري او المرئي فما هي التقنيات التي تستخدمها عايدة لتظهير عملها بحرفية؟

ج/ الفنون البصرية او المرئية Visual Artsعادة ما تخاطب الحاسة الارقى في الانسان، وهي حاسة الابصار. الفن بشكل عام هو نشاط ابداعي وخلق جمالي روحي فلسفي، استمد هذا المفهوم من الاشكال الفنية في الفنون الجميلة الرسم والتصوير وغيرها عبر الى مفهوم الفنون البصرية باندماج الحرفية والمرئية والسمعية الى الجميلة الى العلم والفكر والفلسفة لينضج الى مفاهيم وقيم جديدة. اعتمدت في مرحلة من مراحل مسيرتي الفنية (بعد الماجستير تحديدا) بعض من وسائط التكنلوجيا الرقمية بعيدا عن الأداء الفني التقليدي ولحة المسند، استحدثت أشكالاً جديدة في الفن الرقمي ورسوم الكومبيوتر بتعبيرية عالية ثرة… وغيرها. من هنا ارتسمت امامي افكار ومشاريع في تتبع المتغيرات التقنية التي دخلت على اللوحة الفنية التشكيلية وأساليب تمثلها بحثت في بعض بحوثي ومقالاتي مرجعيات التحولات التقنية والأشكال والأساليب الجديدة في المجال التشكيلي بتوظيف الوسائط التقنية الجديدة، وطرق وآليات بنائها. لذا استثمرت بتوظيف الحاسوب في فن الرسم متغيرات مهمة للسطوح البصرية الذي ساعدني في بناء أسس نظام تكاملي جديد أسهم في إغناء تجربتي الفنية والتي أغنت بدورها السطح البصري التشكيلي الرقمي في مجموعتي الفنية الجديدة التي اختلفت عن السابقة. فضلاً عما وفر لي من مديات واسعة من الأنظمة اللونية المتعددة والذي اتاح لي حرية التحكم بها وتغيرها. أدخلت الوسائط الجديدة معايير جديدة للتقييم الفني والجمالي لاعمالي الجديدة، منها أتساع رقعة التداول والتلقي المتفاعل مع العمل، فضلاً عن نظم العرض والإخراج نحو عالم افتراضي كما في معرضي الشخصي (جدل ديالكتيكي على الخيش) 2015، الذي انعكس على تفعيل الفكرة في العمل وآليات التلقي المعاصرة.

٣_كيف تتمايز عايدة عن زملائها ومعاصريها في هذا النوع من الفنون؟

ج/ حين يحرص الفنان على ان يضم عمله نواحي مختلفة عن الاراء المطروحة لمجايلييه ولو في جزء منها سوف يحقق التمايز .. ان الذي يميز اي فنان عن زملاء عصره هو المنهج الذي ينتمي له راميا الى احترام قضية التجديد في انتاج فنا جيدا، في كل مكان وزمان. كما اعتقد هي عملية بوح عن السريرة والسرائر مختلفة ومتعددة، بغض النظر عن الاسلوب الفني الذي يجسده اي فنان في اعماله، يتحقق ذلك عبر التعبير بصدق عن موتيفته الخاصة او تكنيكه او مجموعته اللونية واشكاله .. عما يجول بسريرته ودواخله بوعي او بغير وعي بعد عدة تجارب سوف يكتشف هو وغيره الاسلوب الفني المتسق مع الحالة التعبيرية عنده، بقدر مايتاح له من طاقات وامكانات بشكل مختلف عن الآخر.

٤_هل أنت مع فكرة الرسام الفرنسي هنري ماتيس من حيث فكرة دمج الألوان الصاخبة مع البسيطة لبث الطاقة في لوحاته؟

ج/ يمكن للعين الواعية والحس المرهف ان يلاحظ ان اي تناسق وتناغم هارموني اوعكسه اي في (التضاد الكونتراس) يخلق بتصوير الافعال والاحداث أو وصف الاماكن سيبدو بشكل مثير للمتعة بتفاصيل تصنع الجمال كما يحدث بين السكون والحركة الضوء والظلام الالوان الباردة او صخب الالوان الحارة، المهم هل يمكنني ان اصور الجمال المكتمل؟ هل سيقود هذا الدمج في مجاميعي اللونية الى تكوين مفهوم ما وبث طاقاته؟ سواء أكان بحضور لون أوغياب اخر، حضور الهارمونية او التضاد.. القضية ترتبط بالاحساس والتاثير باشكال الجمال حين تبعثا طاقة للمتلقي. برأيي اللون معنى، فقضية اللون في اللوحة الفنية شهادة على حساسية الفنان المرهفة، ودقة الملاحظة والانفعال المفرط عنده تجاه اي مجموعة لونية، سواء أكان من المناظر الطبيعية أوما حوله من مثير لذاتي كفنانة للون تحديدا وما تترك في نفسي من انطباع قوي واثر عميق، ون ثم بث هذه الطاقة للمتلقي في العمل الفني.. اعني هنا (الحرية في التلوين) انه على الفنان ان يستوعب مدلولات هذه الحرية وكيف يستثمرها في فنه وهذا ماحاولت فعله او لنقل يتفق مع ماجاء به ماتيس.

٥ أي من مدارس الفن التشكيلي تجد عايدة نفسها أكثر به لتبدع في ترجمة مخيلتها ؟

ج/ التكعيبية والمستقبلية.

٦_ يقول الدكتور محمد عبد الجواد عميد كلية الفنون أن الفن التشكيلي هو لغة لنقل تعابير الفنان الداخلية الى مشهد معين فهل توافقيه هذا الرأي؟

ج/ لااختلف مع مبدأ ان الفن ناقل لمشاعر الفنان وحالته الخاصة وانه مرآة لواقع نعيشه وباث فاعل ونشط للتاثير في المشاعر للمتلقي.. دعينا نقول ان الفن التشكيلي ينمي مشاعرنا نحو الجمال. العمل الفني التشكيلي يحمل أسرار ومكونات قضية تدور في خلده، يكون مؤثراً فيقدم على شكل فني.. المهم انه يمتلك التعبير لدلالات ما يكون من بينها لاينسى الدلالة الجمالية .

٧_ كيف اسقلت الفنانة عايدة موهبتها الفنية؟
ج/
الموهبة قوة مبدعة فطرية في الفنان ” لابد ان ينظر للفنون الجميلة على انها فنون العبقرية؛ لان كل فن يفترض قواعد يقوم على اساسها ” (كانط). الموهبة نعمة ربانية وقدرة عقلية موروثة تتحول بتتبع قوانين التحول.. تنمو بالمحاولات للوصول الى الجدي،المرحلة الاولى تاتي عادة من رحم البيئة العائلية (النشأة)، ثم المرحلة الثانية تكون متممة ترمم الفطرة في صقل تاتي ايضا عن طريق الممارسة والانسياق داخل التجربة الفنية الناشئة، وحين يكون الانسان حساسا للمشكلات والتفكير بالمتوفر والمتباين تنمو عنده الرغبة بالتعبير، ومن خلال التزود بالمعارف، او في اكتشاف الرموز واعادة تنظيم الاشياء الموجودة.. كل ذلك يوثق عملية التفاعل مع البيئة فيكون النمو طبيعيا لبواعث هذا التعبير وهذه الموهبة داخل نفس الانسان الموهوب، سواء أكان في صنوف الأدب والفكر والفن، اما التحولات العديدة في محيطه والتي تبني وتنمي الموهبة تحتاج في البداية (عمر الطفولة) – سنوات التصير – إلى دعم بالخبرة. ثم تتبعها ولادات متعددة تنمي الحساسية عنده وتجعله يستقيم امورها.

٨_ماذا تعني كثرة ألألوان لك وماذا أضافت لشخصيتك ؟
ج/ صخب الالوان وتداخلها وتوازنها بظلها ونورها هي لعبتي المفضلة وحواري الناضج الجميل اثناء الاشتغال باللوحة.. انا من يضيف للوحة شخصيتها وسمتها وقيمتها الفنية. انا الصانعة للعمل والخالقة له.

من المعروف أن الفنان يعطي كل طاقته الأبداعية لإنجاز عمله الفني فماذا يعطي العمل الإبداعي للفنان نفسه بالمقابل؟
ج/ التعبير، الذي هو الأسفار الخارجي عن مشاعري الداخلية. العمل الفني عندي يتقصى ذاتي بالدرجة الاولى. التعبير الذي اعنيه هنا يكون محصلة تفاعل الفكرة عند عايدة روحيا أوكونية، ينصهر في بودقة واحدة تتنامى بدينامية وصولاً لمرحلة التعبير.. العمل الفني تعبير عايد وفكرها. انه فسحة لتصدير الغريزة الموجودة لدي لأخذ مساحتي في هذا الحيز من الوجود مع الذات الإنسانية.

ما هو رأيك في فكرة إنشاء ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر الاستاذ ناصر رمضان عبد الحميد؟

ج/ بالتاكيد لو جاء باهدافه، بلا ادنى شك سيكون محاولة جادة لاثراء الثقافة العربية بما تجود به القرائح، ويعد توثيقا مهما لذلك المنجز الادبي.

شكري وتقديري لمجلة ازهار وامنيات طيبة للراعي الرسمي والكادر. كل المحبة
م.د عايدة الربيعي
كركوك
26-10-2022