من هناك من أرض السحر والجمال حيث البحر يداعب الخيال ويبعث على الإبداع والتأمل.
من اللاذقية من سوريا الحبيبة كان لنا هذا الحوار مع الروائية المهندسة :ربى منصور
حوار مع الكاتبة الروائية ربى منصور أجرته الصحفية نجوى الغزال
1ـ هل تمارسين كامل حريتك الفكرية حين تكتبين رواية أو قصة؟.
_أمارس حريتي الفكرية أثناء التأليف بالقدر الذي يفرضه موضوع النص والناحية الجمالية التي أتوخى تحقيقها في أي عمل جديد.. بالمجمل تأتي الحرية من الإبداع ذاته إذ تقودك أحيانًا تداعيات حرية التفكير إلى منطقة لم تتوقعها بداية حين تخطر في بالك الفكرة الأساسية لبؤرة النص و في الإبداع كل شيء وارد ومتاح سوى خدش معتقدات الآخرين الدينية أو الاستهزاء بها.. من المفترض أن يحوي العمل الأدبي ما جمعه الكاتب من الخيال والأفكار والواقع لخدمة محاور الرواية بعيدًا عن وجهة نظره الشخصية. و عمومًا يصنع الأحداث ضمن قالب فني، ويقف على مسافة واحدة من الشخصيات بآرائهم المختلفة ولا ينحاز لأي طرف.
هذا ما أسعى إليه دائمًا ولا أعلم مدى نجاحي في ذلك. قد تجدين إحساسي هنا وهناك بين سطور الرواية ولكنْ بما يناسب العمل وسيره العام، على أية حال الحرية وعي بالحقوق والواجبات ومسؤولية أيضًا تجاه الآخر ولا أظن كاتبًا يؤلف وينشر ينجو من بعض الهفوات.
2ـ هل تترافق الأولوية في الكتابة حسب تغير الأولوية على الصعيد الشخصي والفكري؟.
_على الصعيد الشخصي لست متفرغة تمامًا للكتابة، كما أية إمرأة لدي مسؤوليات وأولويات أخرى تأخذ أغلب وقتي، عادة تتغير الأولويات من فترة لأخرى ومن يوم للتالي تبعًا لظروف الحياة المحيطة بي والواجبات الاجتماعية والعائلية وغيرها من المسؤوليات. مع ذلك، هناك أمور ثابتة في علاقتي بالقلم؛ إذ مهما ابتعدت عن الكتابة لسبب طارئ، ما ألبث أن أعود إليها برغبة، كمسافر يصل بيته بعد غياب وشوق.
3ـ متى تضعين الخطوط الحمر لقلمك؟.
_الخطوط الحمر توضع لأية فكرة تحرض على التعصب والقتل والعنف أو الاستهزاء بالدين أو المعتقد، قد يكون المرء مؤمنًا ولكنْ، لا يجوز له أن يستهزئ بالملحدين. والعكس صحيح أيضًا، احترام الرأي الآخر واجب الجميع. النقد المنطقي المنافي للأهواء والحوار الموضوعي هما ما يطوران الفكر والحياة.
الخطوط الحمر توضع لأية فكرة تهدد الأمن الاجتماعي والسلم المدني.
4ـ يقال: “إن الإنسان ابن بيئته” فهل أنت تنسجين قصصك أو رواياتك بشيء من البيئة التي تعيشين فيها؟.
بالطبع مدينتي اللاذقية و ما تتضمنه بيئتها الساحلية من طبيعة وعادات وانفتاح وإرث موجود في مؤلفاتي. فالمكان والذاكرة يغنيان الخيال و يضيفان للسرد خصوصية للأحداث. مثل أي بنّاء يعمل بالمواد المتوفرة حوله، قد يصف الكاتب بيئته بحميمية تزيد القارئ ـ ربما ـ فضولًا للمتابعة. 5ـ ما هو الأثر المهم الذي ترك بصمته على القصة التي تكتبينها؟. لا أذكر موقفًا محددًا أثّر بكتاباتي.. ربما ردود فعلي إزاء مجريات الحياة حولي وتعاطفي مع المضطهدين والمقهورين يجعل من أي حدث عابر أصادفه مادة لقصة ما، أكتبها بعناية وحب، فتتطور وتنمو مثل أي نبات يكبر ويعيش بالاهتمام.
6ـ هل المعاناة القاسية هي واحدة من الشرارة التي تساهم في ولادة الرواية؟.
_الألم وحده لا يصنع رواية، قد يكون شرارة تُحدِث فرقًا ما، لكنّ هوى الكتابة والرغبة في خوض مغامرة التأليف والسعي لإنجاز عمل فني عبر البحث والتقصي والجمع والتحليل والتركيب هي العوامل التي تسهم في إنشاء رواية وإنجازها. روافد الرواية تأتي من التجربة واللغة والألم والفرح والخيال والذاكرة و تداعيات الحياة بشكل عام، حتمًا قد يولّد الألم رواية، وقد تزاح المعاناة مؤقتًا خلف الخواطر في غمرة التأليف أو تصغر شيئًا فشيئًا أو تندثر تحت وطأة حدث أكبر أو أكثر فرحًا، و تبقى الرواية شاهدًا وتوثيقًا لمشاعر تتغير باستمرار كما كل شيء في الحياة.
7ـ هل الكاتبة ربى تلعب شخصية ما في كل رواية أم أنها تكتب بمعزل عن ذاتها؟.
في العادة أنا أبتكر قصة من الخيال كما أركب الشخصيات على هواي بشكل يناسب فكرة النص. لذلك لن تجدي في رواياتي شخصية مطابقة لي.. قد تصادفين إحساسًا يشبهني بين السطور في أحد المواقف، لكن الشخصية ليست أنا حتمًا.
8ـ من هو الروائي العالمي الذي تتأثرين بأسلوبه وشخصياته؟.
_عبر حياتي قرأت كثيرًا، كنت في السادسة من عمري حين أنهيت رواية البؤساء بحجمها الكبير. وقرأت كثيرًا من الروايات العالمية في المرحلة الإعدادية والثانوية ثم توجهت نحو الكتاب العرب والسوريين في المرحلة الجامعية. ولا أظنني تأثرت بكاتب معين. ربما جميعهم حرضوني عبر رواياتهم و دفعوني لا شعوريًا لأبدأ الكتابة وأجرب أيضًا مغامرة السرد.
9ـ هل برأيك أصبحت الرواية العربية على مستوى المنافسة العالمية؟.
_عالم السرد محيط واسع وبحر لا ساحل له، وبغض النظر عن وطن الكاتب فهو يكتب تجربته أثناء الحكي وفق ما تمليه عليه خبراته وخياله وذاكرته وواقعه. على المستوى الفردي نحن لا نقل شأنًا عن أي إنسان غربي. ونتمتع بذكاء ومقدرات في الكتابة و غيرها من الأعمال والإبداعات. ما ينقص الكتّاب العرب هو ترجمة أعمالهم إلى لغات أخرى والترويج لها و الاهتمام بالتسويق أيضًا. ربما همشت القراءة في الوطن العربي لطغيان هموم تمس العيش وتحول وسائل الاتصال إلى الإلكتروني. وقد يكون الأمر لأسباب أخرى أيضًا. كل ذلك أثر على عدم تواجد أعمالنا الأدبية في الساحة العالمية إلا نادرًا.
10ـ لقد تناولت في رواية (شوق) واقع سورية والحلم بمستقبل أفضل لها. كيف جاءت فكرة الرواية؟.
_في عام 2015 وفي خضم المعاناة السورية جاءتني الفكرة في رواية سابقة بعنوان { طبعة جوري} حيث تخيلت إمرأة تعاني من آثار الحرب فتلجأ إلى تبادل طبعتها النفسية مع طبعة شابة صيدلانية لتتخلص من كوابيس الحرب وتعالج ألمها الروحي وذلك عبر عملية تكنولوجية متطورة جدًا. ولأن تلك العملية كان لها تبعات سلبية وعقابيل نفسية على المرأة طلبت من الشابة إرجاع طبعتها الأصلية فرفضت. كل ذلك تخيلته يحدث في زمن مستقبلي عام 2045 إذ حلمت بسورية أجمل تتعافى وتتطور.. لكن الأزمة السورية زادت تعقيدًا للأسف وتغيرت طبيعة المعاناة. وعدت ثانية إلى الكتابة فيما أحوال السوريين تسوء، والانفراج يبدو بعيد المنال. هنا لجأت ثانية إلى الخيال لأحلم بالفرج عبر الاشتغال على شخصيات روايتي السابقة “طبعة جوري” وإكمال حيواتهم و منذ تلك اللحظة بدأت أحداث روايتي “شوق” في زمن مستقبلي “2045” حاولت فيه أن يبزغ الأمل – ولو كتابة- لعل وعسى تتحقق أمانينا جميعًا ونشهد التطور المرتجى والتعافي للبلد.
قد تبدو الرواية حلمًا ولكن، من يدري؟!، قد يعيش أحفادنا في نعيم وطن يتعافى قريبًا.
11ـ ما هي الرواية التي تجسد شخصية “ربى منصور” وتحاكي أفكارها؟.
_ضمن الروايات التي قرأتها و ألفتها قد أكون التقيت إحساسي ووجدت بعضًا من مشاعري بين السطور هنا وهناك. البشر يتشابهون في العموم ويختلفون في الجزئيات. لا أحد يطابق آخر تمامًا، فكيف بشخصية فنية ضمن قالب روائي؟. حتى لو كتبتُ سيرة ذاتية فلا أعتقد بأني سأكون أنا بالمطلق. الحياة مراحل وحين لا يسجل الإنسان تفاصيلها بدقة تُنسى أو تموهها الذاكرة بطريقة ما. فما كان قبيحًا بالأمس قد يصبح جميلاً في فترة لاحقة والعكس صحيح غالبًا. في معظم الأحيان يحاكي الأدب الواقع بمعونة الخيال أو يصور الفن الحياة وينعش الجمال أو الألم بطريقة مبالغ فيها نوعًا ما.
12ـ ماهي الطقوس التي تمارسينها بشكل اعتيادي وتجعلك في اندفاع دائم للكتابة؟.
_الاستيقاظ المبكر ووضع برنامج لأعمال اليوم عادة اتبعتها منذ ولادة ابني البكر وما زلت مواظبة عليها حتى الآن. شيء ما يدفعني لئلا أفوت بزوغ الشمس وأستمتع بهدوء الصباح قبل البدء بالروتين اليومي. عدا ذلك لا يوجد طقوس محددة لأكتب. أحيانًا المشي في الشارع ورؤية حدث عابر يوحي لي بفكرة قصة. التفاصيل اليومية ومتابعة الأخبار والتفاعل مع الناس والحياة أو الانسحاب منها بسبب خيبة ما؛ كل ذلك يفرز في وجداني انفعالات وارتدادات تجرني إلى الكتابة.. لعل اندفاعي ناجم من جيناتي؛ على ما خبرتني أمي رحمها الله بأن جدي كان يجلس تحت شجرة ويروي لأهل الضيعة سيرة بني هلال والزير سالم.. وقد يكون استمراري في الكتابة هو تزجية الوقت لا أكثر. حقيقة لا أدري..
13ـ هل كانت لك محاولات في كتابة قصة للأطفال؟.
_حين كان أبنائي صغارًا ألفت بضع قصص لا أكثر. وسرعان ما كبروا و طوي الأمر.
14ـ كيف تقيمين واقع القصة القصيرة في الوقت الراهن؟.
_القصة القصيرة فن يحتاج التركيز والاختصار والوصف الدقيق لحالة ما. هناك كتاب أتقنوا ذلك، وبعضهم ما زال يتأرجح بين الإيجاز والقصة الطويلة.
15ـ ما هو رأيك في إنشاء منتديات للأدب وخاصة ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟.
_من قرأ روايتي “طبعة جوري” سيرى منتدى أدبيًا يدعى؛ “منتدى قطرات الندى” تخيلته ورشة فكرية لإنتاج الأدب والإبداع.. ملتقى الشعراء العرب الحالي منتدى مسؤول يحاول إنعاش القراءة والكتابة الورقية عبر ندواته الأسبوعية الالكترونية ودراساته النقدية. هو فريق عمل متضامن و مخلص لعمله ابتداء بالأستاذ المبدع :ناصر رمضان و المبدعات :غادة الحسيني، منى دوغان، نجوى الغزال، زينة حمود، عبير عربيد، رنا سمير علم، منى دوغان جمال الدين
كل العضوات في ملتقى الشعراء العرب ومجلة أزهار الحرف المبدعات: يقين جنود. و .. لامجال الآن لذكرهم كلهم.. لهم جميعًا تحية كبيرة وأمنيات بدوام الصحة والتوفيق والإشراق وكل التقدير لجهودهم الحثيثة في إعادة الألق للكتاب والقراءة ولو كان ذلك لهواتها فقط إذ همشت في غمرة الحروب والأزمات. ولك أستاذة نجوى كل الشكر على جهودك في إنجاز هذا اللقاء.. نحن بحاجة لمثل هكذا منتديات تلفت النظر إلى الكتاب وأهميته كضرورة وحاجة. إن تغذية العقل بالقراءة والاطلاع مطلوبة كما مد الجسم بالطعام.
حاورتها من لبنان :نجوى الغزال
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي