تاريخ الكُرد القديم للأجيال
الجزء السادس عشر
المصدر الأساسي / لكتابة هذا الجزء مقتبسة بالكامل مع الهوامش من رد الدكتور علي صالح ميراني المختص في التاريخ الكوردي الحديث والمعاصر .
باحث عراقي يستعين بكتابات الرحالة للرد على ما نشرته الأورينت من دراسة للباحث السوري مهند كاطع بعنوان / المناطق الكوردية أكذوبة صدقها الأكراد
والرد وصل للأورنيت كحق مشروع أدعكم للإطلاع عليه لتعلموا وتتأكدوا من مواقع الأصل لديكم ياأجيال الكرد وإمتداد الجذور التاريخية للشعب الكوردي في أعماق كوردستان .
في القرنين الثاني والثالث عشر استمر الطابع الكردستاني للمنطقة، حيث يذكر الجغرافي والمؤرخ المعروف ياقوت الحموي (1179-1229) حدود الجزيرة بقوله : “جزيرة اقور هي التي بين دجلة والفرات، مجاورة الشام، تشتمل على ديار مضر وديار ربيعة، بها مدن جليلة وحصون وقلاع كثيرة، ومن أمهات مدنها حران، الرها، الرقة، رأس العين، نصيبين، سنجار، الخابور، ماردين، امد، ميافارقين، الموصل، وغير ذلك” (7).
يلاحظ من شهادة ياقوت الحموي السابقة، أن اسم الجزيرة اسم هو (اقور) وهي تسمية أقرب ما تكون إلى اللغة الكردية، وبالأخص من المفردة الكردية (اخور/الشمس) لاسيما أن الكرد عبدوا الشمس خلال حقبة مبكرة من تاريخهم، كما أن قوله (مجاورة الشام) تدل دلالة قطعية على أن حدود بلاد الشام لم تكن تصل إلى الجزيرة، إلى جانب أن أسماء المدن العامرة في الجزيرة لم تكن عربية باستثناء اسمي الرقة والموصل.
كما يذكر المؤرخ ابن فضل الله العمري (1301-1349) في كتابه(مسالك الأبصار): “لم أذكر من عشائرهم إلا من كنت بهم خبيراً، ولم أُسمّ فيها منهم إلا بيت ملك أو إمارة تبدأ بجبال همدان وشهروزر وأربل وتنتهي إلى دجلة الجزيرة من كوار الموصل نترك ما وراء نهر دجلة إلى نهر الفرات لقلة الاحتفال به، على أن الذي ذكرته هو خلاصة المقصود، إذ لم يبق إلا أكراد الجزيرة وقرى ماردين، وهم لكل من جاورهم من الأعداء الماردين مع أن مساكنهم ليست منيعة،
ومساكنهم للعصيان غير مستعصية…” (8).
يمكن القول في ضوء ما تقدم، أن الكرد سكنوا الجزيرة العليا في القرن الرابع عشر كامتداد لسكنهم فيها منذ فجر التاريخ، وشهادة ابن فضل العمري دليل واضح بهذا الصدد، حيث يذكر أن حدود الكرد يصل الى نهر الفرات، وان “الجزيرة وقرى ماردين” هي موطن الكرد دون غيرهم.
كما يؤكد الرحالة التركي أوليا جلبي (1611-1680) في رحلته التي قام بها إلى المنطقة وكردستان في 1655، على الرغم من تحامله الواضح على الكرد، أن الجزيرة العليا تعد موطن الكرد دون غيرهم، ويذكر أسماء عشيرتين كرديتين كانتا تتحكمان بالمنطقة من خلال قوله:
” توجهنا نحو الجنوب، ووصلنا مكانا يسمى (كندلي) وهي نهاية حدود ماردين، وهو مكان غير آمن، اذ يقوم الكرد من (اشدي/ اشتي) و(شقاقي/ شكاكي) باعمال قطع الطريق”(9).
بل أن أوليا جلبي يعترف اعترافا جلياً أن المنطقة هي جزء من كردستان التي تمتد على رقعة واسعة بحسب رأيه، اذ يقول بخصوص حدود كردستان في عصره :” أما عرض كردستان فليس يقدر طولها يحدها من الشرق حدود العجم، ومن حرير واردلان وحتى بلاد الشام وحلب”(10).
فيما يوضح العالم الالماني كارستن نيبور(1733-1815) والذي نشر بعد زيارته لمنطقة الجزيرة قادماً من بغداد والموصل في طريقه الى دياربكر وحلب في العام 1764، عن طريق خارطة رسمها لمنطقة الجزيرة، وحدد عليها اسماء خمسة عشائر صادفها في رحلته، وقال عنها انها كردية وهي: دقوري، كيكي، جاجان، مللي، شيتية، كما ذكر اسم قبيلة عربية واحدة هي قبيلة طي (11).
وكتب المستشرق الروسي (ب. ليرخ) وهو من أوائل الذين كتبوا عن القبائل والعشائر الكردية يقول :
“يعيش الكرد في حلب وفي وادي عفرين وكان عدد الكرد في الجزيرة اكبر بكثير”(12).
وفي السياق نفسه يذكر الخبير في الشؤون الكردية (ميجرسون) اثناء قيامه برحلة إلى كردستان، بعد لقائه الكرد هناك ووصفم بانهم:
“أول الكرد الذين قدر لي لقاؤهم، انهم طلائع شعب عظيم”(13).
وكانت صحيفة كرد(14)قد كتبت عن منطقة الجزيرة تقول :
“هذه المنطقة موطن وساحة تجوال لعشائر عديدة، كردية وعربية معروفة مثل الملي ودقوري وكيكي وخلجان وقره كيجي وازناور وبرازي والجبور وشمر” ، ونظرا لاهمية منطقة الجزيرة من الناحية الاقتصادية سمتها الصحيفة بـ “امريكا العثمانية”(15).
ومما له دلالته، كان تأسيس زعيم العشائر الملية ابراهيم باشا الملي (1845-1909)(16)في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، شبه امارة كردية مركزها (ويران شهر) (أورفا) حالياُ التي كانت تتبع منطقة الجزيرة الكردية، ولا تبعد عن مدينة سري كانيه إلا مسافة 30 كم في الجانب الآخر، ولكنها في الوقت نفسه كانت تمتد جنوب البلدة المذكورة آنفاً، من خلال تجمع عدد كبير من العشائر الكردية في المنطقة، وهذا الامر كان وراء قدرته على الانتصار على قبيلة الشمر عام 1890 (17).
هوامش:
(7)احمد بن يوسف بن علي بن الازرق الفارقي، تاريخ الفارقي، حققه وقدمه له: د. بدوي عبد اللطيف عوض، (القاهرة، 1959)، ص 51-52 .
(8)ينظر مؤلفه: معجم البلدان، ج2، ص72، نقلا عن: د. بدوي عبد اللطيف عوض، في تحقيقه لكتاب الفارقي، (القاهرة، 1959)، ص52، الهامش 2.
(9) ازاد احمد علي، بلاد الأكراد كما حدّدها ابن فضل الله العمري في القرن الرابع عشر، جريدة الحياة، 19 تموز 2015.
(10) ينظر: رحلة اوليا جلبي في كردستان عام 1655، ت: رشيد فندي، (دهوك، 2008)، ص83.
(11) المصدر نفسه، ص 99.
(12)برهان نجم الدين شرفاني، كردستان – سوريا خلال الانتداب الفرنسي 1921-1946، رسالة ماجستير قدمت الى مجلس كلية التربية في جامعة زاخو، (زاخو، 2012)، ص34.
( 13) ينظر كتابه: دراسات حول الاكراد واسلافهم الخالديين الشماليين ، ت: د. عبدي حاجي ، (حلب ، 1992) ، ص71.
(14) ميجرسون (ميرزا حسين شيرازي) ، رحلة متنكر إلى بلاد ما بين النهرين وكردستان ، ت: فؤاد جميل ، ج1 ، (بغداد ، 1970) ، ص62 .
(15)للتفاصيل ينظر : عبد الفتاح علي يحيى البوتاني ، وثائق عن الحركة القومية الكردية التحررية ، (اربيل ، 2001) ، ص584 .
احمد جميل ديار بكرلي “امريكا العثمانية وسعادة العشائر المستقبلية” ، صحيفة كرد ، العدد (1) ، استنبول 22 تشرين الثاني 1908 ، ص2 .
(16)د. احمد عثمان ابو بكر ، اكراد الملي وابراهيم باشا ، (بغداد ،1973) ، ص56 –57 .
17)) جون فردريك وليامسون ، قبيلة شمر العربية مكانتها وتاريخها السياسي 1800-1958 ، ترجمة وتقديم : مير البصري ، (لندن ، 1999) ، ص62-63.
الكاتبة والدكتورة ڤيان نجار
١٥ / ١٢/ ٢٠٢٢ …. يتبع
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي