لهُ وحدهُ تتفتَّحُ الأزهار
لا تتفتَّحُ الأزهارُ الرقيقةُ لمُجونِ الصيفِ ولهْوهِ، و لا تُغريها عبثيَّتهُ ورشاقة غروره، ومساهرتهُ لنجمات السماء في العراء، وما يغدقهُ عليها من صفاءٍ و نسمات، في حين يبخلُ بقطرة ماءٍ لزهرات العشب الرقيقات، معتقداً أنها ستتفتَّحُ لهُ، مهما أمعنَ في بخلهِ وإهماله لها، وهو يرى ذبولَ وُريقاتها.
“إنه بطَيشه لا يحظى بها !”
كما لا تتفتَّح للخريف العابسِ بوجهها، الحريص أشدَّ الحرص على ألا ترى نور الشمس، فتضيعُ بوصلتها، و لا تدرِ إلى أيّ اتجاه قبلتها، فكيف ستتفتَّح وهي سجينةُ كآبته، مغطاة بغيومه وغضبه، تنتظر دون جدوى واهمةً، أن يمنَّ عليها بنور الشمس ليسعفها، فلا يفعل!
“فهو بغبائه لا يحظى بها”
ويرحل…
ليأتي الشتاء مقتنعاً بأنها ستتفتَّحُ، رغم صقيع قلبه وجمُود عاطفته وتقطيب جبينه!
يعتقدُ أن أمطارهُ ستجعلها تتفتَّح رغماً عنها، في حين تنزَوي على ذاتها أكثر، وتهتز ثقتها بعُودها كلما أغرقَتها أمطاره وهبت رياح صقيعه وثلجه، فاقدةً كل قوة كانت تبقيها على قيد العشب؛ فتنعزل انعزالها الأخير الأكثر وجعاً و يأساً، و تنسحبُ بألمها إلى أعماق الأرض المظلمة، تراجع خيباتها، وتبكيها وحيدةً؛ راجيةً أنْ ” لعلّ الله يحدِث بعد ذلك أمراً”.
باختفائها، يظلُّ مراهناً على خروجها وحدها وتفتُّحها، في حين يتضاعفُ ألمها وعمق عزلتها إلى أعمق أعماق الأرض!
“إنه ببرودته لا يحظى بها”
يأتي الربيعُ مستشعراً وجودها بإحساسه دون أن يراها، يذرعُ الأرضَ جيئةً وذهاباً باحثاً عنها، كمن يبحثُ عن وهمٍ و يقينٍ!
يفتحُ كلّ منفذٍ للشمسِ علّهُ يعثر عليها، إنه على يقينٍ بوجودها، فيمنحُ الأرضَ كلها دفأهُ لأجلها، ثم بيدينِ حانيتينِ يخرجُها برفقٍ.
تستفيقُ على نورِ الشمسِ ودفءِ الهواءِ ونسماتهِ التي تدورُ حولها لتنعشها فتتفتَّح وريقاتها تحت سماء الربيعِ الصافيةِ…
إنها تهديهِ تفتُّحها وعطرها، وكلّ ألوانها.
للربيع فقط؛ تتفتَّحُ الأزهارُ الرقيقةُ
لذا فهي تحملُ اسمهُ بزهوِّ أميرةٍ
لا تقبلُ اسماً آخر لها غير “أزهار الربيع”
أزهارهُ هو وحدهُ، لا ينازعهُ عليها أحدٌ إلا ويخسرُ رهانهُ
لهُ وحدهُ تتفتَّحُ الأزهارُ.
“إنه بإحساسهِ و ذكائهِ يحظى بها”.
هانية خانكان
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي