ثورة الشعر لغادة الحسيني بين الثقافة والإبداع
من الضروري أن يكون المبدع مثقفًا، وملمًا ومطّلعًا على تراثه الأدبي وإبداع المعاصرين والنّقد الحديث، وعليه أن يعرف ما يدور بالحركة الأدبية من تجديد وتطوير.
وللثقافة معانٍ واسعة وشاملة، حيث من الصعب تعريفها وحصرها في بضع كلمات، ويختلف النّقاد والباحثين في وضع تعريف موحد بل ويختلف تعريفها بين القديم والحديث، وإنما من وجهه نظري أن الثفافة تظهر جليّة في حديث، حوار، كتاب، كلمة، خطبة، في شأن محسوس، يشعر به القاريء دون معاناة، فالتعريفات تختلف من عصر لعصر ومن شخص لشخص.
من خلال الكتاب الّذي بين أيدينا (ثورة الشعر)، حوارات مع الشاعرة اللبنانية غادة الحسيني، جمعتها في كتاب واحد وأحسنت في اختيار العنوان، فالشعر ثورة تدّع إلى التغيير والتجديد والتطور والسعي إلى الأجمل والأعدل.
كنت أول من لفت النظر لأعمال الشاعرة غادة الحسيني، وتنبأت لها بمكان يليق بها في عالم الشعر والأدب.
كتبتُ عنها في كتابي (فقه الشعر) ونوهت على أنها متمكنة في فن الومضة، كما رعيت جميع أعمالها بحب ورحابة صدر، ونشرت هذا في كتابي النقدي (تغريد البانسو).
كتاب (ثورة الشعر)، عبارة عن أربعة حوارات أجريت مع الشاعرة اللبنانية غادة الحسيني
_ الحوار الأول
أجرته معها، الجريدة العراقية الأسترالية وكنت أنا المحاور ، قبل أن تطبع أيًا من أعمالها ويكون لها اسم في عالم الشعر والأدب.
_ الحوار الثاني
أجرته معها الصحفية اللّبنانية رانية مرعي، تابعة لمجلة كواليس اللبنانية.
_ الحوار الثالث
أجرته معها الصحفيّة اللّبنانية نجوى الغزال، عن مجلة أزهار الحرف.
_ الحوار الرابع
أجرته معها الشاعرة والصحفيّة ليلاس زرزور، تابعة
لمجلة زهرة اللّيلك، وموقع قوس قزح.
من خلال القراءة المتأنيّة لهذه الحوارات والإجابات الّتي تفصح وتنمّ عن شخصية غادة الحسيني وثقافتها واطلاعها الواسع والغنيّ، بل وتطورها.
سنجد الآتي :
_ الاطلاع على الحركة الأدبية في لبنان والوطن العربي،
ففي حديثها مع رانية مرعي، وهل الغزل حق للمرأة كما هو حق للرجل؟
تجدها نستشهد بالشاعرة المصريّة الراحلة، سامية عبد السلام ت/٢٠١٦م.
من خلال ديوانها،(عزف لا يطرب النساء)، بل وأحسنت صنعًا حين نشرت قصيدتها (من عشق النساء كاملة) لتعم الفائدة، حيث أنها قصيدة فريدة وماتعة، والقصيدة في الأصل معارضة للأبيات المشهورة التالية:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بزاهد متعبد
قد كان شمر للصلاة إزاره
حتى قعدت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمد
والأبيات في الأصل
لمسكين الدارمي، ربيعة بن عامر التميمي، وسمي الدارمي نسبة إلى دارم أحد أجداده وهو شاعر أموي؛ وقصة الأبيات معروفة من باب الدعاية لتاجر يبيع خُمرًا في العراق، ولم يتبق عنده سوى الأسود منها، فاستعان بالشاعر للترويج والدعاية لمنتجه، كما يحدث الآن من دعاية للمنتجات عبر شاشات التلفاز من إعلانات وتسويق، وهو دور كان معروفا للشعر قديما، قبل عصر الصورة ووسائل الإعلام والإعلانات الحديثة، من هنا كانت أهمية الشاعر قديمًا وتهميشه حديثًا.
نجد سامية عبد السلام تغارضه برائعتها التالية :
قل للميلحة في الخمار الأسود
فتك الجمال بزاهد متعبد
سحر ترشرشة الأنوثة فابتهل
يمنحك ربك سرها ولتهتد
إلى آخر هذه القصيدة الماتعة التي تعدّ من روائع الأدب الحديث والمعاصر. *
غادة الحسيني والدها شاعر، لكنه لم يطبع أعماله في ديوان، ، من هنا شربت الشاعرة حب الأدب والشعر، حكت لي، أنها كانت تملك مكتبة كبيرة في منزلها الكائن في مدينة بيروت، وأن حريقا شبّ بالمنزل فقضى على المكتبة والتهم ما فيها، بعد زواجها بفترة بسيطة.
_ نجد تعريفها للشعر، تعريفًا سليمًا، وأن الشعر في الأصل إمتاع، و الشاعر يحمل قضيّة، ويحمل هموم وطنه، ولايمكن أن يكون معزولا عن الواقع.
_ استفادت من وسائل التواصل وأحسنت استثمارها في التعارف والنشر والانتشار والّتعرف على الشعر والشعراء والمبدعين
فهمها لطبيعة المرحلة، وجيل النت وعالمه الافتراضي، وأن الجيل الحاضر لا يقرأ، ويتسلّح بالكسل، من هنا كان إصرارها على كتابه الومضة والنصوص القصيرة، ومجاراة الأدب الرقمي وتطور الرقمنة، فحين طبعت مجموعتها القصصية أصرت أن تكون كالومضة، بعيدة عن الإطالة والإسهاب. إطلاعها على التراث واستشهادها بابن زيدون(١٠٠٣_١٠٧١م)، وقصيدته الخالدة:
أضحى التنائي بعيدا عن تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجفانينا
إن الزمان الذي مازال يضحكنا
أنسا بقربهما قد عاد يبكينا.
أبارك للصديقة المبدعة غادة الحسيني كتابها الجديد وأتمنى لها الاستمرار والتطوير.
وما نيّل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصي على قوم منالا
إذا الأقدام كان لهم ركابا
*الدراسة كتبت لتكون بمقدمة كتاب (ثورة الشعر) لكن الكتاب لم يطبع نظرا لظروف الشاعرة
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي