حوار مع الفنانة التشكيلية السورية فاطمة أسبر
حاورها من القاهرة / ناصر رمضان عبد الحميد
على مدار سنوات من الصداقة الحقيقية والكلمة الرّفرافة والإحترام المتبادل وجدتها نغما فريدا وفنا يعانق السحاب، روحها مرحة وإبداعها فاق الوصف، تتحدث بعفوية وثقافة قل نظيرها، تناديني بالغالي والشاعر الجميل، وأناديها بكل عفوية حبيبي، عرفتني على أخيها وملاذها الشاعر الكبير أدونيس، ففتح لي قلبه وعقله، وتحمل نقدي، وشجعني على بدء تأسيس ملتقى الشعراء العرب ومجلة أزهار الحرف، وقفت فاطمة معي منذ البداية عونا وفخرا لي وللملتقى، من هنا كان لازما علي أن أحاورها وأستمد منها الجمال والقوة وأقول لها بكل محبة لك كل الحب وهو قليل عليك
س_ ما دوافع الفن التشكيلي العربي المعاصر ، وما ملامح الحركة التشكيلية المعاصرة ؟
ج_ الفن حاجة روحية بالدرجة الأولى ، منذ البدايات الأولى للإنسان ، الذي عبّر عن نفسه بالخط والشكل ثم تطور مع توسع رؤيته وازدياد خبرته ، وفي كل مرحلة يشعر أنه بحاجة إلى زيادة التعبير يلجأ إلى الابتكار وإلى تجاوز
ما حققه إلى جديد آخر يضيفه ومن هنا رأينا كيف قام فنانون بشكل منفرد أو جماعي في ابتكار مذاهب ومدارس في الفن تخالف ما قبلها ولكنها تشكل إضافة جديدة إلى واقع الفن ، وحين يشعر الفنانون بالحاجة إلى التغيير والإضافة فإنهم يعملون على ابتكار الجديد ، هذا بالشكل العام ، وفي واقعنا العربي فإن الفن لا يختلف في دوافعه التي تعبر عن حاجته الروحية والحياتية ولذلك نرى أن فناني التشكيل العربي يقدمون أعمالهم بالطرائق والمدارس المعروفة من الواقعية إلى التعبيرية والسريالية والتجريد ، حتى في اللوحة الواحدة يمكن أن تشاهد ملامح المدارس جميعها ومن وجهة نظري وخبرتي القليلة والمتواضعة أرى أن ذلك لا يضير العمل الفني بل يثريه ويمنحه القوة وبخاصة أن الواقع الحياتي الضاغط يدفع إلى مزج أنواع التعبير بقدر تنوع ضغوطات هذا الواقع وتنوع تأثيراتها على الفكر
والحياة .
س_هناك كتاب بعنوان ( التربية عن طريق الفن) هيربرت ريد ترجمة عبد العزيز توفيق ، فهل في عصر التكنولوجيا والوسائط الحديثة ما زلنا قادرين أن نربي الأجيال عن طريق الفن ؟ وظيفة الفن ما هي ؟
لابد من الاعتراف بأن لكل مرحلة تاريخية وسائلها التي تناسبها من حيث المخترعات والمبتكرات التي تضاف إلى الواقع والمشكله أن المخترعات قائمة ومتوالية ولكن أساليب التوازن والتماشي معها لا يواكبها، فيبقى هناك ثغرات لابد من العمل على ملئها بالمعرفة والخبرة .
الحقيقة لم أقرأ الكتاب ، لذلك لا أستطيع التحدث عنه ولكن لدي بعض المعرفة عن دور الفنون من شعر و موسيقا ورسم وتأثيرها على النفس بشكل إيجابي ، وقد أدخلوها في العلاج النفسي ولم يذكر أحدٌ إلى الآن فيما إذا كان لها تأثير سلبي على النفوس. من وجهة نظري أرى أن التربية المتوازنه تحتاج إلى الرسم وإلى الموسيقا وإلى اللغة وحتى إلى الصمت وإلى حديث الأيدي والعناق ونظرات العين وتحتاج إلى مدَ تلك الشرايين الخفية التي تزوّد الأرواح بغذاء له تأثير مختلف أيضاً ، وهنا يواجهنا السؤال المهم حول أثر التكنولوجيا في هذا الزمن الذي صار فيه الطفل لا يتحدث إلا لغتها، في يده الموبايل وعلى طاولته الكمبيوتر ، ونحن أمام جيل مأخوذ بهذه التكنولوجيا ، لدرجة يجد الأهل صعوبةً فائقة في إيجاد وقت للالتقاء مع الأبناء لتبادل الحديث ، هذا لا ينفي أهمية هذه التكنولوجيا و فوائدها الكثيرة وفي الحقيقة صار من المحال ومن الصعوبة الكبيرة الاستغناء عنها ولابد من الاعتراف أيضاً بمضارها المتعددة مما يستدعي المسؤولين وأصحاب الشأن في التربية وبناء العالم العمل على إزالة المضار ونشر ما يعزز الوعي والمعرفة وأظن ان كلمة ً( وظيفة ) ضيقة على الفن بفروعه المختلفة من حيث المبدأ، ويحتاج إلى كلمات مغايرة في التوصيف. دور الفن مهم في التوعية والتثقيف وتوسيع المدارك وتدعيم البنية الفكرية للإنسان وبخاصة فن الرسم ، لكن مع الأسف في ظل الواقع التكنولوجي والاقتصادي فإن هذا الدور يتقلص ويضيق، وأرجو أن تكون وجهة نظري هذه قابلة للنفي في ظل تدابير يقدمها المتخصصون لصالح الإنسان وحياته المتوازنه .
س_ ماذا تعني الصورة في الفن وما وظيفة الألوان في الرؤية ؟
الصورة هي التعبير الجزئي من وعن الحياة وتفاصيلها والإنسان وأبعاده والطبيعة وتنوعها والسريرة وما تختزنه في تلافيفها والمشاعر وانعكاساتها وهذا ما تظهره وسائل التعبير الفنية من موسيقا وشعر وقصة ورسم، و مهما أنتج المبدعون في هذه الوسائل تظل أبواب الكشف مفتوحة للبحث عن الجديد وتقديمه من خلال الصورة . لذلك كلما عبّر الفنانون عن مرحلة زمنية وأشبعوها يشعرون بالحاجة إلى الانتقال إلى مرحلة زمنية وابتكار الجديد في طريقة التعبير ، وهي طرائق لا اراها من وجهة نظري وخبرتي المتواضعة تتناقض وإنما تتكامل ويتمم بعضها بعضاً من حيث الخط والتكوين واللون وطبيعة اللوحة وإلى أي جهة تنتمي ، أقول هذا الكلام ، وأشعر أن انتماء العمل الفني ليس بالضرورة أن يكون لمدرسة معينه ، فقد يكون وليد أكثر من مدرسة وقد يكون وليد ذاته في لحظة معينه ، المهم أن يكون لدى هذا العمل القدرة على محاورة الناظر إليه وأن يكون بينهما ذلك العبور السلس عن طريق الشكل واللون .
. . ما المقصود بالسريالية في الفن ؟
قبل الحديث عن السريالية لا بدّ من الحديث عن الدادية أو الدادائية والتي نشأت في سويسرا بعد الحرب العالمية و كانت أهداف هذه الحركة هي تقويض العقل والمنطق و تعزيز الارتباك من خلال اللاعقلانية. وقد استخدم فنانوها تقنيات الكولاج والفوتو مونتاج والاعتماد على أشياء غريبة غير مألوفة وغير تقليدية وعلى أشياء مهملة لا يُكترث لها، كما أنها رفضت القيم المعاصرة لها والمعتقدات السائدة في زمنها وذلك احتجاجاً على الحرب والوقوف في وجه البورجوازية كجانب مما كان يبذل لمواجهة الخراب الذي أحدثته من تأثيرها السلبي على القيم الإنسانية .
جاءت السرياليه وبدت كأنها وليدة الدادائية لكنها الساعيةً للغوص بعيدًا في أعماق النفس البشرية واللاوعي، والجري خلف اللاشعور، وذلك من أجل الوصول إلى مصادر غير مألوفة للإلهام والإبداع وتعمل على تحرير الفنان من مختلف أنظمة المجتمع العقلانية وقيوده ومن ثٓمّ تجسيد وتمثيل العوالم اللاوعية للأحلام .
حرر السرياليون أدواتهم أيضاً وتركوها تعمل وكأنهم في حالة لا واعية وذلك بطريقة بعيدة عن الرقابة، والقيود، والضوابط.
يُعد أندريه بروتون جد السرياليين وهو المؤسس والقائد لهذه الحركة التي عرّفها على أنّها آلية نفسية تلقائية بحتة، يُقصد بها التعبير عن الأفكار وتجسيدها في صورة خالية من أي سيطرة للعقل والواقع كما تهدف السريالية إلى القضاء على التمييز بين الحلم والواقع، والعقل والجنون، والموضوعية والانحياز .
لكن من وجهة نظري وخبرتي المتواضعة نلحظ تناقضاً بين القول والفعل ، ذلك أنهم ينطلقون من الواقع للبعد عنه ولم تكن هناك تلك القطيعة التي يدعونها فقد كان مرجعهم ومصدرهم في التغيير رغم نفيهم الارتباط به أو الرجوع إليه ، فنحن نشاهد في تفاصيل أعمالهم انطلاقها من الواقع وإن تغيرت الأشكال ، كما أنهم لا يستطيعون إطلاق اللاوعي إلا بالوعي، فهم يدركون تماما ان وعيهم بالعمل هو الذي يحرك لا وعيهم ، حتى التجريد ينطلق من الواقع ويعتمد عليه ، ولكن أساليب الكشف والإبداع والصياغة تحدد الفروقات .
أحب أن أشير :
حين نقول ( قطيعة ) مع الواقع أو مع الماضي أن تلك القطيعة لا تعني الرفض أو الإهمال أو الترك وأنما تعني عدم الوقوع في التكرار والاستعادة و تستند على ذلك المخزون لإبداع جديد يضاف إلى هذا الواقع ويثريه من دون أن يكرره.
س_ ماذا تعني الصورة في الفن وما وظيفة الألوان في الرؤية ؟ الصورة ، أو النسخة الثانية ، يأخذني هذا السؤال إلى قول لأرسطو بما معناه ب ( أن الفنان هو حفيد الله ) ذلك أن الله خلق الكائنات في التشكيل الأول للعالم والطبيعة والفنان يرسم الصورة الثانية لمفردات الطبيعة فهو بمثابة الحفيد فنياً ، ونرى الأهمية العظيمة التي أعطاها أرسطو للفن والفنان .
بعض الآراء تقسم الصورة إلى شكل ومعنى وهذا الشكل هو الذي يدل على المعنى أو المعاني المتعددة التي يمكن أن تحملها الصورة، من هنا يمكننا القول بان الصورة هي الشجرة التي تتفرع أغصانها معانيٓ يريد الفنان أن يوصلها للرائين ويمكننا أن نعبر عن هذه الحالة بأن الشغف الذي يعاني منه الفنان يحمَله للخطوط والاشكال والألوان على سطح اللوحة ، وحين يشبهون انجاز العمل الفني بالولادة فهذا منتهى الصدق. لكنني لست مع تجزئة اللوحة، فهي بالنسبة لي نتيجة خبرتي المتواضعة كُلٌّ متكامل بالخطوط والشكل والألوان التي تعمل على تقديم العمل لعين المتلقي فيقبلها محباً أو يرفضها غير معجب بها .
س_ العلاقة بين الشعر و فن الرسم ، ما هي ؟
هناك من يلخص العلاقة بجملة سريعة وهي ( الشعر صور مكتوبة بالكلمات ، والرسم كلمات مكتوبة بالألوان ) والقول واضح الدلالة على
أن شرايين الشعر والرسم هي التي ترسم تلك الصور بالكلمات والألوان ،
نحن حين نقرأ قصيدة نفهمها عن طريق الصور الفنية التي يقدمها لنا الشاعر في قصيدته التي كثيراً ما تكون ملهمة للرسام وتدفعه إلى أن ينقل بعض هذه الصور المرسومة بالكلام إلى صور مرسومة باللون والعكس صحيح بحيث يتم نقل الصورة من لغة اللون إلى لغة الكلام، لذلك نجد قوة العلاقة بينهما والشركاء في القراءة والربط والمتابعة هما العين والخيال .
س_ ليوناردو دافنشي له كتاب بعنوان ( نظرية التصوير) فهل الرسم عملية فيزيائيه وبخاصة أن الكمبيوتر الآن أصبح لديه القدرة على الرسم؟
من الظلم أن نكتفي بوصف عملية الرسم بأنها فيزيائيه فقط؛ قد ينطبق هذا القول على عملية التصوير الضوئي، أو على الرسم الذي يقوم على تصوير الطبيعه مباشرة، لكنه لا ينطبق على أعمال فنية يسعى الفنان إلى تقديمها بشكل مغاير عن الطبيعة وإن كان مستنداً عليها ومنطلقا منها في هذه الأعمال، لأن الفنان الذي يريد تقديم الجديد لابد من تشارك عوامل أخرى والتي منها الذاكرة والخيال والرغبة وشيء من ثقافة الفنان، إضافة إلى ذلك اللهب المتوهج في سريرته. ما يتعلق بالكمبيوتر من وجهة نظري اختلف مع بعض الآراء وأتفق مع بعضها، ولا أراه أكثر من وسيلة، فنحن كما نعيش الآن توجد صعوبات كثيرة تعترض الفنان من حيث المكان والمواد المرهقة اقتصاديا، ولكن ما يجب أن يكون هو استخدامه وسيلة لا أكثر مثل مواد الرسم وأن تظهر الفروقات الفنية وتمايز الأعمال، وأظن أن المستقبل لن يكون معارضاً قاسيا للرسم على الكمبيوتر
__
س_ هل للمكان والزمان بُعد في حركة الرسم والإعداد للعمل _ من الذين تأثرت بهم فاطمة أسبر في مرحلة الشباب ومن هم رواد الفن التشكيلي في الوطن العربي وسوريا الذين تركوا بصمة في حياتك وفي الفن التشكيلي ؟
_ المكان و الزمان ، وما يعتمل في الفضاءات الخفية داخل المخيلة والتفكير والرغبة في البحث عن أسرار مكنونه داخل العناصر والمظهر الخارجي للأشكال ، هذا السؤال يأخذني من دون تردد إلى قول أرسطو : ( إن هدف الفن ليس تمثيل المظهر الخارجي للأشياء بل دلالتها الداخلية ) هذا القول أراه مهماً جداً لأنني إن كنت أعمل على تمثيل المظهر الخارجي لأي عنصر ، وأنقله على اللوحة كما هو ، فلن يكون عملي اكثر من مهارة في نقل ما أرى وتتفاوت المهارة بين الفنانين الذين ينقلون المظهر الخارجي و بالتأكيد فإن الكاميرا ستكون أصدق وأكثر دقة وأمانة، وبين الفن الذي يأخذنا بعيداً ، فيه نوسع حدودنا ونحقق بعض أحلامنا ونتغلب على شيء من ضعفنا وعن طريقه يمكننا أن نذهب حيث نشاء مخترقين الحدود الموضوعة ، الشكل الخارجي لا يقدم هذا الثراء ولا بد من الدخول في العمق و القبض الفني على المعاني الخفية لإخراجها من اللا مرئي إلى المرئي ومن المجهول إلى مايهم أن يعرفه قارئ الفن . هل تصدق ! الآن أسأل نفسي عن الريادة في الفن ، وهل تعني تفوّق أحد الفنانين في مرحلته أم تعني الذين سبقوا زمنياً ؟ والمشكله هي في صعوبة التحديد ، فما أحبه أنا قد لا يحبه غيري ، وما يدهشني قد يراه غيري بعين مختلفة تماماً ، لكن بالتأكيد هناك فنان يحظى بالإعجاب والأهمية أكثر من غيره ، لكن بالنسبة لي فإنني انظر إلى العمل من دون التفكير باسم منجزه وأتحاور معه ، بعض الأعمال تأسرني من النظرة الأولى ، وبعضها أحتاج إلى حوار معها . كل فنان له أعمال أحبها وأخرى أطرح عليها اسئلة غير أنني اكون دائماً مع الفنانين الذين يكشفون أسرار العناصر
__
س_ هل النقد الفني يواكب حركة الفن والإبداع ؟
_ النص كما نعلم سابق للنقد ، اللوحة ايضاً سابقة للنقد ، وهذا أمر يؤكد أن النقد يستقي من العمل الذي ينقده ، يستوي في ذلك العمل الأدبي شعراً أو نثراً مع العمل الفني وأقصد الرسم . أحب أن أذكر هنا الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي وضع علم العروض مستنداً على الشعر القائم والمزدهر في زمنه فوضع له القواعد والجوازات وبذلك أوجد القيود التي سماها ( علم العروض ) وهي موازين للشعر . لكن الزمن يفرض احتياجاته عن طريق الأدباء و الشعراء على القيود في شكل القصيدة ومضمونها وموسيقاها وتظهر الحاجة إلى الجديد المختلف وبذلك يتم تجاوز الحدود الضيقة إلى فضاء الكتابة والفن الذي لا حدود له. كذلك أوجد نقاد الرسم مصطلحات ضيقة على اللوحة مثل الكتلة والمساحة والخط والظل والكثير من المصطلحات التي تجاوزتها اللوحة بخلق روىً جديدة وتناقضات تحتاج إلى عين تعرف كيف تقرأ العمل الفني بعيداً عن المدارس الفنية والمصطلحات الشكلية ومن وجهة نظري من خلال تجربتي على تواضعها فإن تطبيق رأي أرسطو الذي ذكرته والذي سأعيده الآن ( ليست مهمة الفن تمثيل الأشياء بل تمثيل دلالاتها ) فإنني أراه يصلح منطلقاً مهماً للنقد بقدر ما هو منطلق للرسم . قد تكون اللوحة تجمع في تفاصيلها أكثر من مدرسة وقد تكون خارجةً على جميع المدارس ، قدتكون مستندة على الواقع بعناصرها المختلفة لكن الفنان يمكن أن يعيد صياغة هذه العناصر وكأنه يخلق واقعاً جديداً . من هنا وكما هو مطلوب من العمل الفني أن يكون اختراقاً وابتكاراً فإن العمل النقدي يجب أن يكون اختراقاً وكشفا عميقا في قراءة العمل الفني .
__
س_ ما رأيك في الملتقيات الأدبية وماذا تضيف للأديب ، وما رأيك في ملتقى الشعراء العرب الذي أسسه الشاعر والناقد المصري ناصر رمضان عبد الحميد ؟
الملتقيات الأدبية بالتأكيد مفيدة وفي الاتجاهات جميعها ، السلبية والإيجابية ، فهي وإن لم تحقق أبعد من التعارف تظل مفيدة وتُعرّف الملتقين ببعضهم كما تعطي صورة عن واقع الساحة الأدبية وإلى أي درجة توثر في محيطها ، لكن إذا أدى الأدباء دورهم في إيجابية صادقة وهادفة إلى دراسة الواقع الأدبي من أجل الارتقاء به عن طريق النقد الواعي له و الهادف إلى الكشف الدائم و إلى تحرير الفكر من قيوده .
من وجهة نظري أرى أن تعريف هذه الملتقيات يأخذ بعدين : النظري ، وهو الموضوع ليكون خطة العمل التي تتم على أرض الواقع؛ والتعريف العملي وهو ما يحكى ولا يُفعل ، ولذلك ومع الأسف ملتقياتنا في حالة بؤس ، وفي حالة فصام حقيقي بين الكلام النظري والفعل العملي ، وهذا ينطبق على ملتقيات الفن بشكل عام أيضاً. من أجل نجاح الملتقى من الضروري أن يكون قائماً على أسس وأهداف وأن يكون هناك برنامج عمل مجدول ويعمل الملتقون على تنفيذه وطبع ما يُنشر وما يتم من نقد وتوجيه في كتب، عند ذلك تاخذ الملتقيات بعدها المسؤول والمهم .
من إيجابيات الفضاء الافتراضي المهمة أنه ساحة رائعة من أجل الحوار الفكري ونشر الإنتاج الأدبي وإلغاء المسافات ،
ملتقى الشعراء العرب الذي أسسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد عضو اتحاد كتاب مصر والذي يضم كوكبة من الأدباء والشعراء العرب من أنحاء الوطن العربي وهذا بحسب قول الشاعر ناصر بأنه ( تعويض عن الفشل السياسي بوحدة أدبية ثقافية تعطي مكاناً ومكانةً للمرأة لتقديم نموذج عربي ثقافي يحترم المرأة ويعلي من شأنها ) وهذا أمر مهم للغاية ، إضافة إلى نشر الإنتاج وتبادل الآراء الفكرية والنقدية بخاصة أن الفضاء الافتراضي يتيح فرص المشاركات من دون إضاعة الوقت بما يلهي ،
إن مجرد طرح فكرة العناية بفكر المرأة وإنتاجها يجعلني منحازة لهذا الملتقى بكل الأماني والرغبات وأتمنى أن يتم فيه الحوار الكافي حول الإنتاج الأدبي وقيمته وأهميته وأن تجرى الحوارات النقدية أيضاً وأن يوثق كل ما يُنشر ويقدم من دراسات نقدية في كتب مطبوعة .
_ س ماذا أضاف لك ( الفيسبوك ) وعالم التواصل كونك إنسانة فنانة ، وهل للأسرة ، لا سيما الزوج دورٌ في نجاح المبدع ؟ هذا الفضاء الذي ندعوه فضاءً افتراضياّ أخذ دوراً مهماً في حياة البشر ، وأعطى فرصاً فردية لكل من لديه شيء يقدمه، لكن هي فرص عابره إن لم تتوثق وتعرف في العالم المعاش على أرض الواقع ، وما يزيد في نجاح هذا العالم الافتراضي هو صعوبة الواقع الحقيقي والوضع الاقتصادي ، فمن يريد أن يذهب لمشاهدة معرض ما يبعد عنه وإن كان في ذات المدينة سيجد صعوبة كبيرة من حيث المواصلات وحدها ، من هنا كان دور الفيسبوك في تسهيل المشاهدة لأكبر عدد من المتابعين، وهناك آراء مهمة تصدر عن ذائقة عالية تساهم في تعميق النظر إلى الأعمال وتساعد في اكتشاف جوانب من العمل الفني ، ومن المهم أن يكون هناك تبادل لوجهات النظر ، لأنها تثري وتساعد في الارتقاء والابتكار حتى ولو كانت إظهار عيوب مقنعة أم غير مقنعة فإنها توسع أفق الرؤية والرؤيا ، لكن هناك نقاد لايبدون رأيهم خوفاً على المشاعر ، وهناك نقاد يجرحون من دون وجهة نظر فنية صادقة
وهذا نوع من النقد لا يعمل على ازدهار الفن .
بالتأكيد دور الأسرة مهم ، فهم الذين يمنحون الثقة الأولى ، وبالنسبة للمرأة فإن دور الزوج مهم جداً؛ لذلك يكون الفرق كبيراً بين زوج يمنح زوجته الوقت والرأي والمساعدة وهذا ما توفر لي مع زوجي ، فقد كان في غاية الكرم والتعاون معي يوفر لي المواد التي أحتاجها في اليوم ذاته ويبدي رأيه في تفاصيل اللوحة وهذا ساعدني في فهم نفسي والاستفادة من الوقت ، مازال قوله لي ومازال هو بكامل حضوره يقيم في وعيي: ( عملك الفني أهم من أي عمل آخر ) .
_ س حدثينا عن إقامتك في مصر وماذا قدمت لك هذه الإقامة ؟ إنها مرحلة مهمة من حياتي ، وفيها تابعت دراستي الجامعية ، وتخرجت
من جامعة القاهرة متخصصة في اللغة العربية ،
قلت بأنها مرحلة هامة بالنسبة لي وقد كتبتها وسوف تصدر هذا الصيف بأذن الله من ضمن كتاب أعده للطباعة ، لذلك سأترك وهج تلك المرحلة لن اتحدث عنها قبل صدور الكتاب .
لكن أحب أن أضيف بأن العمل الفني ( القصيدة / اللوحة / القصة القصيرة ) وبخاصة اللوحة يجب أن يكون النظر إليها حراً غير مقيّد بتسميات جزئية تتعلق بالمدارس والمذاهب الفنية ، فقد تكون لوحة واحدة تشمل المدارس جميعها إضافة إلى ابتكارات ليس لها أسماء ، وإلى شعرية تتجاوز الشعر لأن الرسم يستطيع أن يلامس الاعماق اللامرئية للأشياء والعناصر بذات القوة التي يقدر فيها أن يتجه صوب المستقبل .
الفنانة فاطمة أسبر
وُلدتُ وحب الرسم كأنه ولد معي، وكان وسيلتي في التعبير في مرحلة الطفولة المبكرة، لكن
لم أدرس الرسم، بل اتجهت اتجاهاً مختلفاً، إذ دخلت دار المعلمات، ثم تابعت دراستي في جامعة القاهرة (لغة عربية )، وأكملت دراسة الدكتوراه في جامعة بودابست، وذلك لأن زوجي يعمل في السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية السورية، وكان يأخذ بيدي كي أتابع دراستي.
فسجلت مع رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية البروفيسور(فودور شاندور ) رسالة بعنوان (ظاهرة الرفض في شعر ادونيس).
في العام 2010 عدت إلى الرسم الذي لم يفارقني حبه، وعملت ثلاثة معارض منفردة بين 2017 و2019 وما يقارب عشرة معارض مشتركة، وبسبب جائحة الكورونا أجلت معرضي المنفرد الرابع من العام 2020 ومازلت متريثة، لأنني أحب أن يأتي الناس إلى معرضي وهم مرتاحون
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي