غزة… صورة لم تكتمل
تعالي لا تترددي، تعبرين أسوار الرمل الأصفر وحرارة الصحراء والغراب العابر فوق الأغصان اليابسة… تعالي إلى حضن الحياة والشهادة، إلى ينابيع الحنين والذكريات، كوفية العجوز وسكينة عينيه الغائرتين في رماد ذكرياته وصدأ مفتاح داره وغربته، سننسج من شاشية جدتي ستاراً تحجب عشقنا، ولهفتنا لحرية لم تنتحر تحت ركام الدمار.
دليلك في غزة الأبية… “أنا” وغربال كل متاهاتك في ورق الجرائد وعربدة قوافي التقارير المسنونة بحبر زائف. سأروي لك نبض نهري وجرحي المستورد من شرايين الأحياء عن أنين لا إسم لها سوى غزة. سأطرز لك شالأً من أحلام الأطفال على أراجيج تطال الهواء، وربما سماء بلا غيوم رمادية، وبلا دمع فوق حجارة دار هوى ولم تسجل له الهوية.
سنجلس سوياً بلا موعد، بلا أحاديث غرام، بلا نظرات عتاب فوق تلك الصخرة السوداء التي تحمل رائحة المرارة في وجدي، والذي لا أنام من دون عبيرها فوق وسادتي البيضاء.
نقرأ سوياً لمحمود درويش كل القصائد عن فلسطين ” أيها المارون فوق الكلمات العابرة”، نترصد أثلامهم فوق رمال الشاطئ المترامي بلا حدود للأزل حيث للتاريخ كلمته الأولى والأخيرة “نحن هنا”.
سيلفنا هذا الصمت الغريب ونحن معاً، نستمع لقصص العابرين فوق زبد البحر الأزرق، ومراكب الهجرة تنادي بعزفها الحزين، غربة تمحو الألم ولا تمر بسطر أسود من يوميات دفاترهم المتعبة من شوقٍ دُفن في ثيابهم الرثة. سيسحبنا هدير الموج نحو غيومه الرمادية لألوان الشفق النارية، هناك لائحة من الصابرين بدون مجذاف يغيث المركب من غرق في دوامة الغائبين في ديمومة حياة بلا لون ولا طعم، وهناك الطيور التي تتكحل بالنور عند الغروب ليتنصر الفجر فيبتدع أسطورة البقاء. هم الراحلون العائدون دوما بأسماء جديدة، لهم… أنا وأنت سنتلو صلاة الإنتظار للحرية.
تعالي نغني على وتر الناي التغريبة الفلسطينية “غزة”.
تلك المدينة العائمة فوق جرف الدم، إنصهرت شهادتك بالصبر، ترسمين بلحظ أطفالك، صبيان الحارة، شيبة الكهولة المنضوية تحت جمر الفراق، عيون أم أبت أن تطرح الدمع فوق أخاديد خدود توهجت بالعنفوان، وصمتٍ طويل أمام شمعة تحاكي النور في الظلام، كتاب وكراس وبقايا دفاتر ممزقة تعلن كل الصراخ على عربدة أمم تجاهلوا حقوق الإنسان.
لن ترتاح أقدامك في زرع الخطوات بين الحواري الضيقة، وهياكل بيوت كانت هنا وإندثرت في التراب، ففي رائحة الدخان عطر كل الحكايات المبتورة الأطراف، وركن رمادي وزاوية وطبلية العشاء السري.
قلت لي يوما زوادتي تنقصها نكهة الحب، لن ألتمس منك الأعذار بعد اليوم أن لا تعشقي نكهة غزة.
سمر دوغان
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي