العراق بلد الفن والإبداع والشعر والتاريخ والحضارة، بلد المليون مبدع. في كلّ خطو تجد فنّانا وفي كلّ شبر يخرج عليك شاعر وفي كلّ بيت مبدعة، حابه الله الكثير،
الفنّ و الجمال و الرُقيّ و الإبداع و غيرها الكثير من أجمل الصفات و الكلمات التي لا تعدّ ولا تحصى، والتي أجتمعت جميعها في فنّانة واحدة.
هي واحدة من أجمل و أرقى النساء اللاتي أنجبتهنّ بغداد ، امرأة فريدة من نوعها تميّزت بكلّ معاني الطيبة والبساطة، و الهدوء .
وبشهادة الجميع، هي فنّانة عراقيّة لم يأتِ مثلها من قبل . هي تلك الطفلة الموهوبة التي تمكّنت من الفوز بجائزة شانكر الدوليّة للرسم في الهند لاعمار ١٤ـ١٥ على الرغم من انها كانت في العاشرة من عمرها ، لتصبح فيما بعد مديرة للمتحف الوطني للفنّ الحديث في العراق و مديرة لمركز صدّام للفنون.. و غيرها من الإنجازات و النجاحات.
ولدت فنّانة و استشهدت وهي فنّانة ، قصّتها أشبه ما تكون بقصّة فيلم هوليودي يستحقّ الأوسكار، قصّة دفعتها الي الخلود الأبدي.
إنّها أميرة الصمت و سيّدة الهدوء في الشرق الأوسط
إنّها الفنّانة العراقيّة الراحلة “ليلى العطّار”
و من هنا كان لمجلّة أزهار الحرف لقاء مع “زينب جريدان” و “ريما أمير” نجلتي الفنّانة الراحلة ليلي العطّار
حاورتهم من مصر مي خالد
- جميعُنا نعتبر أمّهاتنا هنّ المثل الأعلى لنا ، فباعتباركم نجلتي الفنانة العظيمة الراحلة ليلي العطار ، ما هي أهمّ المبادئ و السمات التي حاولتم اكتسابها من والدتكم ؟
*بالطبع شهادتنا هنا مجروحة، كلّ شخص يعتقد أنّ أهله أفضل الناس لكن والدتنا المرحومة كانت فريدة من نوعها بالفعل وهذا شيء يتّفق عليه كلّ من عرفها، وبالطبع تأثيرها علينا كبير وواضح ، فقد اخذنا الكثيرمن صفاتها ومبادئها كالكرم والرحمة وحب الناس والطبيعه، وحب الحيوانات بالإضافة الى موهبة الرسم والتصميم ..
فالمرحومة كانت معروفة بطيبة القلب وتحبّ الجميع، تبذل جهدها ومالها لمساعدة الناس حتّى قبل أن يُطلب منها ودون أن تنتظر أي مقابل، كانت حنينة ورحيمة بشكل غير طبيعي ، وترى الجمال في كل شئ، الطبيعة، الحيوانات، والناس حتى أنّها تركّز على الشيء الجميل عند الأشخاص عند وصفهم (مثلا ضحكته او ضحكتها حلوة) الخ،، والأهمّ من ذلك كانت موهوبة وسابقة لعصرها وذكيه جدا لكن بدون غرور.
- (سيّدة الهدوء في الشرق الأوسط) أو (أميرة الصمت)، كلّها ألقاب تمّ إطلاقها على الفنانة الراحلة ليلي العطار، فبرأيكم ما هو السبب وراء هذه الألقاب؟
والدتنا كانت تستمع أكثر ممّا تتحدّث وتحترم كل الآراء، وفي النهاية تطرح رأيها بهدوء وبدون أي تحدٍّ أو عدوانيّة ، ولهذا اعتقد اطلقت عليها هذه الألقاب…كانت في الحقيقه خجولة جدا وبسيطة ورقيقة لحدّ لايُصدّق، في حديثها وفي تعاملها ورقيّها، لكنّها كانت ذكيّة جدا بدون غرور بل برصانة ووقار ومن جهة أخرى جريئة إلى حدٍّ لا يصدّق في الرسم وفي طرحها لموضوعات المرأة..
وكانت الرسالة التي في اعمالها بسيطة جدا ، وهي أن يراها الناس كما هي، ليست كليلى العطار الجميلة فقط بل تتضمن لوحاتها قلب ليلى ودواخلها وضميرها وإحساسها ، أي ليلى العطار بكاملها بدون أيّ التباس حيث لا يمكن أن نقع في خطأ التفسير الفردي، عى الرغم من طبيعتها الخجوله كانت امرآه تفرض احترامها و آراءها وترسم حدودها بوضوح وبدون اي التباس بكل ذكاء ورقي وهدوء.
- (لوحة جورج بوش الأب )،هل يمكن أن تُخبرونا بالحقيقة وراء هذه اللوحة المثيرة للجدل؟ هل الفنانة ليلي العطار هي من قامت برسمها بالفعل؟ و هل كانت هذه اللوحة هي (لوحة الموت) كما وصفها البعض بالنسبة للفنانة ليلى ؟
*حقيقة الموضوع غير ذالك وقد حدث الكثير من اللغط والاشاعات الغير صحيحه
في الحقيقة أنّ الحكومة الأمريكية قامت بأمر من الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون بإرسال٢٣ صاروخا لضرب المواقع الحسّاسة في بغداد ليلة 27 يونيو 1993 كردّ على محاولة اغتيال الرئيس الأسبق بوش عند زيارته للكويت، وكان من ضمن المباني المستهدفة مبنى مركز المخابرات العامة الواقع في حيّ المنصور السكني، تمّ على إثر الضربة استشهاد ٧ عراقيّين من ضمنهم والدتي (الرسامة التشكيليّة ليلى العطار) ووالدي (عبد الخالق جريدان ) ومربية منزلنا خديجة إثر ضرب مبنى المخابرات الواقع في منطقة المنصور والتي على اثرها ضربت المنازل المجاورة للمبنى.
على إثر الضربة أطلقت إشاعة من القصر الرئاسي العراقي كان هدفها تسليط الضوء باستخدام الاعلام العالمي على قصف بغداد مفادها أن الضربة استهدفت الفنانة التشكيليّة ليلى العطار لقيامها برسم صورة بوش على مدخل فندق الرشيد، مع العلم أن الصورة رسمها فنّانٌ هاوٍ وليس له علاقة بوزارة الإعلام ولا الشهيدة التي كانت معروفة عالميا باحترامها كشخص وطيبتها وحبّها للسلام..
- الغروب و المأساة و الحزن العميق، جميعها سمات طغت على الأعمال الفنّيّة لليلى العطار ، فما هو السرّ وراء استحواذ هذه السمات و التصورّات على لوحاتها؟ و هل كانت هذه السمات جزءا أيضا من شخصيّتها و حياتها أم كانت مقتصرة على لوحاتها؟
*على العكس من ذلك، أعمال الوالدة فيها شاعرّية وإيمان روحي عميق غير قابل للتزوير، لهذا أي شخص يدرس اعمال ليلى العطار يعرف لوحاتها باللحظة.. ليست فقط عبارة عن جسد عاري وإنما موضوعاتها نسويه، حيث تلخّص ارتباط المرأة بالطبيعة فدائما في اعمالها هناك السماء، والأرض، والمرأة النائمة أو جسد المرأة المتلاشي في الأرض.
الرمز عندها هي المرأة، وتكرره لتكشف عن جانب مهمّ من جوانب المرأة وهي اتّحادها بمحيطها أو بشكل رمزي الارض. فلوحاتها مرآة تعكس روحية الوالدة و،استسلام كالفنانة بشكل كلّي اثناء الرسم للعمل الفنّي والفكرة التي تحاول طرحها واغلبها الحقيقه تميل لانعكاس الهدوء والصمت المطبق، اعمالها هي انعكاس لفكرة توازن المخلوق الرقيق (الذي هو المرأة ) مع محيطها العام.
ليس لفنّها أيّ علاقة بالحزن بل هو شاعريّة أحاسيس امرأة مرهفة وتفاعلها مع محيطها ومجتمعها…
مثلا في إحدى لوحاتها رسمت “رحم المرأة” كرمز للحياة… لكن طبعا تفسير الاعمال الفنية يكون حسب المتلقّي وآرائه وأحيانا تكون بعيدة كلّ البعد عن ذهنيّة ورمزيّة الفنان ..
لربما من لايعرفها يفسر هدوءها بالحزن مع أنها كانت دائمة الابتسامة وذات صوت حنون. فهي على العكس من ذلك، كانت امرأه هادئة محبة كريمة لاتنتقد أحدا ولاتحب الزعل أو تحمل أي ضغينة حتى للذين يؤلمونها، وكانت مرحة وذات ضحكة قلبية متميزة وبعيدة كلّ البعد عن الحزن ..
كان بيتنا منتدى فنّيا عائليّا واجتماعيّا لأغلبية المثقّفين والفنّانين العراقيّين والعرب مثلا نزار قباني، سيّد مكاوي، وديع الصافي ،ماجدة الرومي، دريد لحام، مصطفى العقاد أمّا من المصريين : المرحومة سعاد حسني، صفية العمري، عبد الله غيث، نور الشريف وغيرهم وغيرهم…
المرحومة كانت مؤمنة بقضايا ودور المرأة وساعدها في ذلك والدنا الذي كان يؤمن بنفس القضايا ودور المرأة في بناء المجتمع. وهذا واضح من نجاح المرحومة فسند والدنا لها وثقته بذكائها وموهبتها ورقيّها ساعدها لتحقيق قسم من أحلامها ومع الأسف فقد استشهدوا قبل أن تحقّق جميع ماكانت تطمح اليه..
- أيّ لوحة من لوحات الفنانة ليلي العطار هي الأقرب الى قلوبكم؟ و لماذا؟
*كل لوحاتها قريبة إلى قلوبنا لأنها تعكس شاعرية المرحومة و عاطفتها وإحساسها كامرأه رقيقة… يعجبنا الغموض الذي في صميم أعمالها، ألوان أعمالها تبعث الراحة في أنفسنا، أما جمال أعمالها فيذكرنا بالخلود والراحة الأبدية… لربما والدتنا معروفة الان عند الناس بوجهها الجميل ولكنّ إحساسها وقلبها وروحها هما في الحقيقة الأجمل.
- هل كان هناك طقوس معينة اعتادت الفنانة ليلى العطار على اتباعها عند الرسم؟
*ليست هناك طقوس معينة لكنٍها كانت معظم الأوقات ترسم في الليل ، مع أنّها عادة تكون متعبة لأنّها في مركز وظيفي ذي مسؤولية كبيرة، وعلى الرغم من أنها شخص نهاري ، لكني أعتقد أنّ من الأسباب التي تجعلها ترسم في الليل هو أنّ أحاسيسها أقوى، كأنّ ظلام الليل وسكونه يحرران أفكارها ويثيران مخيلتها فهي لم تكن تحبّ الضوضاء والثرثرة، على الرغم من أنها عادة كانت ترسم بيننا ومعنا في غرفة التلفزيون وليس في مرسمها، وأكثر الأحيان كنا نستيقظ من النوم صباحا ونراها لم تنم ومازالت ترسم، وتكون عادة برفقة والدنا جالسا بجانبها وهو يقرأ كتابا أو جريدة..
- ما هي الجوائز التي حصدتها الفنانة الراحلة ليلى العطار ؟
*عام ١٩٥٥ فازت بجائزة شانكر الدولية للرسم في الهند على مجموعة أعمار ١٤-١٥ مع العلم أنّ عمرها كان حينها ١٠ سنوات.
في عام ١٩٨١ فازت بجائزة الشراع الذهبي في الكويت.
في عام ١٩٩٠ كُرّمت من جمهوية بولندا وحصلت على وسام الثقافة البولندي..
وقد كُرّمت كذلك من جمهورية مصر العربية خلال بينالي القاهرة
ومن إمارة البحرين آنذاك..
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي