معادلة الألوان وعطش الليلكة الدمشقيّة
مظلتي بيضاء
القراميد بيضاء
الشحوب أبيض
الشتاء أبيض
باب بيتنا أبيض
الشجرة بيضاء
بياض وبياض
تری هل انتحرت الألوان
بعد أن رحلت؟
خنافه أيوب( كم أنت أنا)
ألوان تركت موطنها ، وهاجرت، بحثاً عن فجر لن يعود.
الأبيض، في رمزيّته، يحمل معنيين: الفرح والحزن.
الأبيض في الشرق الأقصی رمز للحزن والحداد.
في معادلة الألوان يقول العلماء: اللون الأسود هو اللا لون. والأبيض أساس الألوان.
ويقول علماء النفس: الوحدة في الألوان تسبّب رتابة، وتصيب الإنسان بالحزن.
ويبقی السؤال: لماذا اختارت الشاعرة اللون الأبيض للتعبير عن حزنها والفراغ؟
عندما رحل، لم يبق أمام ناظريها سوی اللون الأبيض. واللون الأبيض، في اعتقادي، رمز للكفن، وثلج الوحدة.
يقول دي لا مرتين: un seul être vous manque, et tout est depeuplé.
عندما يغيب شخص واحد، يغيب كل الوجود. وهكذا الألوان، ألوان الفرح والتنوّع غابت، بموت الحبيب.
وعناصر القصيدة رموز موحية. فالمظلة رمز للحماية. وقد تحوّلت إلی الأبيض، رمز الاستسلام.
والقراميد حماية اجتماعية، فقدت قيمتها بغياب الحامي الأكبر، بل فقدت دماء حياتها، بعد الرحيل.
والشحوب الأصفر تحوّل إلی البياض، بياض البرد الثلجيّ في المشاعر والأحاسيس.
وباب البيت/ الأمان أصبح أبيض، دليل الجمود واللاحياة. فقد بريقه، والإحساس بالزمن.
أما الشجرة، رمز التجدّد والاخضرار فقد سيطر عليها كفن الموت.
اللون الأبيض، في المطلق، رمز للطهارة والنقاء. ولكنّه، في قصيدة الشاعرة خنافه أيوب، ضمن ديوانها
كم أنت أنا” عنوان لشعورين متناقضين: الرتابة والملل، بسبب انتشار البياض في كلّ مكان، في العلو والعمق، في الخارج والداخل، وفي صميم الذات.
والشعور الثاني هو التفاؤل والأمل بأنّ المنتظر، في حياة الشاعرة، هو رجاء بمستقبل مشرق، ينهي قلق الحياة والموت، في ٱن.
أما السؤال عن انتحار الألوان، فهو تعبير عن الحيرة والضياع. انعكاس لانتحار عاطفة الشاعرة، ولا يحتاج إلی جواب.
إنّه الأبيض رمز الفراغ، في البيت، وفي القلب.
فراغ سببه الموت واليأس ولكنه مشبع بالرجاء، لأن الشاعرة حافظت علی إيمانها بالغد، فسيطر البياض علی تفكيرها، بدلاً من السواد.
إيمان الشاعرة كبير في أن الراحل سكناه الجنّة، حيث البياض المطلق، والثبات.
وبذلك، يصبح البياض رمزاً للحياة مع الملائكة، في فسيح الجنّات.
عودة إلی عنوان الكتاب ” كم أنت أنا”,حيث يتلاقی الضميران المنفصلان أنت وأنا، في وحدة حلوليّة تعيدنا إلی قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش يقول فيها:
كم انت انت ..
وكم انا غيري امامك ها هنا
هذا اللقاء بين الأنا والٱخر يحمل بُعد اللقاء الروحي، ويكشف عمق المحبّة، في لحظة الغياب، كما يقول الأديب اللبناني جبران خليل جبران.
وساعة الفراق جعلت الشاعرة أيوب تدرك اتصالها الروحي بالحبيب، عند الغياب، في حين أن الشاعر درويش كشَف عمق الأثر الذي يبعثه الحبيب فيه، عند حضوره.
خنافه أيوب، أيتها الشاعرة التي أرهقها/أرهفها بياض الموت، وشغف حضورَها غيابُ الحبيب، كم أنت أنا، في عمق مرايا البوح الشفيف، تبذرين حبيباته، في بيادر قلوبنا، نحن القرّاء، فتثمر غلالاً وجمالاً وأهراءات من الحب والحنين.
مبارك ديوانك الحبّ، الحياة، لا الموت، وإلی قراءات أخری تولم في الذات انتظار الياسمين، وعطش الليلكة الدمشقيّة.
د. جوزاف ياغي الجميل
With خنافه أيوب
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي