لوحة مفتاح الحرية للفنانة التشكيلية المغربية (الألمانيّة) ربيعة القدميري بين الألم و الأمل *
يُعتبر المفتاح أحد أهمّ الرموز الفلسطينيّة،
تجده معلّقًا في المنازل، المحلّات، السيّارات، الجمعيّات الخيريّة، الثقافيّة، الأدبية، وعلى صدور الفتيات منذ الصغر، وفي يد الرجال، في المساجد، في الكنائس كتميمة، أو كحجاب حارس وحاجز وجالب ومانع للشر والشياطين. يحمل من المعاني ما تعجز اللغة عن وصفه، وكيف توصف الحرية وهي الحياة برمّتها؟!
المفتاح رمز أصيل يعبّر به الشعب الفلسطينيّ عن تمسّكه بالأرض والحقّ في العودة بعد التهجير ١٩٤٨.
ومع تطوّر ثقافة المضمون للمفتاح لدى الشعب الفلسطينيّ، صار المفتاح لغة وثقافة جمعويّة، وجمعيّة ذاتيّة. وصار يعبّر عن الوجود والذات والكينونة، عن الأرض والحرية والعودة من الشتات، واستمرار الكفاح والدفاع عن الكرامة وعن الحياة برمّتها.
والمفتاح في اللغة من الفتح وهو إزالة الإغلاق،
في إشارة إلى إزالة الاحتلال والعودة إلى الوطن.
“ويا وطني لقيتك بعد يأسٍ
كأنّي قد لقيت بك الحياة”
المفتاح إذًا هو رمز الحرية للأسرى ليُزال عنهم الإغلاق. هو رمز العودة إلى المنزل، إلى الأمن والأمان والسلام.
في العادة يخرج الرجل من بيته فيغلقه خلفه ويحمل معه المفتاح في حقيبته أو في جعبته، لماذا؟
لأنّه حتما سيعود.
يرحل الإنسان ويحمل معه مفتاح بيته أينما حلّ ورحل. وقديمًا كان لكلّ مدينة أبواب ومفاتيح، ولكلّ حارة وشارع. ومع التطوّر العمرانيّ واختراع الكهرباء والتكنولوجيا، دَبّ الأمان وعمّ النور والسلام، وصار المفتاح قاصرًا على منزل صاحبه، فصار المفتاح شخصيًّا بامتياز وذاتيًّا؛ لكنّ فلسطين كمدينة وكأفراد غاب عنهم وعن مدينتهم النور والسلام وعمّ الظلم والقتل والتهجير، فصار المفتاح ضروريًّا ووجوده أبديًّا كوجود فلسطين.
يقول
محمود درويش:
“مشيًا على الأقدام، أو زحفًا على الأيدي نعود، قالوا… وكان الصخر يضمر، والمساء يدا تقود، لم يعرفوا أنّ الطريق إلى الطريق دم، ومصيدة، وبيد كل القوافل قبلهم غاصت، وكان النهر يبصق ضفّتيه، قطعًا من اللحم المفتّت، في وجوه العائدين، كانوا ثلاثة عائدين، شيخ، وابنته، وجنديّ قديم، يقفون عند الجسر… كان الجسر نعسانًا، وكان الليل قبّعة، وبعد دقائق يصلّون، هل في البيت ماء؟ وتحسّس المفتاح ثمّ تلا من القرآن آية، قال الشيخ منتعشاً: وكم من منزل في الأرض يألفه الفتى”.
اللوحة التي معنا للفنانة التشكيلية المغربيّة ربيعة القدميري، حوت كلّ هذا الجمال وهذه المعاني باقتدار، وعبّرت أجمل تعبير عن الحرّيّة والعودة، وفلسطين، والإنسان، والأرض، والمكان، والزمان، والشعب، وصارت لوحتها قصيدة غنّاء جمعت فيها كلّ شيء.
_المفتاح وجعلته مقلوبًا، كما قُلبت موازين العدل والحقّ،
وصارت الحرية غربيّة وبعيدة عن شعب فلسطين والشعوب العربيّة. وصارت دولة المحتلّ المزعومة بيدقًا للغرب أو حسب تعبير عبد الحليم قنديل قاعدة أمريكيّة في المنطقة العربية أو حسب تعبير عبد الوهاب المسيري دولة وظيفيّة، وقد زرعت لوأد الحرّيّة وتقدُّم الشعوب العربيّة.
لكنّ الأمل رغم الألم موجود ومرئيّ، وبثّ روح الأمل وظيفة من وظائف الفنّ والأدب.
ومن ثمّ جاءت الشعلة وهي رمز الأمل، السلام، الحرية. والشعلة في الأصل مستوحاة من الشجرة العربيّة المقدّسة قديمًا وحديثًا لدى العرب وشعوب البحر الأبيض المتوسّط. وبين المفتاح والشعلة، وجه فتاة يبدو عليها الحزن، وهو شعور طبيعيّ لحالة المرأة الفلسطينيّة التي دفعت ضربية الظلم بينما المرأة وُجدت لتُدلَّل وتسعد في الحياة.
وهي رمزيّة فلسطين، المرأة التي وُئِدَت قبل وجودها.
لكنّ الشعلة في اللوحة مرتفعة عن المفتاح في المقياس المكانيّ والحركيّ للّوحة وفوق رأس الفتاة
في إشارة واضحة
إلى التمسّك بالأمل الذي يعلو بصاحبه ليخرجه من اليأس إلى الأمل، ومن الظلمة إلى النور وحب الحياة.
إنّ التسلّح بالأمل هو الطريق للعودة والحرّيّة.
ثمّ تتداخل الألوان وتتوزّع. وكثرة اللون الأصفر الذي رسم به المفتاح ورأس الشعلة دليل على البهجة والنور والإضاءة، والأصفر لون الشمس واهبة الحركة والنشاط.
والمصريّون القدماء استخدموه كرمز لإلَهة الشمس والوقاية من المرض وحب الحياة.
ربيعة القدميري في لوحتها قالت كلّ شيء بالفن والإبداع والجمال، ولا غرو في ذلك، فهي فنّانة متمكّنة ومبدعة، قابلتها في القاهرة وتعرّفت إليها عن قرب، فوجدتها إنسانه جميلة روحًا وخلقًا، تحبّ الفنّ والحياة وتحيا في صفاء نفسيّ وتصالح ذاتيّ. تحيّة إليها وإلى الشعب المغربي الشقيق.
*الفنانة التشكيليّة المغربيّة ربيعة القدميري
فنّانة تشكيليّة مغربيّة ألمانيّة. حاصلة على عدّة جوائز دوليّة آخرها جائزة الجندول في البندقيّة..
عضو ملتقى الشعراء العرب، قسم الفنّ التشكيليّ أقامت عدّة معارض شخصيّة ودوليّة في إيطاليا.. كوريا الجنوبيّة.. جنوب أمريكا..
*ناصر رمضان عبد الحميد
عضو اتّحاد كتاب مصر،
رئيس ملتقى الشعراء العرب.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي