نقوشٌ من الذّاكرة
جمال عبيد أصابت في اختيار عنوان لنصوصها النثرية والشعرية فعنوان الكتاب هو الجاذب الأول للقارئ والمحفز على اقتنائه
نقوش من الذاكرة عنوان عميق يختصر الحياة
نُقُوش هي جمع نَقش
نقش : ما يرسم أو يطرز من الرسوم على الأشياء.
الذَّاكِرَةُ : وهي الحافظة للذكريات ؛وبها نختزن كل ما نحسه أو ندركه ونعيشه أي التجارب السابقة ويتم استعادتها عند الحاجة،والمطبوع في الذاكرة لا يمكن نسيانه أما فقدان الذاكرة يؤدي الى تلاشي ذات الانسان وتاريخ حياته وعلاقته بمن حوله .
ولذا ربما حرصت جمال عبيد في كتابها نقوش من الذاكرة أن تدوّن لنا هذه الذكريات وتسطرها بين دفتي كتاب خوفا من فقدانها ورسالة تبقى لللأجيال القادمة .
وهي أهدته إلى عائلتها أغلى ما في الوجود بالاضافة إلى بعض الاشخاص الذين كانوا سندا لها في تفريغ الذاكرة على ورق مطبوع بأنامل ابنتها مروى وهما الصديقان رئيس ملتقى الشعراء العرب ناصر رمضان عبد الحميد والاستاذ محمد محمد علي …
والكتاب قسمته جمال عبيد إلى أربعة أقسام :
١_مقالات :وضم٢٧ مقالة متنوعة
٢_شعر وضم ١٠قصائد نثرية تراوحت بين الفصحى والعامية
٣_حوار صحفي
٤_قراءات نقدية لكتابها السابق (على هامش الحياة)
جمال عبيد في مقالاتها طرزت صفحاتها بعناوين حفرت في حياتها وأخذت منها العبر ففي (الكنز المنشود) نجد أن همسة في أذن أم أعادت ترتيب وتصحيح علاقة أم بطفلها
وفي( حي من دمشق) أشارت إلى حسن النوايا عند الاطفال فتلميذها عمر في عيد المعلم أراد أن يعبر لها عن حبه برسالة وهدية لكن أخطأ التصرف حين تصرف بقطعة للزينة من خزانة المنزل ولفها وقدمها لها دون علم والدته فنبهته الى خطيئته واكتفت بالرسالة . وفي نص آخر عنونته (من جعبة التعليم) أشارت الى دور المعلم في جذب الطلاب على اختلاف طبائعهم وبيئاتهم وعقولهم لان قلوب الصغار لا تعرف الحقد والكراهية .
وتناولت موضوع (الغيرة) وانواعها وحسناتها وسيئاتها
وتحدثت عن (الاخوة)
عن الصداقة في نص( التؤام )واهميتها وكيف أن الظروف تحرمنا من الوقوف الى جانب الآخرين أو الاحباب فنخزلهم
عن (السعادة) وأنها تنبع من الذات ونحصل عليها بالرضى والقناعة مشيرة الى أن المال وسيلة وليس غاية …
عن الصدق مع النفس وأهميته
ولفتت في (نص التردد )عن مخاطر التردد على حياة الانسان وانه لا بد من التوازن بين العقل والقلب مع مراة الزمان والمكان لاتخاذ القرار
وتحدثت في نص (المجاملة) قائلة المجاملة ميزة إيجابية شرط عدم المبالغة لأنها ستسقطنا في عالم من الأوهام .
وفي نص (حفلة توقيع ) توقيع كتابها السابق على هامش الحياة عبرت عن فرحها وغبطتها بوجود الأهل والاصحاب مشيرة الى أهمية المناسبات الاجتماعية القائمة على نشر الكلمة باللغة العربية فهي تؤكد بنصها (اللغة العربية)أهميتها فهي لغة القرآن وهي تعبر عن شخصيتها وقوميتها وأرضها ..
تحدثت في نص( الذكريات) عن القرية،المدرسة ،الطفولة فنحن بلا ذكريات نموت وفي نص(طفولتي )عن جمال القرية بطبيعتها الخلابة مقارنة مع المدينة فهي تأتي الى القرية هاربة من كلاليب المدينة
عن الفن وانواعه
عن فضول طفلة بمراقبة مقهى خاص بالرجال في منطقة الحجاز وما يجري به من جدل وضحك وضجيج
وحركة العمال في ( مقهى أبوعلي ) الذي يعتبره والدها مضيعة للوقت وصرف للاموال دون فائدة …
وفي نص (التواصل الاجتماعي) أكدت عبيد أن التواصل مع العالم أصبح ضرورة من ضرورات الحياة ولكن لابد من التوازن في استخدام هذه الوسائل
تناولت الوفاء والخيانة بنص( عتاب )وأشارت ببنانها الى أن الاولاد دائما يدفعون ثمن أخطاء أو قرارات الاهل بالانفصال …
وغالبا ما يكون الاولاد ضحية الخوف من الاهل ففي نص( ذكاء جدة) ،حكاية الفتاة دينا التي أضاعت حلقها واتصلت بامها لتخبرها بالحقيقة واسمعتها كلاما جارحا زاد من سوء حالها أمام الناس وقوة الجدة في استدراك الامر بقولها لاتقلقي حلقك موجود بمحفظتي ، اطمئني فهذا النص درس من دروس علم النفس في احتضان الاطفال وحمايتهم …
ألام والوطن وجهان لعملة واحدة والام كما الوطن هي الحضن الدافى
وفي نص (الطبيعة )أكدت عبيد أن الطبيعة ملجأ كالأم وبجمالها وعناصرها تتجلى عظمة الخالق
وفي نص (رسالة امرأة ) أكدت عبيد على أن المرأة كائن معطاء متفاني لكنها لم تأخذ حقها وبرأيها أن القانون ذكر لذا لم ينصفها…
وختمت نصوصها بنص يحمل عنوان( الكنز الملكي والثروة) مسلطة الضوء فيه على مدينة غزة وما تتعرض له من حملة إبادة لجمالها وشعبها وأطفالها موجهة عتاب الى الدول العربية الساكتة النائمة في أحضان المستبد قائلة: (نعيب الزمان والعيب فينا )…
هذه النصوص تميزت بألفاظ سهلة عبرت فيها الكاتبة عن كل ما يجول بخاطرها وتناولت مواضيع عديدة تختزل فيها الحياة
وكانت الحصة الأسد وفي كل النصوص تقريبا غلبة للحقل المعجمي لذات الالهية( الله) : ضعف الايمان_الله سبحانه وتعالى_الدين _الله جميل _الله تعالى يكره الطلاق_رسول الله_خلق الله الانسان_لا يعلمها الا الله_إن شاء الله_ ربنا كريم _إن الله يمهل ولا يهمل _سبحانه_رب العالمين_ لله كما تدين تدان _ فرب العالمين هو الواهب الرزاق _الحمد لله _عظمة الخالق_مما أتاها الله…
وهذا دليل على قوة إيمان الكاتبة وإرجاع كل فعل أو قول لقوة الله وقدرته….
كما غلبت الجمل الإنشائية الاستفهامية والتعجبية والندائية
والتي تدل على كثرة التساؤلات التي تطرحها الكاتبة وتبحث عن إجابة لها …
وورد بعض الجمل الاعتراضية بهدف تقوية الكلام وتسديده ….
ويلاحظ إستعمال الكاتبة بنسبة كبيرة وفي كل النصوص تقريبا الى النقاط الثلاثة (…) وهذا إشارة إلى ان المسكوت عنه أكثر بكثير مما أدلت أو صرحت به …
أما الأفعال فتنوعت بين الماضي والمضارع والأمر مع غلبة الماضي لكون معظم النصوص من الذاكرة أي من الماضي .
ولم تخل نصوص عبيد من الصور البيانيةوالبديعية
كالتشبيه والاستعارة والطباق
وحاولت الكاتبة أن تؤكد كلامها وتثبته من خلال ذكرها لاقوال مأثورة لعدد كبير من المشاهير العرب والأجانب أمثال : شكسبير_الروائي الفرنسي فيكتور هيغو_ الحكيم الصيني كونفوشيوس_ موريس دو فرجيه _توفيق الحكيم _غادة السمان _ابراهيم محمد السيد الفقي _ محمد عبدو حسن خير الله…
أما القسم الثاني من الكتاب والذي تضمن عشر قصائد نثرية تناولت مواضيع مختلفة :غزة_دمشق_الشتات_ الغربة_ الحرية_الحب_السياسة _
غلب عليها طابع الحزن
فالحقل المعجمي للنصوص ينطوي تحت عباءة الحزن والاحلام الضائعة : لوعة الايام _صرخة الانسان_الخراب _الايتام _ الضياع _أدراجي حزينة_ ناي حزني _الشرق الحزين _ دمعتي الاخيرة والحزينة_ تدثرت بالحزن _يذبح الاطفال باسم الرب_أبصرت أطفالا تموت _ سر هذا الحزن_ الشتات_القلب الحزين…
من يدخل الاحلام للطفل المعلق فوق الجدران_
أراك في الاحلام _تحمل كل أحلام الشباب _أضيع من أرض لأرض _ في دنياك أحلام ….
كما كان لافت ذكرها ليأجوج ومأجوج وقابيل وهابيل وربما إشارة منها إلى الصراع بين الخير والشر
والى الفوضى العارمة التي قلبت مقاييس الإنسانية …
ففي القصائد النثرية تنوعت الأفعال بين الماضي والمضارع مع غلبة الافعال المضارعة التي تدل على استمرار الواقع الأليم في مجتمعاتنا العربية التي يحاصرها الموت من كل جانب ..
أما القسم الثالث ففيه ومن خلال حوار صحفي أجرته معها الزميلة نجوى الغزال ومن خلال عشر أسئلة تعرفنا على دراسة الاستاذة جمال عبيد في اختصاص اللغة العربية وعن حياتها العملية المتنقلة بين الجزائر والامارات العربية والوطن (الحب الأول والاخير) ،كما ذكرت أهمية الكتابة في حياتها وارتباطها بالخرية فالحرية هي غذاء الروح ومنبر للتعبير عن الألم والفرح وطالبت بحرية المرأة كما تحدثت عن كتاب أثروا بها مثل: مي زيادة،المنفلوطي،جبران خليل جبران …
وختمت بتأثير التواصل المعرفي لتطوير اللغة والأدب. أما القسم الأخير من كتاب (نقوش من الذاكرة ) فجمعت به الكاتبة عبيد كل الدراسات النقدية التي تناولت كتابها السابق (على هامش الحياة) …
وبذلك يكون كتاب( نقوش من الذاكرة ) للكاتبة جمال عبيد كتاب سيرة حياة ….
كل التوفيق في حياة طويلة وذاكرة لا تنبض
مع كل الحب زينة حمود
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي