قطار
قصّة قصيرة
في الطريق إلى أسيوط ليقضي إجازة الدراسة مع الأهل والأصدقاء وملاعب الصبا وحبّه الأوّل ابنة العمّ ، ثلاثة أشهر يقضيها تمرّ كأنّها ساعة، ثمّ يعود إلى القاهرة ويكمل العام الأخير في كلّيّة الحقوق في جامعة القاهرة.
نظر إليه أحد المارّين ثمّ طلب منه مستأذنا أن يقوم ليجلس فتاة في عمر الزهور مكانه، وقبل أن يفكّر قام الجالس بجواره لها وجلست بجمالها الذي أنساه نفسه . فتاة عصريّة أنيقة لهجتها باريسية ،
وكان شعرها يطير مع النسيم فيلامس خدّيه فيسكر دون خمر .وكانت كلّما تنظر إليه تهتزّ أضلعه كأنّ بها بركانا.
-“ما اسمك ؟”
-“إيميلي ، وانت؟”
-“عبد العظيم ،طالب في كلّيّة الحقوق الفرقة الرابعة.
- “أنا مدرّسة لغة فرنسيّة، في مدرسة لغات في سوهاج، أبي مصري وماما من باغيس.”
ضحكت له الدنيا وفكّر ودبّر ثم نظر وقرّر. “لماذا ﻻ أتحدّث معها في الزواج لعلّها ترضى؟”
-“تتجوزيني ؟”
ضحكت وكلّها فرح : -“بسرعة يا عبدو ؟ انت مستعجل خبيبي .”
أمسك بيدها وضمّها إلى صدره ، ومع انطفاء كهرباء القطار وتمايل العجلات راح يلتقط القبلات ويضمّها ضمّة الشوق التي تعيد الفتى إلى الحنان والحبّ.
لحظات ووصل القطار محطّة أسيوط ، وقبل أن ينزل أعطاها عنوانه في القاهرة ، بعدما اتّفقا على كلّ شيء.و بعد انتهاء العطلة عاد إلى الجامعة وكان يسكن في القاهرة،
ومرّت الأيّام والليالي، وفي يوم وهو عائد من الجامعة سأله بوّاب البناء “العم بدوي”
-“يا أستاذ عبد العظيم،
فيه حد هنا اسمه عبدو الأسيوطي؟”
-“ﻻ ياعم بدوي مفيش. خير إن شاء الله.”
-“كان فيه طرد من سوهاج لواحد اسمه عبدو….”
-“وأين الطرد؟” (جواب بسطى)
-“رجع من أمس لأني قلت لهم مفش حد بالاسم ده.”
-“يخرب بيتك أنا منتظر الخطاب من أوّل العام.”
ترك حارس البناء وأسرع إلى البريد فوجده مغلقا بسبب إجازة عيد تحرير سيناء.
مرّ الليل وكأنّه دهر على قلبه الحزين، كيف ينام والأحلام تراود خياله ؟ حتى تنفّس الصبح بقدوم يوم ليس كباقي الأيّام، أسرع إلى البريد يسأل عن خطاب مرسل إليه من سوهاج ، فأخبره الساعي
أنّه رجع منذ يومين.
دارت به الدنيا كما دارت عجلات القطار حين جلس معها ثم نزل .
وهو يحدّث نفسه قطار هي الدنيا قطار .
ناصر رمضان عبد الحميد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي