قصةٌ قصيرةٌ
هو: في ذات المقهى المخفيّ، القابعِ داخِلَ ذلك الممرّ الجانبي الملاصق للشارع الرئيسي، حيث اعتاد أن ينتظرها طويلاً، أشعل سيجارته العاشرة، بعدما شرب أربعة فناجين من قهوته التركيّة المحروقةِ المعتادةِ، الخالية تماماً من السكر، عندما رآها قادمةً من بعد لَأْي، وبدت ملامحها عبر الباب نحيلةً جداً، شفافةً، هَشَّةً؛ كأنها لوحُ زجاجٍ رقيقٍ قابل للكسر، وبَدَت لهُ حينَ اقتربت منه ببطء، صفراءَ، كليمونةٍ عتيقةٍ، فقدت لونها البهي، فأهتزَّ قلبهُ وخفق لمرآها.
هي: رأته من بعيد، جالساً في ذات الزاوية التي طالما ضحكا فيها لساعات، وتخاصما خصام العُشاقِ اليافعين، بدا لها ناحلاً من بعيدٍ، تبدو ملابسه المعهودة واسعةً عليهِ، فَضفَاضةً وكأنها خيمة في مهب الريح، اقتربت بخطواتها الكسولة، فلاحظت شحوب وجهه، كاصفرار أوراق خريف قاسٍ، جلست أمامه، فطافت ما بينهما غيماتٌ من الدمع الباحث عن أيِّ حُجَةٍ للهطول، وفراقٌ امتد طويلاً، وتمدد كأنه دهرٌ، جلست نصف جلسة، متوترة، ظهرها مائل للأمام قليلا ، وتهز جَذعها وكأنها حروف كتابةٍ شديدة الوضوح، عندما قررت قطع حبال الصمت بينهما، ونظرت نَحوهُ بشغف واضح، قائلة: رد قلبي، فَنظرَ اليها نظرةً طويلةً كُلّها لهفةٌ واشتياقٌ وعتابٌ، وقلبٌ مشتعلّ، ومرَّ وقتٌ طويل، طويل وهي تنتظر، قَبلَ أن يُجيبها: كيفَ لي أن أردَّ قلبكِ يَا جَميلتي، كيفَ لِي أن أحيا بعيداً عنكِ، وقلبكِ قَلبي!!!!
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي