كتب الإعلامي سعد الله بركات
أديب نعمة : شاعر يعزف ألحان قصيدة غزلا
جمعتنا جامعة دمشق ، وفرقتنا سبل العمل ، هو عاد لحمصنا العدية مدرّسا ، وأنا أخذتني الشام إلى الإعلام ، مضى على زيارتي له 30 عاما ويزيد ، حتى إذا لمحت اسمه شاعرا في ،، نفحات القلم ،، أسعفتني ” منيرته ” بتواصل أعادنا لزمن جميل ، ولذكريات استحضرناها بلهفة ، حين أحسست بمغادرته الواتس، سارعت برسالة: “لا تغادر لاتغادر أنت اثلجت المشاعر،فعالجني بالرد:
“سوف أبقى….سوف أبقى
أنت للقلبِ حبيبٌ ،ومنَ الازهارِ….أنقى”
أغبطني بومضته ، فأشجاني ..بعودة أحبّة .. وكيف لا؟ وهو الذي أنشد ل “عودة الحبيب ” في ديوانه ،، تموّجاتُ عشقٍ دافئ ،، – دار التوحيدي حمص عام 2000:
((عادَ الحبيبُ وعادتَ قصتي معهُ. وما تقاضاهُ منّي الدهرُ أرجعَهُ
……
كمْ ليلةٍ أضرمتْ نارَ الحنينِ وكمْ. أقضَّ صدُّ حبيبِ القلبِ مضجعَهُ
…..
عادَ الحبيبُ فغنّتْ كلُّ صادحةٍ. يا لَلرجوعِ الذي ما كانَ أروعَهُ))
يالهذه القافية الهسيسة ، وآخرها ،،الهاء،، لتوحي هنا بآه الشوق وشهقة للحبيب العائد ، فوضوحها السمعيّ، وبروزها الصوتي ، جعل منها ملمحًا كاشفًا للوجد ، مع ضبطها إيقاع جرس هفيف .
حلاوة القافية الشعرية ، كما التراكيب ، ألاّ يبحث الشاعر عنها في ،،،غوغله،، اللفظي ، وإنما تأتيه على جناح الشعور، وعفو الخاطر،وفي الوقت والمكان المناسبين، على نحو ما نقرأ في الديوان نفسه :
((حبيبتي أنتِ شمسٌ لا غيابَ لها. وأنتِ لو أظلمتْ دنيا الهوى قمري
واعدتِني في جمادى أنْ نكونَ معاً. هلْ تذكرينَ فنحنُ الآنَ في صفرِ))
وإذا كانت القافية غير متكلّفة ، فإنها تواكب البوح الشعري وتوائمه ، فترتقي به ألقا وذائقة ، ولاسيّما إذا كان القريض وجدانيا عاطفيا ، كما نلمس عند شاعرنا الذي جعل الحبّ ديدن شعره في دواوينه الأربعة التي صدرت كلها عن دار التوحيدي بحمص، كما تشي عناوينها ،من إصداره الأول،، ارتعاشاتُ حبّ خجول ،،1981 وفيه نقرأ:
((صافيتُكَ في سرّي وفي علني. وأنتَ تُثقِلُ صفوَ الودِّ بالتيهِ
إنْ كانَ صوّحَ زهرُ الروضِ منْ زمنٍ. لا أيبسَ اللهُ روضاً انتَ ساقيهِ))
وكما في ،،عبق الزباء،،1999 حيث يقول :
((لمّأ سمعتُ رنينَ الهاتفِ انطلقا
وطافَ في البيتِ قلبي عندها خفقا
رفعتُ سمّاعةَ المهتافِ مرتبكاً
فجاء صوتك يهي الحرص والقلقا
لمّأ همستِ رقيقْ الهمسِ ألهبني
وإذْ تنهّدْتِ سلكُ الهاتفِ احترقا))
صحيح أن القافية هنا ،لاتوائم موضوعه ، لكن المعاني التي حملتها ، خفّفت من وقعها ، وأخذت القارئ لصور وأخيلة ، وهيام ماتع .
لكنه في ديوان ،، عرفتُ الحب،، 2005 تراه يطلق عاطفته مشبوبة :
“وافتْ كظبيٍ خفيفِ الظلِّ ذي هيَفٍ. فراحَ يسبقُ قلبي نحطها نظري
لولا قوامُكِ والأقدامُ تحملُهُ. ما هيّجتْ لوعتي أنثى من البشرِ”
غزل شاعرنا الشفيف ، لفت د. آسية يوسف ، مديرة ملتقي عشتار الثقافي، فاستحضرته في أطروحتها لرسالة الدكتوراه حين قالت:((بينما يرى الشاعر ( أديب نعمة ) في قصيدة بعنوان ” صحوةُ الحسن ” [ في ديوانه ارتعاشات حب خجول ص71 ] فيمن يحبُّ أختاً لعشتار الأنثى المغرية ، فهو يسقط أسطورة عشتار على الجمال المتمثّل فيمن يحبّ يقول :
“يا صحوةَ الحسنِ منْ عشتارَ قادمةٌ
فخرُ الهوى انْ تكوني أختَ عشتارِ
عشتارُ عنْ هذهِ الدنيا لقد رحلتْ
لا غروَ أنْ وُلِدتْ في عينِ ديوارِ”
فقدْ تمثّلتْ عشتار بأنثى فاتنة سلبتْ قلبَ الشاعر في مكان اسمه عين ديوان ديوار
فقد وظّفَ الاسطورة بمعناها الرمزي البسيط وهي آلهة))
ويبدو أن ،،أديبا ،، مغرم بالقافية الجزلة ، تراه يعود ثانية لحرف القاف ،،ق،، مطلقا بألف، مالفت د. آسية حين وضعت شعره ،،تحت المجهر ،، * التحليلي متوقفة عند قصيدة قال فيها :
“الصباحُ على خدّيكِ في شغفٍ فداعبَ العينَ ثمَّ استلطفَ الحدقا
يا خفقةَ القلبِ يا سعدي ويا فرحي. مَنْ كانَ أحلى وأغلى منكِ ما خُلِقا
أطلتِ سهديَ واستعديتِ لي أرقي حتى تعشّقتُ فيكِ السهدَ ، والأرقا
إنْ مرِّ ظبيٌ أمامَ العينِ …….يا قمري هلّا يُلامُ الذي لاقاهُ…إنْ عشقا”
لقد باشرت د.يوسف تحليلها بالتنويه للموسيقى الداخلية، و((تناغم حروف الجهر و الهمس لتشكل نغماً داخلياً سعياً لتطريب المتلقي ))
وفي الموسيقا الخارجية :(( استخدم المبدع تفعيلات البحر البسيط وجوازاته ، ليستوعب الدفقة الشعورية العالية بجمالية الأسلوب و الصوغ ، و قافية مطلقة، ” لحدقا” وروي القاف المشبعة بألف الإطلاق)).
إلا أنها لم تخف مآخذها حول النص، من حيث ((تقاطعه مع رائعة الجواهري :
“شممت تربك لا زلفا ولا ملقا
وسرت قصدك لا خبا ولا مذقا “
ومن حيث تناصّه بالفكرة مع الأخطل حين غرّد :
“قلت نورتني يا خير زائرةٍ. أما خشيتِ من الحراس في الطرق
فجاوبتني و دمع العين يسبقها من يركب البحر لا يخشَ من الغرق”
قبل أن تستدرك:(( لكن التناص ، ليس عيباً وفعلها كبار الشعراء)) ، لتختم ب ((كلمة حقّ ان الشاعر من كبار الأساتذة الّذين ارتقت بهم الساحة الأدبية))
ومن جديد الشاعر نعمة قصيدته ،، مركبُ الشوقِ يعود،،
“منْ بعدِ أنْ غادرتْ بحرَ الهوى سفني
ومركبُ الشوقِ لا يرسو بشطآني
والركضُ خلفَ الغواني لمْ يعدْ دأَبي
فالشيبُ اذبلَ أوراقي وأغصاني
……….
فلا مهاةٌ لدى قلبي تُشاغلُهُ
ولا همومُ هوى تجتاحُ وجداني
وإذْ رأيتُكِ فوقَ الموجِ قادمةً
أيقظتِ فيَّ صباباتي وأشجاني
وعندما لاحَ ما في الثغرِ منْ درَرٍ
حدائقي أزهرتْ واخضرَّ بستاني
……..
فقلتُ : سبحانَ مَنْ يُحيي العظامَ إذا
رمّتْ وسبحانَ مُحيي قلبيَ الفاني
ومع أن شاعرنا يهوى المطولات وعروض الفراهيدي العمودية ، تراه يبحر في شعر التفعيلة على نحو قوله :
” قدْ نتّفقْ
قدْ نختلفْ
قدْ ننكِرُ الأمرَ الذي أدّى إلى
أوجاعِنا
أوْ نعترفْ
لكنّما الحبُّ الذي في القلبِ يبقى
ثابتاً مُتماسكاً عنْ خطِّهِ
لا ينحرفْ”
كما يتقن ال،، الومضة الشعرية ولا يعدّ كتابتها استسهالا ، ومن بريق ومضاته المكثّفة :
*”قدرُ المُحبِِ معَ الحبيبِ ظلامةٌ
وملامةٌ ، وشقاوةٌ ، وخصامُ….”
كما قوله :
“هذا الذي تُبصرينَ الآنَ من شفقٍ
ما كانَ يظهرُ لولا خافقي الدامي
البرُّ ضاقَ عنِ الأشواقِ في
جسدي
والبحرُ لمْ يتّسعْ وجدي وتهيامي”
ليس غريبا على ،،أديب ،، هذا اليراع ، وقد باشر الشعر يافعا وراح ينشده في مهرجانات حمص ومنابرها ، مع إدارته النادي الشبيبي التربوي ، وقد فاح عبق شعره على صفحات الدوريات المحلية ، وهاهو الآن عضو نشط في ملتقى عشتار الثقافي ، وملتقى ائتلاف السلام الدولي بوصفه رئيس القسم الأدبي والثقافي – فرع سوريا ، فضلا عن عضويته الجديدة في ملتقى الشعراء العرب بإدارة الشاعر ناصر رمضان ،ليطل على فضاء جديد بمداد فريد ، له ولقراء ،،أزهار الحرف الحب الأكيد .
============
*تحليل د. آسية انظر موقع ،،نفحات القلم 2020
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي