د. هالة الهذيلي بن حمودة أستاذ مساعد في نظريات الفن بالمعهد العالي للفنون الجميلة جامعة سوسة من تونس دكتوراه في علوم وتقنيات الفنون من مواليد ولاية صفاقس بشهر نوفمبر 1977، ومتحصلة على دكتوراه في علوم وتقنيات الفنون جامعة تونس ومتحصلة على الجائزة الوطنية للفلسفة، كما تشغل حاليا رتبة أستاذ مساعد في نظريات الفن بالمعهد العالي للفنون الجميلة جامعة سوسة من تونس. حاورتها من لبنان جميلة بندر
1
_كيف بدأت رحلتك في الفنون وما الذي دفعك لاختيار مجال نظريات الفن؟
اتممت دراستي في مجال الفنون التشكيلية اختصاص تصوير وجاهدت البحث في المسارات الانشائية للعملية الإبداعية وهو ما منحني دربة واسعة باختصاصي وبالجانب النظري في حد ذاته حيث ان العملية متكاملة وهو ما يسمح للفنان من البحث والتجديد وتسليط الضوء على الانشائية الفنية. كان الاهتمام في مراحل البحث الاولى محدّد في تعبيرية اليومي المعيش من خلال تفاصيل الواقع والمتخيل. وكانت أيام الحجر الصحي فرصة للتعايش وفق قوانين مغايرة في التواصل والتفكير وهو ما دفعني للممارسة الفنية المختزلة ولمعايشة القيم الضوئية بالأبيض والأسود.
عوالم مستدامة 2023
تعددت الخطوط البحثية والتعابير المتجددة للخطوط المتكونة والمتقاربة والمتباعدة لتنسج اشكالا متعالقة في فضاءات ممتدة للورق وللمحامل المختلفة لمعالجة الاملاءات الزمنية التي ولدت تعبيرية حينية وذاتية فاشتغلت على كل ما هو حميمي ومشترك من خلال الذاكرة الجمعية والرحلة الروحية التي يسافر فيها الفرد. كانت اعمالي سفرا من الخارج الى الداخل ولم تكن العكس حيث مثلت المساحات محامل ومنابر تحبر بكل ما اوتي من وسائط تشكيلية وبصرية متنوعة، لتقترن الاشكال والشخوص المتماهية والمبتورة والمجردة والمشخصة واشكال المدن والأرض والسماء في تناسق مع الحروف والكتابات الالية التي كانت صورا متخيلة غير مقروءة لكتها مبصرة.
رقصة مينيرفا 2021
2_ما هي أهم التحديات التي واجهتك أثناء مسيرتك كأستاذ مساعد في نظريات الفن بالمعهد العالي للفنون الجميلة جامعة سوسة؟
ان البحث في المجالات البيداغوجية وممارسة الفن كباحثة اكاديمية وكتابة نقدية لم يكن حاجزا او عائقا بالمرة بل ان انفتاح الأبواب على مصراعيها لتطعيم كل ضفة بالأخرى هو ما سمح لي لتنشيط أروقة البحث الأكاديمي وفصل الحواجز بين الطالب والمؤطر ليكون التعلم أولا وقبل كل شي رسالة أخلاقية فيها مقومات العرض والقبول ليقف الطالب في مرحلة التعلم على أسس الثقة التي يكتسبها ويدخل إثرها في مساق التجريب والبحث النظري والتطبيقي في ذات الحين. وبما ان تجربتي البيداغوجية تشارف على سنواتها العشرون فان في رصيدي رحلة مشبعة بالمثابرة والتحفيز والتعلم من الخطأ والتفوق وهو ما يشعر تجاهه المؤطر والأستاذ عند نجاح طلبته في مجالات بحثهم. وقد أشرفت على تدريس وتأطير عدة مواد منها تقنيات التعبير الخطي والفوتوغرافيا والتصوير واشكاليات الفنون العربية المعاصرة، وهذا المزيج النوعي في مسيرتي البيداغوجية والأكاديمية وكذلك الفنية هو ما يعمق من انشائية مراحل البحث التي اعايشها اليوم وغدا.
اليد اليسرى تقنيات مزدوجة2020
صورة من معرض مزار 2 بتونس العاصمة
3.كفنانة بصرية، كيف تعبّرين في أعمالك الفنية عن المساقات التعبيرية المزدوجة وتوازن بين التمثيلي والتجريدي المتخيل؟
اللعبة البصرية التي اعايشها وامتهنها عبر تعدد الاختصاصات هي مفتاح للعوالم البينية، فنحن نعيش بين خطين وبين زمنين وبين فترتين وبين واقع ومتخيل…هذه البينية التي شارفت على فقهها وفهمها هي ما فتح لي الغوص في ثنائيتي البعد التجريدي للخطوط المشكلّة لعوالم تمثيلية مغايرة. وفي رهان المتخيل الفردي فان انباته في مشهديه تعبيرية يتحول أثرها الى مشترك جمعي يتشابه ويختلف. رسمت يومياتي بطريقة مشهديه يجتمع فيها الحرف والخط والصورة، ليتولد العالم المرئي واللامرئي لهذه الاملاءات الخاصة لشكل الجسد الممتد والمتقوقع والمتداخل. ملامح غائبة وأطراف سابحة في عوالم السماء. لم يغب العصفور الكائن المتعدد المجنح في اعمالي فكان بدوره العنان الذي ارغب الوصول له عبر تحديات اليد الراسمة والعين المبصرة. ومن خلال ثنائيتي التخفيف والاشباع كانت الرحلة متجددة ومتعددة الاختصاصات.
4.
ما هي الإشكاليات التي تشغل تفكيرك في مساقات الفنون المعاصرة، خاصةً فيما يتعلق بالاستدامة والمتغيرات السمعية البصرية؟
بصمة 2023
يشهد العالم اليوم واقعا ومتغيرا بيئيا صارخا وهو ما دفع بالمبدع العالمي والعربي بان يفكر في هذه الاستدامة التي نناشدها لغد أفضل ومن خلال حصولي على منحة التشجيع على الإنتاج الفني والادبي ضمن مشروع ثنائي تابع لوزارة الثقافة بالجمهورية التونسية فإنني اشغل على هذا المفهوم وسياقه المفهومي والتجريبي. تناول المشروع البحث في نبتته الحلفاء التي تشتهر بها مدينة القصرين وهو ما دفعني للبحث في هذه النبتة ذات الخصائص الشكلية المتعددة والتي يتم تصنيعها بأشكال مختلفة واخترت الشامية كعنصر بحثي. تتميز الشامية بشكلها الدائري وتصنع بطريقة فيها الكثير من الدقة ليتم التناسج بين خصلات الحلفاء عبر الغزة الحلزونية وهو مساق تجيبي طوعته في انشائيات مساق الفني. ادمجت الخط والحيط وثنائية المكتمل والمجذر وراهنت على رمزية الجذور الخفية والظاهرة عبر محور الحركة كتيمة متحددة في طرحها سواء جرافيكيا او تصويريا او عبر الوسائط التكنولوجية الحديثة.
5. كيف يمكن وصف الأسلوب الفني الذي تتبعينه وكيف تبحثين فيه عن تكامل بين الغرافيك والتجارب اللونية؟
ان الممارسة البحثية في مساق التجربة الذاتية لم يكن منفصلا او مبتورا بل متناغما عبر استرسال نموه وتثبيت اسسه عبر مراوحتي بين اللون وضده وبين الضوء وعدمه. وان القارء المتمعن في مرحل البناء اللوني او بالأبيض والأسود سيقف عند هذه الاشباعات التعبيرية والرمزية المدججة في الخطاب البصري للعمل الواحد. ومن هذا المجال فان بحثي كان يستنطق اضاءة اللون في الأسود والأبيض في ذات الحين.
إقليم السعادة 2022
الحنّة في الاقدام والسعد القدام تقنيات مختلفة 20صم _20 صم
الحلم، تقنيات مزدوجة على قماشة 50)60 صم
6. ما هي الآفاق التي تتطلعين لتحقيقها من خلال إصدار ديوانين جديدين؟ 7. كيف يمكن وصف دورك كعضو فعّال في اتحاد الفنانين التشكيليين بتونس ورابطة الفنانين التشكيليين؟ 8. كيف تجمعين بين مهامك كمدرّسة وفنانة وأكاديمية مهتمة بالبحث والتجريب؟
هي عملية تكاملية نوضع امامها لكي يصيبنا النجاح، فنطعم كل فترة باخري وكل مهمة بالأخرى بحثا عن التناسج لصنع قوة انشائية تعبيرية تجمع المفهوم والتقنية
9. ما هي المحطات المهمة في مسيرتك الفنية والأكاديمية حتى الآن والتي أثرت بكِ؟
عدة محطات في مسيرتي البحثية واهمها النقلة النوعية من التمثيلي الي التجريد عبر الية الاختزال واعتباره سياق بحثي متجدد فيه مراوحة رمزية، ومثلت مرحلة العزل الصحي وتجربتي الذاتية مع مفهوم العطب بعد اجرائي عملية نوعية على اليد اليمنى كان ذلك مفتاحا مغايرا لإعادة فهم الحركة الأساسية للبناء الفني فراهنت على التلقائي واللامكتمل والعفوي ورسمت باليد اليسرى ووظفت الوعي واللاوعي في العملية الفنية. وقد ساهمت الممارسات الفنية التصويرية الفوتوغرافية وفن الفيديو في فتح مجال البحث والمغامرة في عوالم الثبات والحركة.
ارتقاءات 2_2م مشاركتي في أيام قرطاج للفنون المعاصرة في الرواق العالمي 2023
10. كيف يسهم الخط في بناء الذاكرة الجماعية للثقافة الفنية وعولمتها، وكيف تتأثر بدوره كباحثة في النقد الفني؟
الخط محراب التشكيل التعبيري والحركي في تجربتي الذاتية وهو ما يحملني لتحبير مساحات اللوحة التي تتنوع بين الكبير جدا والصغير جدا. هذه المراوحات الحجمية تدفعني للسفر بين حدين وضفتين مختلفتين، فتكون اليات التعامل وتقنيات التصوير مختلفة جدا، ويتجول الخط الى انسجة متحركة ومتشابكة تجمع بين المقروء والمبصر. ومن خلال المراوحة بين الذاتي والجمعي فان البحث في الذاكرة المشهدية وقصص وخرافات الجدود كانت محفزا نوعيا للتباحث التقني والسمعي البصري في اغلب محطاتي الفنية.
توريق 2_2م
11.ما هو دورك كباحثة في التجارب العربية للإبداعات النسائية المعاصرة، وكيف ينعكس ذلك في أعمالك وفعالياتك؟
تعددت كتاباتي في مجالات الفنون العربية وخاصة النسائية حيث ان مساءلة هذه التجارب النوعية يدفع بالقارء للتعرف على خاصيات المسارات الفنية ورمزياتها ومحاور وطرق معالجاتها في المجالات التشكيلية والبصرية. وفي هذا الإطار تعددت مشاركات في مؤتمرات علمية وملتقية فنية وقدمت عدة دراسات تعنى بالتجارب النسائية في العالم العربي وفي تونس خاصة دون الحيد عن تسليط الضوء على التجربة الذاتية والانشائية وذلك في عدة دول منها قطر والشارقة وسلطنة عمان والجزائر وتونس.
12. كيف تجسدين مفهوم الاستدامة في أعمالك الفنية، وما هي الرسالة التي تحاولين إيصالها من خلالها؟
سعيت في تجاربي الأخيرة للبحث في مفهوم الاستدامة والغوص في عوالم الصورة والحركة والخط عبر الوسيط الطبيعي والاعتماد على المحيط وفهمه أكثر فأكثر لكي يكون العالم جدير بان يعاش. ومن خلال مقولة نتداولها في المعيش اليومي والجمعي بتونس بان الانسان عليه بالحركة والله عليه بالبركة ومن هذه الثنائيات الحركة البركة تمتد الرحلة بين المادوي والرقمي من خلال مساءلة العنصر الطبيعي للحلفاء الذي كان مادة البحث المتعددة وكان في حد ذاته وسيطا وحاملا للعملية التصويرية من خلال خاصيات حركة اليد المصنعة والمكونة لشكل الدائرة المتمثل في عنصر الشامية التونسية.
جواز عبور 2023 اسقاط رقمي على حامل الشامية
طريق المحبة 2023 اسقاط ضوئي مابينق
13.كيف تتعاملين مع التفاعل والتقبل بين المتلقي والاثر الفني في إبداعاتك الفنية؟
يتفاعل الكثيرين مع الاعمال الفنية في كل مشاركاتي الفردية سواء كان في معرضي مزار او المشاركات الجماعية وحتى عند مشاركتي لأعمالي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ان الوقوف عند جملة المتخيلات والخيالات المصورة والتي تدفع بالمتلقي للاستفهام والصدمة الحسية هي أكثر التفاعلات التي يعايشها المتلقي مع العمل. ففي معرض مزار مثلا او جسر عبور فان التفاعل والتشارك الحسي ضمن للمتلقي لمعايشة اللوحة وزمن انشائها مع زمن عرضها حيث ان التلاعب بالتواريخ التي اكتبها بطرق متعددة في كل اللوحات هو ما يسهم في ولادة السؤال عن دلالات التواريخ الماضية والمستقبلية ودورها في تحديد رمزية الصورة المجردة وربطها بثنائيات اللون وضده.
البوح الصامت 2022
تجليات رقمية2023
14.كيف يمكن تحليل دورك في تنمية المشهد الفني والثقافي في تونس وخارجها، وما هي تطلعاتك المستقبلية كفنانة وأكاديمية، وكيف تنظرين لمستقبل المشهد الفني في تونس والعالم العربي؟
هناك فروق كبيرة بين الفن كممارسة يومية وطقوس ذاتية وبين ممارسته حسب المناسبات والتظاهرات الفنية ولذلك فان تجربتي الدؤوبة في الفنون البصرية الراهنة تضمن لي افقا واسعا لتجديد وتحيين مسارات البحث وذلك عبر ما يتطلبه الموضوع المعالج وتيمة البحث الخاصة بي والتي تطورت وانفتحت على مجالات فن الفيديو والتحريك في رحاب الفنون المستدامة. واتطلع في هذا الصدد لان يكون سوق الفن اكثر فاكثر وخاصة في الوطن العربي وان تمنح الدول ضمن سياساتها الثقافية برامج ومنح لتحفيز الفنانين ودفعهم اكثر فاكثر للبناء والممارسة الإبداعية.
15.
ما رأيك بالملتقيات الأدبية وخاصة ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر عبد الحميد رمضان؟
أتمنى النجاح والتميز لمثل هذه المبادرات النوعية التي تساهم في انبات ثقافة فنية إبداعية في العالم العربي.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي