حوار مع الشاعرة والمترجمة اللبنانية تـغـريـد بـو مـرعـي
حاورها : الشاعر والناقد حسين الهنداوي
تغريد بو مرعي
لبنانية مقيمة في البرازيل
مؤلفة 21 ديوان ومترجمة ل 24 كتاب، ٨٠ مقال ومقدمة ل24 كتابًا ( 12 كتاب عربي، 12 كتاب اجنبي).
هي مستشاراً لمنبر أدباء بلاد الشام لشؤون الترجمة الأدبية ومستشارًا للاتحاد العالمي للمثقفين العرب، في الهيئة الإعلامية لشؤون الترجمة ومستشار عالمي في مجال الشعر في التلفزيون المركزي CCTV الصيني. هي سفير المنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام / لندن وسفير لبنان في زمالة الابداع والعلوم الإنسانية الدولية، انكلترا-لندن وسفيرة لبنان في الاتحاد العالمي للكتاب والفنانين في البرتغال. هي سفير لبنان في “جمعية الصالون الثقافي الدولية” تونس، رؤى ابداعية وسفير البرازيل في المجلة الاميركية P.L.O.T.S. Magazine Ambassadors.سفير معتمد لدى The Daily Global Nation ، بنغلادش.
تتقن خمس لغات الى جانب لغتها الأم ( العربية) .
س١_ بداية شاعرتنا الجميلة ، حدثينا عن طفولتك وشبابك الشعري، وكيف بدأت كتابة القصيدة؟
ج ١ – تبرعمت القصيدة لدي وأنا على مقاعد الدراسة، حيث لفتت المواضيع التي أكتبها في مادة الإنشاء وأسلوبي الأساتذة وكانت المواضيع التي أكتبها تُقرأ أمام الطلاب كتحفيز لي إلى جانب المدح والتكريم.
أول قصيدة نُشرت لي كنت في عمر الثانية عشر بعنوان ” القضية” وقد نُشرت في مجلة الحرية في لبنان ، ثم تطورت طريقة كتاباتي وأسلوبي في المرحلة الثانوية حيث أصبحت الكتابات فلسفية نوعًا ما ويعود الفضل في ذلك إلى معلمي ” جورج حنا” رحمه الله، الذي كان يشجعني دائمًا ويوجهني لأرصف مداميك المعاني والصور البيانية بشكل أجمل ومترابط ..
عشت في كنف أسرة نبع للحنان والاهتمام والحب ، كان العلم من الأمور المهمة التي يجب أن نتلقاها ، وكنا نجد التشجيع على العلم من خالي ” تميم ” الذي هو مستشار احد الوزراء في لبنان حاليًا، كان يحب العلم كثيرًا ويحثنا أنا وإخوتي على الدراسة لنبلغ العلا ..
والمشجع الثاني والذي كان لديه مكتبة كبيرة تحتوي على أجمل وأروع القصص والكتب هو خالي ” أحمد” الذي فتح لي مكتبته ، التي كنت أنهل منها ما يروس عطش المعرفة والثقافة، والتي بدون شك، كان لها الأثر الكبير في صقل موهبتي الكتابية .
س٢_ للشعر معاني جميلة يحملها كل شاعر بحثًا عن واحة محبة جديدة، عما تتحدث معاني قصائدك،؟
ج ٢ -إن الشعر حديقة غنّاء، فيها من المعاني والألفاظ ما يملأ بها سلال الشاعر الحقيقي، الذي يعمل على رعايتها وريّها بماء قلبه وزهر مشاعره الفياضة، فدوحة الشعر لدي مكتظة بمعاني الحب والغرام والشوق والفراق والوطن والفلسفة والوجوديات والماورائيات والطبيعة والدين والحرية والإنسانية، كما تتضمن العديد من المواضيع الأخرى التي تهم الإنسان في حياته، بأساليب مختلفة للتعبير عن هذه المواضيع، مثل استخدام التشبيهات والمجازات والألفاظ الجميلة لإبراز جمالية الكلام.
س٣_ تختلف عباءة الشعر التي يرتديها كل شاعر عن إخوته الشعراء الآخرين.
ما شكل عباءتك الشعرية، وهل أنت مع الشعر العمودي أو الشعر الحديث؟
ج ٣ -إن جوهر الشعرية هي فيمن يمتلك الشعرية والشاعرية سواء لبس عباءة الشعر أم لم يلبسها، لأن العباءة لا تغير من صفة الشخص لأن الجوهر هو المهم، وعليه فإن هناك من يمتلك الشعرية في نوع معين من الشعر ويخفق في آخر أو نجد الركاكة والضعف الشعري فيمن يدّعون أنهم شعراء..
أما أنا فإنني أكتب كل أنواع الشعر العمودي والحديث والتفعيلة، وأتبع دومًا ما تمليه علي مشاعري واحاسبسي.. وأكتب أيضًا الهايكو والقصة القصيرة وقصص للأطفال والمقالة والدراسات النقدية والابحاث.
س٤_ لقصيدة النثر وقع خاص في نفوس الشعراء والمتلقين، ما موقفك من هذا النوع من الشعر؟ وهل ترى أن بوصلة الشعر ستتجه باتجاه هذا النوع الشعري؟
ج ٤ -قصيدة النثر هي شكل جديد من الشعر يتميز بعدم وجود تقسيمات واضحة بين الأبيات، وبالتالي فإنها تشبه أكثر النثر من الشعر التقليدي. يتم استخدام هذا الشكل في الشعر لإبراز المعاني والأفكار بطريقة أكثر حرية وإبداعية.
أثرت قصيدة النثر في الابتعاد عن الشعر العمودي بسبب طبيعتها غير التقليدية والحديثة، حيث تسمح للشاعر بالتعبير عن أفكاره بطرق مختلفة وغير محدودة. كما أنها تسمح للمستمع بفهم المضامين بطرق أسهل وأكثر سلاسة.
وبالنظر إلى ازدياد شعور المجتمعات بالحاجة إلى التغير، فإن قصائد النثر قد تصبح شائعة أكثر في المستقبل. فهذا الشكل مناسب للأوضاع المختلفة التي يمر بها العالم، ويمكن أن يساعد في توصيل الرسائل بطرق أكثر فعالية وإيصالها إلى جمهور أوسع..
لكنها بكل تأكيد لن تحل محل القصيدة العمودية أو التفعيلة ، وإن كان استسهال الكتابة بها جعلها مطية لكثير من طالبي صفة شاعر أو شاعرة…
س٥_ ما هي أهم قضية إجتماعية يركز عليها شعرك؟ ولماذا يكتب الشعر؟
ج ٥ – كثيرة هي القضايا الاجتماعية التي تتناولها أعمالي الأدبية وتركز عليها ، وكوننا نعيش أزمة في الوسط العربي على جميع الأصعدة وخلل في القيم الكبرى كالعدالة والحق والحريات وحتى أننا للأسف فقدنا قيمتنا كإنسان له حقوق، يرزح تحت وابل من الظلم والجهل وتفاوت المستوى المعرفي والاجتماعي، ما أوصلنا إلى حالة أشبه بالضياع إلى جانب التفكك والانهيار.
وكتابي ” فلسفات على حافة الروح” هو مرآة لما يجري في عالمنا العربي بشكل خاص ففي إحدى النصوص قلت :
سَبعَةٌ عِجَافٌ
سبعةٌ عجافٌ ساهماتٌ في الرّكودِ والعجزِ،لا شمسَ ولا قمرَ،ولا مدّ ولا جزرَ
لا بسمة تعلو شفةَ السّماءِ وتحرّكُ قصباتِها الهوائيّة.
ألسّقمُ يتّسعُ كما تتّسعُ حلقاتُ الموتِ،تتفشّى رائحتُهُ كمرضٍ عضالٍ.
ألصّمتُ يمتهنُ وظيفتَهُ بِجدٍّ واجتهادٍ،غيرَ عابئٍ بالطّينِ اللازبِ.
سبعةٌ عجافٌ ووابلُ مطرِها لا ينفكّ يُمارسُ عقوقَهُ بشكلٍ فاضحٍ.
ألموْتُ لمْ يضعْ أوزارَهُ بعدُ،كان عليهِ أنْ يطويَ جلدَهُ البائنَ في وقتٍ ما،غيرَ أنّ ذرائعَهُ ارتفعَتْ كارتفاعِ عددِ الضّحايا والمنكوبينَ،فَشحّ منسوبُ الحياةِ حتّى خلا مِن عرقِ الحياةِ.
رأيتُ خفافيشَ الظّلامِ تُحلّقُ في كلّ مكانٍ،تصبُّ جامَ رعونتِها بِأعيُنٍ مفتوحةٍ وعروقٍ متصلّبَةٍ.
سبعةٌ عجافٌ،والأماني تقلّصَتْ كما يتقلّصُ الدّمُ عندَ احتباسِهِ في الشّرايينِ الميْتَةِ.
مذ ذاكَ،لم يعُدْ للنّهارِ ملامحُ،ترمّدَ في قاعِ رُكامِهِ وتغلّظَ مُتأبّطًا دخانَ ظلّهِ.
س٦_ هل ترى فيما يكتب من قصائد الشعر المعاصرة على الشبكة العنكبوتية إسهام في نهضة الشعر العربي؟
ج ٦ -بما أننا نعيش اليوم في عصر التحول الرقمي والتطور التكنولوجي، حيث تشهد التكنولوجيا تطورًا سريعًا ومستمرًا يؤثر على جميع جوانب الحياة. فقد أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وتأثيرها يشمل كل شيء من العلوم والفكر والثقافة إلى المجتمعات والسياسة.
لا بد من الإستفادة من معطيات هذه التكنولوجيا الرائعة وانتشارها، فهي تقوم بخدمة كبيرة لمن يود البحث والتقصّي والاجتهاد للعثور عن ضالته وغايته وهدفه ..
يمكن القول انها من تساهم في نهضة الشعر المعاصر وتأخذ بيده للوصول إلى مبتغاه ، ولكن من جهة، هذا العالم الازرق فيه السمين وفيه ما لا يسمن من جوع ، نجد الكثير من الشعر الهابط الذي لا يرقى لذائقة الشعر والأدب.
س٧_ من يعجبك من الشعراء القدامى والمعاصرين؟ وبم يتميز شعرهم؟
ج ٧ – لكل عصر سمات مشتركة ، كما لكل شاعر سماته الخاصة به، وقد شكل الشعراء القدامى القاعدة الراسخة لكتابة الشعر ، ومن ثم بدأ الشعراء يحدّثون ويجددون ويبتكرون شكلاً ومضمونًا.
من الشعراء القدامى:
1- الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم: يتميز شعره بالجمال والبديع.
2- الشاعر الأندلسي ابن زيدون: يتميز شعره بالحساسية والغزل.
3- الشاعر المتنبي: يتميز شعره بالفصاحة والإبداع في استخدام الألفاظ.
كما لا ننسى حسان بن ثابت وجميل بثينة والمعري وزهير بن أبي سلمى وامرؤ القيس وغيرهم
الشعراء المعاصرون:
1– الشاعر أحمد شوقي: يتميز شعره بالروحانية والإحساس القوي.
2- نزار قباني: يتميز شعره بالغزل والإحساس الجميل.
3- محمود درويش: يتميز شعره بالكثير من المفارقات والصور المستخدمة.
4- عبد الوهاب مطاوع: يتميز شعره بأسلوب سهل وجذاب لكافة فئات المجتمع.
5- نجيب محفوظ: يتميز شعره بالتعبير عن الحياة اليومية والمشاعر الإنسانية.
6- أحمد مطر: يتميز شعره بالإحساس القوي والصور المستخدمة.
والماغوط وأدونيس،السياب والملائكة ، وأيضا شعراء حداثيون ملهمون لهم مآثرهم في الانتشار واللغة والفكر والأدب….
س٨_ هل تري في الحركة الشعرية النسائية المعاصرة إسهام جاد في تطور القصيد؟
ج ٨ – بالتأكيد، وكوني امرأة فأنا لا أرى أي تفضيل بين الشعر النسائي عن الشعر لدى الرجل ، وعن الشعر في إطاره العام ، وأيضًا لا أحبذ هذا التقسيم ، فما تقدمه النساء اليوم من شعر ونقد وأدب يوازي بل يتفوق على ما يقدمه الرجال ، وهذا ليس مجرد قول وإنما هي أفعال يشار لها بالبنان وترفع لها القبعة ، فهناك العديد من الشواعر يتعاملون مع الشعر برقي وعطاء وإبداع وجدية ومسؤولية عالية، وهن يساهمن في إغناء المشهد الثقافي بشكل عام والمشهد الشعري خاصة سواء العمودي أو التفعيلة أو قصيدة النثر ، بشكل واسع وباقتدار …
س٩_ هل تتوقعي أن ينقرض الشعر مستقبلًا وتحل الرواية الأدبية الطويلة مكانه؟
ج ٩ – أبدًا ، الشعر روح ، وعلاقة شفيفة بين الروح واللغة، وعلاقة جمالية دفاقة تسمو بالحياة والوجود.
من ظفيرة الشعر ننسج بكارة المفردات، نروي بها رجاء المسافات حتى تنفلت الدهشة من لحظات الإنشقاق وقيد العتمة.
الشعر هو الحبل السّري من النور
و لغة الجمال والعشق، تستشعره عاطفة من رحيق القلب.
هو الحب الذي يعانق الأفئدة العطشى إلى الجمال والسلام ، فتتحد المفردات في لغة عالمية، حتى صارت الروح شرنقة والقلم نسغ والأصابع مجاز .
س ١٠ – من خلال قراءتنا لدواوينك الشعرية نجد أن الشعر الوطني والقومي له نصيب وافر ، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ، ماذا تقول الشاعرة تغريد بو مرعي في ذلك ؟
ج ١٠ – الشاعر هو مرآة لوطنه ولكل ما يحيطه ، يتأثر ويؤثر، والقضية الفلسطينية هي قضية كل انسان حر أبي ، لا بد أن يدافع عنها بروحه ودمه لأنها قضية الأمة ،والانتماء إلى الأرض والعروبة هو شرف يحمله الشاعر ويكتب عنه ويدافع عنه في قصائده ، ذاكرًا أمجاده ومناقبه وكرامته ، وأي شاعر عروبي حر يؤمن بالقضية الفلسطينية لا شك أنه سيحمل نبض حرفه الأصيل ويجسده في كتبه ودواوينه ..وأذكر عنا أن أول قصيدة كتبتها ونشرت في مجلة الحرية في لبنان ، وكنت آنذاك في الثانية عشر من عمري ، كانت قصيدة القضية التي تحكي عن الهوية الفلسطينية ، ولدي ديوانين يشهدان أيضًا على قصائد كتبتها لفلسطين الحبيبة …
وفي ديوان جروح الوجد كتبت قصيدة للقدس :
الْـقـدْسُ أرضُ جـدودي
رَبُّ الهُدى والتّقى والحَقّ مُعْتَمَدي
رَبٌّ هَدانا إلى التّوْحيدِ والرّشَدِ
أسْرى بِخيْرِ عِبادِ اللهِ قاطِبَةً
لِلقُدْسِ مَسْرىً وَمِعْراجاً ألى الأبَدِ
بعْدَ النّبِيّ سَعَى لِلْقُدْسِ فاتِحُها
خليفَةُ اللهِ إن يَقْصُدْ ثرىً يَسُدِ
لَمّا اسْتُبيحَتْ صلاحُ الدّينِ حَرّرَها
أجْلى الصّليبِيّ مِن أرْضي وَمِن بلَدي
جاءَ اليَهودُ بِأمْرِ اللهِ واجتَمَعوا
إن يَأمُرِ اللهُ قسْراً جَمْعُهُمْ يَفِدِ
عاثَ اليَهودُ فساداً في مَدينَتِنا
وَسانَدَتْهُمْ جنودُ الشّرّ بالمَدَدِ
في صَفقَةِ القَرْنِ أرضُ القُدْسِ قدْ مُنِحَتْ
إلى اليَهودِ بِلا حَقٍّ وَلا سَنَدِ
يا مانِحَ القُدْسِ لِلْأوْغادِ نحْنُ هُنا
هذي الوَثيقَةُ كالأوْهامِ والزّبَدِ
القدْسُ أرضُ جدودي لا تَهون سِوى
على مُصابٍ بِداءِ الجَهْلِ والفَنَدِ
وَعْدٌ علَيْنا سَنَفديها وَنَحْرُسُها
يُفدَى ثرَى القدْسِ بالأمْوالِ وَالْوَلَدِ
س١١ _ حبذا لو قصيدة من تأليفك هي أحب الأشعار إليك.
ج ١١ – لا يمكن تجزئة الروح، والقول هذه أحبّ إلى قلبي، فكل قصائدي أحبها ، وأعتبرها ماء القلب وشقيقة الروح ..
سوف أختار لحواركم الجميل قصيدة “نَـارُ الْـهَـجْـرِ ” وأيضًا خاطرة بعنوان” فلسفتي” هذه الخاطرة تُرجمت الى 48 لغة حتى تاريخه، وقُرأت في إذاعتين في المكسيك وإسبانيا ، وكذلك قُرأت من قبل طلاب في المدرسة الوطنية في الهند ، وكُتب فيها أكثر من 15 دراسة نقدية..
نَـارُ الْـهَـجْـرِ
أَحْتَاجُ صَوْتَكَ قُرْبِيْ كَيْ أُحَدِّثَهُ
فَالرِيْحُ مُسْرِفَةٌ وَالْمَوْجُ مِصْدَاقُ
أَنَا الْمُشَظَّى وَجُرْحِيْ نَازِفٌ وَلَهَاً
قَدِ انْشَطَرْتُ وَزَادَ الْجُرْحَ أِحْرَاقُ
يَغَشَى الْفُؤَادَ مِنَ الْإِعْرَاضِ مَوْجِدَةٌ
وَكَيْفَ تَنْجُوْ إِذَا أَشْقَتْكَ أَشْوَاقُ
كَلَيْلَةٍ عَصَفَتْ أَمْطَرْتَنَا حَزَنَاً
إِجْرَحْ بِسَهْمِكَ إِنَّ الْحُزْنَ إِعْتَاقُ
فَمَا تَيَمَّمْتُ إِلّا مَسَّنِيْ دَنَفٌ
وَبَيْنَ حُزْنِيْ وَهَذَا الْمِلْحِ مَيْثَاقُ
فَلَا تَمُرَّ عَلَى حِبْرِ الْجُنُوْنِ كَمَا
يَمُرُّ خَلْفَ جُنُوْنِ الشَوْقِ عُشَّاقُ
هَلْ صَارَ قَلْبُكَ نَارَاً كَيْ أُغَازِلَهُ
يَكْفِيْ لأَشْقَى يِنَارِ الْهَجْرِ إِخْفَاقُ
فَـلْـسَـفَـتـي !
فِي كُلِّ مرةٍ أتحدّثُ فِيهَا عَنْ الْفَلْسَفَة ،
أشعرُ أنّي دودةٌ حَقِيرَةٌ تنخرُ عِظَام الْوُجُودِيَّة ، وَمَا إنْ أُدركُ تفاهةُ حَدِيثَي أَجِدُنِي بغتةً تحوَّلتُ إلَى ذُبَابَةٍ مُزْعِجَةٍ تُقلقُ الْأَوْهَامُ وَالمَاورائِيَّات .
فهلمَّ مَعِي إذَا شئتَ ، فَلَيْسَ مِنْ السَّهلِ الِاخْتِيَار . .
الْمَسَافَةُِ الَّتِي تفصلنا تقعُ بَيْن قوسينِ مزدوجينِ ، تُرَاقِبُ انْقِرَاض السُّلَالَاتِ الرَّقْمِيَّةِ .
وَأَنَا لَا أَسْتَطِيعُ تَغْيِير المُسَمَّياتِ الْأُولَى ، وكونكَ فَرِيسَة سَهْلَة ، سأغتنمُ الْفُرْصَة وأجتازُ كينونتكَ المُترفِّعَةِ .
فَأَيْنَ أضعُ طينتكَ الَّلزِجة ، وَأَقْصَرُ مَسَافَةٍ بَيْن الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ لهاثٌ أَعْمَى !
وَمِنَْ الْحِكْمَةِ أَنْ انْتَظَرَ فيلسوفٌ آخَر يخرجُ مِنْ بَيْنِ الضَّبَابِ كَي نُصْغِي إلَيْهِ معًا .
لعلَّ صوتهُ يَكُونُ أَجْمَلُ مِنْ أسنانِهِ الْبَيْضَاء ، ويدهُ تَكُونُ وَاسِعَةً ، وَاسِعَة جدًا كشرفةِ بَيْتِنَا الخلفِيِّةِ .
هلمَّ نطلبُ كوبُ مَاء . .
ونتظاهَرُ أَنَّنَا نَعُدُّ النُّجُوم ، وَنجمَعُ الْغُبَارُ المتبقّي فِي السَّمَاءِ .
ولأنّكَ فلسفتي الزيتيّة ،
دَعْنَا مِنَ الْحِيَلِ الْقَدِيمَةِ ، وَمِنَ الْأَفلامِ الْخَيالِيَّةِ ، وَمِنْ أبْرَاجِ الْحَظّ ، وَمِنَ الطَّائِرَاتِ الحَرْبِيَّةِ ، وَمِنْ سَيَّاراتِ الْإِسْعَافِ ، وَمِنْ كُلِّ النُّذُورِ وروائِحِ الْبَخُّورِ . .
لَقَد حفرتْ عميقًا تِلْكَ الدُّودَة الَّلعِينة ، حتّى غَدَا الْوَعْيُ مَهْزَلَةٌ ، وَالْوَقْتُ مُنحَدرات.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي