في دمشق عرفت كيف يقف السّير احتفالاً بعاشق
رائحة البئر
رواية
سوسن سليم الحجة
الحب يجعلنا نستمر
فن الرواية، من الفنون الصعبة ،التي تعتمد على طرقُ وأساليب معينة لبناء الأحداث و الشخصيات .
معظم الروايات ، بعضها يعتمد على الخيال والسرد وبعضها يعتمد ُ الوقائعَ والأحداث الحقيقية الواقعية والتي هي من خضم الحياة اليومية التي يعيشها الكاتب والقارئ وحتى الإنسان العادي وكل منهم يفهمُ العمل الروائي بمنظوره الثقافي والمعرفي ويتلقاه و ربما يقول في ذاته : حدث هذا في زمن الحرب ، أو ربما في زمنٍ لا حرب فيه او ربما متخيل نعيشه ويدفعنا شغف الكتابة للتعبير، عنه بلغة السرد والنثر التي هي لغة الرواية و التي تعطيها قيمتها الفنية والأدبية من كونها تجربة انسانية خاضها جميع أبناء الوطن وتركت أثارها البغيضة على كل شيء .
ولكن الكاتبة سوسن الحجة تؤكد :” بأن الحب يجعلنا نستمر ” . وهذا أيضا ما شجعني على قراءة ” رائحة البئر” لأرى فيها شخصيات متعددة ومعقدة ومازومة بكل ما احاط بها من ظروف حياتية مربكة حتى وصل بنا الأمر إلى أن يحفر كل إنسان بئره في ذاته ويراكم ُ فيها ما مرّ ويمر عليه في حياته من ظروف فُرضت عليه ،وكان عليه أن يستمر في الحياة لأ نها قدر مكتوب والرغبة في الموت عند بعض شخصيات الرواية كانت رجاءا للخلاص مما تراكم في هذه النفوس من احباطات وخيبات .
وكان السؤال الصعب والقاسي في الرواية :” كيف ينبت كل هذا الخبث في هذه الارض الطيبة ” ، سؤال علينا أن نتوقف جميعنا عنده لأنه هو الذي سيعيدنا إلى الحب الذي به نبدأ و نستمر .
الرواية جذابة في سرد الأحداث على لسان الشخصيات المتعددة والمتنوعة على الصعيد النفسي والأجتماعي والعاطفي ، شخصيات معقدة ومأزومة وفقيرة ولكنها قوية ومتماسكة في أزمة الحرب حيث يلجأ البشر إلى بعضهم البعض لسرد هموهم وأحزانهم .
في رواية ” رائحة البئر” ، سرد واقعي ومنطقي وحياتي يتجلى بشكل يومي في حياة النساء وعاداتهن وعلاقتهن بالرجال ، الرواية لم تذهب إلى لغة الفنتازيا وأنما إلى لغة الحياة والواقع اليومي ، حياة كل بيت يعاني وعانى من الحرب والفقر والموت والخسارات والخيبات ، حكايات تأخذنا معها بشهود يسمعون ويفهمون ولكن لا ينطقون تلك هي” العكازة” التي كان يستندُ عليها غسان مصلح الأحذية ، تلك العكازة الخرساء ،
لا تتكلم ولكنها تشاهد وتبكي . الخشب لا يموت، يحمل الأسرار ويساعد في النهوض من السقطات الأليمة.
هذه الرواية تبين لنا معاناة الانسان من السهل إلى الجبل ،هذه الروح الوطنية وذاكرتها تحتاج إلى اسفنجة لمحو ما مرّ عليها من خسارات وجروح .
السؤال المهم والذي يدفعنا إلى التفكير :
هل الحرب والخوف والزلازل، ما يدفعنا كي نكون كافكاوي النظرة إلى ذواتنا، أذ أن “غسان” في الرواية يشعر بانه بعد كل الأزمات التي مرتْ عليه يشعر بخوف من الحياة والناس وأنه سيسحق تحت اقدامهم كما لوكان حشرة . هذا الشعور السوداوي يدفع الكثير من الناس إلى اليأس والقنوط والتفكير السلبي تجاه ذواتهم وأحوالهم.
ما بين رائحة البئر والعكازة الخرساء ، طريق ،يصل إلى عمق الذات المجروحة .
هل رائحة البئر هي رائحة ذواتنا الغامضة ؟
هل هي المحبوس فينا ولا يظهر؟
والعكازة ، هي مظهر من مظاهر العجز وهكذ ا تدور حياة الإنسان في متاهة يجمع فيها كل ازماته وخيباتة من الصفاء والعذوية ، من الحب والكره ، الخوف والفشل .ومن هنا كان لا بد ان ننتبه إلى ما يحيط بنا من جمال الحياة على حد تعبير الكاتبة : ” الوَلهُ لا يتكرر مرتين ، يأتي في حياتنا مرة ً واحدة ، وما عداه متأصل فينا ،
وإن لم نتبعه يتركنا، يعطينا إشارة فقط، علينا أن ننتبه لنلتقطه “.
شخصيات الراوية ، شخصيات حزينة مهمومة متردد ة قلقة عميقة – كالبئر التي تُسبّح بحمد الماء ” – و تفهم الواقع الذي تعيش فيه فمن شخصية ” ندوش إلى ربا إلى إبراهيم وعلي ” نرى قلق الشخصيات على نفسها وعلى محيطها وما يتعلق بها ومن هنا نرى قوة الحبكة في الرواية إذا ان الشخصيات ليست فارغة على المستوى الانساني بل تعيش تحت ثقل الحرب والموت والفقر والحرمان النفسي والعاطفي و المادي.
هذه الرواية تقلق القارىء لأنها ليست من الفنتازيا أو الخيال إنها من واقع أحداث وأحزان وحرب .
قاسيون ياتي إلى الشخصيات ويمشي معها ولكنه صامتُ ابدي ، شاهداً على الاحزان ، يسجلها وهو يؤرجح قدميه ويؤرخ للأجيال .
رواية :
رائحة البئر
للشاعرة والكاتبة سوسن سليم الحجة
صدرت عن دار دلمون الجديدة 2023
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي