قراءة في كتاب نزيف الغربة للشاعر ناصر رمضان عبد الحميد.
شاعرٌ هو، وليس كأيّ شاعر. ينقلك فوق سفن كلماته من ميناء لآخر، فتتخبّط بها الأمواج لتشعر أنّها لحظات عمرك الأخيرة، وفجأة يسود العواصف الهدوء لتتهادى على صفحات القلب وكأنّك تعيش حلم اليقين وترسو على ضفاف السّعادة.
هو النّاقد والشّاعر المصري ناصر رمضان عبد الحميد الّذي يغنّي أنشودة أمل في هذا الكتاب، لترقص الملائكة على ترانيم الجنّة مع مجيء كلّ عام، ومن ثمّ يسقي النّاس دمعة وشوق ويمضي بلا سبيل ولا وجهة في عزّ “نزيف الغربة”.
حين يحلم، ليل الأحبّة يتحوّل لصباح في شتاء، وحين يعشق تتحوّل طقوس عشقه لديانة خاصّة، ويبدأ الطّواف بقبلتين وسجدتين، فيصلّي لأولئك الّذين وُهبوا الحبّ وعرفوا دروبه وتذوّقوا أطيابه، ويتركهم يغرقون في نعيمهم ليتذوّقوا شهد العسل من مصدره الأساسيّ، ألا وهو القلب.
تغوص معه إلى أعمق أعماق المشاعر ، فتقارن بينه وبين بعض المتفلسفين على اللّغة والشّعر، والّذين حوّلوا الشّعر وجمال معانيه إلى ندب وعويل، لكن “لا بدّ للّيل أن ينجلي” ولا بدّ للأقوياء أن يُسكتوا ضعاف النّفوس وللفقهاء أن يُخجلوا المعتدين والمتطفّلين على اللّغة والشّعر.
تدمع العين مع الشّاعر ناصر عبد الحميد حين يظهر ويعبّر عن حنينه واشتياقه إلى من وهبته الحنان كما الحياة، فنشعر بغصّة كلّ حرف، ورعشة حزينة تنتاب القلم إثر الفراق وألم البعد.
يمجّد الوطن، ويخشع للخالق بصمتٍ وبصفاء، يناجيه ، فيسامر ليله ويضيء دربه.
وللغزل مع الشّاعر ناصر نصيب، فموضوع الصّداقة الّتي ما تلبث لتستقيل من صفتها لتتحوّل إلى حبّ جارف ملوّع، قوّى أواصره ذلك الانسجام الرّوحي والتّخاطر السّامي. فيتغزّل بعيني الحبيب كأنّه يرى الكون من خلالهما. وليختتم مجموعة قصائده بأزهار، ملأت حديقة حياته بالألوان وعطّرتها بأريجها الفوّاح.
في النّهاية دوّن بعض الومضات، الّتي تصادق من قال الإعجاز في الإيجاز، فقد أوصل من خلال كلمات قليلة عمق الفكر والرّوح وفقه المعاني.
نزيف الغربة، أطربتنا كلماته الّتي عزفت على أوتار القلب لحنا خالدا جاور الرّوح وسكن القلب، تنوّعت موضوعاته بين المدّ والجزر، بين القرب والغربة، بين التّغنّي بالحبيب والتّمجيد بالوطن، وبين الوجدانيّات الّتي أضفت تألّقا على الكتاب.
قد يعيد النّزيف أحيانا إعادة تنظيم الدّورة الدّمويّة، فتسير مسارها باطمئنان وسلام، وقد تودي بحياة صاحبها إن زادت عن حدّها.
نزيف غربة ناصر عبد الحميد من النّزف الصّحّي، الّذي كلّما نزف كان مصدر عطاء وقد يكون مصدر حياة.
عبير عربيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي