نازك مسّوح شاعرة من حمص العديّة :
*بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات
نازك وللاسم دلالات ، صفحاته في التاريخ مشرقات ، نازك العابد في سورية أميرة الرائدات ، وفي العراق نازك الملائكة أميرة الشاعرات ، وقيل إن نازك العراقية ، سميت تيمّننا بنازك السورية ، وهاهي نازك حمص العدية ، شاعرة مبدعة آخذة في التألق .
كيف لا ! وقد رعى موهبتها المبكّرة، والدها مدرس العربية العريق ، رحمه الله، كيف لا! وقد ترعرعت في أحضان طبيعة خلاّبة في ،،حبنمرة ،، عروسة النضارة وواديها ، استلهمت منه قصيدا عابقا بنكهة إبداع ، وتراكم في رصيد شاعرتنا عشرات القصائد والنصوص النثرية، ومنها مانشر في الطبعة الجديدة من ديوان ،،أغاني عشتار ،،ج 3 التي صدرت حديثا عن دار ،،آراء ،،في بغداد:
(على سراطِكَ أَرتمي)
“دعني أرتمِ فوقَ ذراعِكْ،
ودعني أنزعْ أهواءَ نفسي في رِمالِكْ،
……..
فما أروعَ أن أخوضَ حافيةَ القدمينِ ..في غمارِكْ!
أنا لا أَلوي إِلَّا على كسبِ رِضاكْ،
والشوقِ الحميمِ بإغرائكْ
ففي بائكَ بلسمُ الحياةْ ،
وفي حائِكَ يزهرُ حبُّ الحياةْ،
فدعني أروِ عطَشي الأزليَّ
من فيضانِ رائكْ….”
عبر تراكم ، ثقافة وتجربة ، وصقل موهبة إبداعية ، وحين حلّت ،،استراحة المحارب ،، بالتقاعد ، راح الفضاء الأزرق ، يحمل تردّدات أشعار ،، نازك،، ،على موج خفيف ، حيث ينسرب إلى النفس فيفعل فعله ،سحرا وعذوبة :
“حكايةُ صمتِ الياسَمين”
((كدُميةٍ لكنَّها آدميَّةُ الإحسَاس،
رقيقةٌ مثل نسمةٍ هاربةٍ من أنفاسِ الرَّبيع..
تتخاطفُها عيونُ الفجرِ
من أحداقِ الشَّمس..
………….
ما أروعَها إذ تتزاحمُ لقطفِ جذوةٍ من لهيبِ العصورِ الغابرة!!
تغرسُ في مزارعِ الظَّلامِ مساكبَ النُّور،
تنعشُ غراساً في قلبٍ يعاندُ الذُّبول،
تحومُ في أجوائِهِ المُغبرَّة..
في ميزانِ القداسةِ كفَّتُها راجحةٌ
على لسانِ المَسيح:
“ليسَ بالخبزِ وحدَهُ يحيا الإنسانُ
بل بكلِّ كلمةٍ منَ الله”))
تراها في قصيدة “عرائس الجلّنار “لا تحفل بالفرح والحب فقط ، وإنما بالعطاء في مواسم الفصول وزفافها، وبالأمل :
عرائسُ الجُلَّنارْ”
كرمَى لعيونِ عرائسِ الجلَّنارْ،
تتزاحمُ سحائبُ أَيَّارْ،
لتبارِكَ العُرسَ عرسَ السماءْ.
ما أُحَيلى أن تضحكْ،
فَتَحمرَّ خدودُ البروقْ،
ويفترَّ من ثغرِها الأُرجوانْ
……..
من أوعزَ لزخَّاتِها أن تُزغرِدْ؟
وهل هي شرارةُ البدايةِ لمَواسمِ
زفافِ الفصولْ؟
……………
كرمى لعيونِ عرائسِ الجُلَّنار
نثرتُ شذراتِ رُوحي
قَمحاً و ظِلالاْ…
في بيادرِ الأملْ،
“
في قصيد نازك بريق يدهشك بفكرة أو عبارة!؟ حين يتهادى عبر ومضات إبداعية ، باشرتها شاعرتنا بداية ، وراحت تعلي عمارتها بأكثر 200 ومضة شعرية ،فيها من المعاني والقيم المكثّفة ، بقدر ما فيها من طلاوة جرس وحروف:
“هلّا حدثتَني بأبجديّةِ الوَرد…
أنتَ تهزُّني وأنا أملأُ جرارَك عطرا.”
معَ أوَّلِ سهمٍ اِخترقَ قلبِي،
تقاطرَت دماءُ القصيدةْ.
هي التي تعدّ الومضة ،سرّ اللحظة الراهنية ، وتعبيرا فوريا عمّا يجول بخاطر الشاعر أو يفجئه ، تراها تقاربها كوسيلة بوح شعوري، لا ترفا ولا استسهالا ، وكأنّها وجدت فيها تواؤما مع روح عصر السرعة وجيله :
فلتعبثْ رياحُكَ أيَّها الخريفُ بأوراقِ عمرِي كيفما شاءَت،
لكنَّها لن تنالَ منِّي،….. مادمْتُ شجرةً دائمةَ الحُبِّ
***
أما قصيدتها ،،عاشق دمشق،، فترجمت للفرنسية ؛
“في غاباتِ الانتظارِ الموحشةِ
تاهَت أحلامُ ياسمينِ الشَّامِ الفتيّْ.
إلى متى سينزفُ عطرُهْ؟
هوذا عاشق دمشق ، يوجعه ما أصاب ياسمينها ، وما تكسّر من أحلامه المعرّشة على اشجاره ، وهي ذي شاعرتنا ترصد لحظة حيرة ، لفراق واغتراب ، بكاميرا إبداعها على نحو موجع ، حيث لم يجد من نوى السفر، حقيبة تتسع لكل ذكرياته :
“بابتسامةٍ ماكرةٍ صفراءَ
استهلَّ لقاءَهُما الأوَّلَ جوازُ السَّفرِ….
هناك في سوقِ ( الخجا )
كثيراً كثيراً بحثَ عن حقيبةٍ،
تتَّسعُ لذكرياتِهْ،طموحاتهْ،
وبعضٍ من ثرى شآمِهْ،،
وشاعرتنا ،لا ترصد فقط ، وترسل صورها عبارات بلاغية جاذبة ، وهي تحاكي الذكريات والأمكنة ، هاهي تومض الأمل من لحظة الوداع القاسية ، الأمل بزغردة شموسنا ، المعلّق بسؤال :
،،…متى الإيابُ؟،،
….”
ما أَقسَى الوَجدَ حينَ نتجرَّعُ كؤوسَهُ في فلذاتِ أكبادِنا!
حتَّامَ تهاجرُ طيورُ السُّنونو؟
وإلى متى ستبقَى متلاشيةً أنوارُ قناديلِنا،شحيحاً زيتُها؟
بئسَ المصيرُ الغربةُ القسريَّةُ!
……………
أوليسَ الوقتُ للإيابِ؟
فمتى ستتراقصُ جداولُ الفرحِ مهلِّلةً لعرسِ اللِّقاءِ؟
وَحِينها فقط سوفَ تضحكُ الرُّبا،
وتنتشي الوهادُ ،وتزغردُ شموسُنا من جديد
على نحو قصيدتها هذه وما قبلها، تلامس نازك ، الوجدان الوطني ، وتبعث بأكثر من رسالة لجيل أصيب في أحلامه ، فتقاذفت بعضه رياح الغربة أو تكاد ، بأسلوبها الشائق الرائق ، تمضي بنا الشاعرة نازك مسّوح ، في رحلة ماتعة على موج قصيدها المفتون بالطبيعة ، فيماهيها سحرا ، لترتقي بالإنسان فكرا وقيما ، وقد تمكّنت من لغتها،فراحت تنساب سلسة ، وجاذبة بعذوبة مذاق :
“النجومُ في سماءٍ غائمةْ””
ماذا عن أوراقٍ غضَّة”
على الأفنانْ،
تساقَطَت قبلَ أوانِ
خريفِها المَوعودْ؟
ماذا عن وعودْ،
تُدفنُ في مهدِ طفولَتِها،
و تُوءَدُ قبلَ أن
يبتسمَ لها الفجرْ؟
ماذا ستخبرُ
جذورَ السَّروِ والزيتونْ،
إِذا ما زارَت ضريحَها
ذاتَ رحيلٍ قدسيّْ؟”
قصائد نازك ، تراها منسوجة ببراعة ، بعيدا عن قيود الفراهيدي ، كل قصيدة جوهرة مصاغة بمهارة ، متشابكة الحبك ، يشدّ بعضها بعضا ،تراكيب ورؤى ، فيبدو النص لوحة فنية زاهية بجمال أدبي فريد :
“الرَّحيلُ صوبَ النَّفسْ”
” دَعني أتأبَّطِ الثُّريَّا،
………
دعني أمشِّطْ شَعرَ
الشَّلَّالِ الهادرْ،
فحريٌّ بي أن أقفزَ على
أعرافِ و تقاليدِ الأنهرْ،
ثمَّ أرتمي سمكةً مشاكسةً
في حضنِ “العاصي”.”
بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات …….
…
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي