كتبت زينة حمود
السادسة والربع …. إن أول ما تمسك كتاب جنان خاشوف بين يديك يلفت انتباهك العنوان (السادسة والربع ) تحديد الزمن الدقيق ،ربما يعبر هذا الوقت عن راحة تأخذها الكاتبة بعد يوم شاق وطويل فتكتب ما يخالج روحها أو يحاكي أفكارها.
ويظهر ذلك جليا وواضحا في الإهداء حيث بدأت جنان الإهداء (الى النادي الذي اتجاهله كل يوم بكتابة قصيدة) فهذا الوقت هو وقت الراحة وإخراج ما بداخلها من أعباء وذلك من خلال القيام بتمارين رياضيه جسدية تخفف بها حده التوتر والضغوط وهي بالفعل تسعى الى ذلك ولكن من خلال رياضة فكرية تترجمها بقصائد .
ومن ثم أكملت الإهداء الى ولديها ليان وساري واعترفت بأمومه اعتباطية فكلمة اعتباطية هي مصدر صناعي من اعتباط وهي حالة من العشوائية والفوضى في اتخاذ القرار، وربما في ذلك اشارة الى رسم لطبيعة حياه جنان فالمبدع يحتاج الى الفوضى ليستطيع التعبير .
وحاولت جنان بطريقة تهكمية أو ربما اعتمدت ذلك الرد على بعض منتقديها كرد استباقي أن ما كتبته ليس شعرا قائلة( الى الذين يحتكرون الشعر اطمئنوا ليس شعرا ) فجنان تعيش صراعا او تحتاج إعترافا من القراء بان ما كتبته من خواطر مسائيه يستحق أن يقرأ مهما كانت تسميته شعرا ،خواطرا، تعبيرا، قصائدا،التسمية لا تهم .
وبذلك اشارة الى ان الشعر بات محتكرا من قبل مجموعة وضعت له قوانين ومن يخالفها لا يعترف بشعريته .
ثم قدمت شكرها للمدقق اللغوي عصام حوراني ولصديقتها الفنانه التشكيلية غنى حليق على لوحه الغلاف …
وأول قصيده اختارت لها عنوان( أبكي) وكلنا نعلم أن البكاء هو حالة لتطهير الذات والنفس الانسانية من مكبوتات متراكمة مختزنة تنفجر في لحظه ما، والبكاء راحة نفسيةو جسدية مهما كانت الأسباب بسيطة أو ثمينة. وللكاتبة عالمها الخاص وحزنها يختلف، فهي تبكي لأحداث غير مرئية للعامة ولكن كل امرأة تختبرها في يومياتها دون ان تضعها نصب أعينها ،وربما تتغافل عنها فجنان تبكي حبل الغسيل وحيدا ،جواربها ،جبينها، إصبع يدها السادس وهو الروح،شعرها الميت على الوسادة، أثار الحلق على أذنيها ،مخبأها الذي كانت تلجا اليه وهي طفله لتختبئ (تحت السرير) لتختبئ من هموم الحياة وتبكي نفسها وروحها فهي بذلك ترثي نفسها. وربما كل قصيدةمن قصائد الكتاب تحمل في طياتها أوجاع وهموم ويوميات جنان بحلوها ومرها فهي صاحبة الضحكات الرنانة وضجيجها ثقيل نكد لئيم…فهي تصور بكتاباتها صراعاتها ويومياتها بإطار مختلف يحمل بصمات أناملها وتعابيرها الخاصة التي تسلط فيها الضوء على ذاتها وما يحيط بها .
ولكن سنختصر حتى لا نطيل على المستمعين ونترك لهم المجال بالتمتع بالقراءه وتحليل كل قصيدة ومقاربتها من وجهة نظرهم المختلفة.
ولكن لابد من التطرق الى بعض مميزات هذه النصوص من خلال القراءة النقدية العميقة التي استطعنا من خلالها أن نلحظ ظهور الأنا بوضوح في قصائد جنان فالأنا عندها مرتفعةوتحاول تأكيدها كلما سنحت لها الفرصة مثال: أبكي فقط لاني أنا هذا ضجيجي أنا أنا المتلعثمة_ انا العنيفة_ أنا عالمة_ انا حارسةالتراب الوهمي_ أنا مشروع ضحيةأنا المغرومة بشكل رأسك… أنا …أنا…أنا…. أما من الناحية الاسلوبية فاعتمدت جنان بشكل واضح في مجمل القصائد على التكرار، تكرار الانا، والذي سبق الاشاره اليه إضافه الى تكرار الكلمات والافعال مثال: ينمو ينمو ، يكبر يكبر ،ورقة ورقة،شعرة شعرة، صليت وصليت وصليت، منديل منديل ، اركض واركض، كتفا على كتف، الصراخ، الحب ،وترا وترا ،لا يهم لا يهم، لم يعد لم يعد… وذلك تأكيدا منها على أهميه الكلمة وأثرها في نفسها والتي تريد إيصالها للقارئ… كما كان اللافت استخدامها للألوان بطريقة جذابة وغير اعتيادية بقولها: ثوبك الاخضر- غرفة زرقاء-أرتدي الأسود الانيق-شرشفي الازرق- النجمة الذهبية- أفكاري البيضاء الرمادية-دموعي زرقاء -بالون فضي- رمادي- الزهري… وربما في ذلك اشارة الى أهمية الالوان في حياتها وقربها من الفن التشكيلي… وبرزت ايضا بوضوح الاعداد والارقام في قصائد عدة كقولها : 23 شهرا – 100 رجل- السادسة وثلاثة وثلاثون- ستون وردة- البعد الثامن- 80 مرة- اربعة امتار- سبعة عشر لحنا – خمسين مرة- سبعة أرواح – سبعون مرساة- 13مصفاة… قد تكون الكاتبة تقصدت كتابة الأرقام وقد يكون وراء ذلك رؤى أو دوافع خاصه دفعتها الى جعل الرقم متمما لعناصر قصيدتها مما يضفي جمالية وجذب انتباه المتلقي وجعله يتأثر اكثر بالكلمة… أما الجمل فتنوعت بين الجمل الخبرية والتي بطبعها تحتمل الكذب والصدق، والجمل الإنشائية الطلبية وغير الطلبية،مما يضفي على النص حيوية وتشويقا فجنان اكثرت من التعجب كقولها: تنازلت عن قصتي عندما ارتديت طاقية الاختفاء ! – أريد مشاعر اخرى ! – ربما أحب الجانب الانثوي منك ! – انا عالقة في علاقه تعجب !- ما أجمل المعنى ! – وبرزت جمله واحدة استفهاميه قائلة: أتعرف كمية الدموع المطلوبة لغسل الرمل من عينين ؟… بالاضافة الى افعال الامر مثل ارمِ، تبنّ- اخترعْ- نامي بسكوت- تسكعْ- ابترها… وايضا استخدمت النداء بقولها : ايها المرابط هنا …. هذا ولا ننكر استخدامها الافعال الماضية ،والمضارعة. التي تسهم في تصوير الاحداث وتدل على الاستمرارية .. وكما للانسان والأشياء والألوان كان للحيوان حظ وافر في قصائد جنان فهي تحدثت عن عدة حيوانات: الديناصور(سيفقص الخوف ديناصورا)،الضفادع:( ضفدع شيرازي- ضفدع يتدلل القط :(كقط هزمه الشارع )فرس النهر، فراشات(لن أطارد الفراشات)- ببغاء المطبخالنملة:(كنملة نسيت الشتاء) -الفيل:(فيل مختبئ في شرفتي )…وبالطبع استخدمتها جنان لرمزية ما تود الاشارة اليها ولابد من الغوص بكل اسم حتى نصل الى الاهداف… هذا والنصوص غنيه بالصور البيانية كالتشبيه ،مثل قولها : هذه الرغبه المستعرة كقطة في موسم التزاوج- كطيف سماء – أريد صورا متحركة كقلبي- سال حزني كنهر صغير- ألحق بك كقمرك -كناسك متصوف أريد أن أظهر على وجه الشمس كمذنب ….
والاستعارة ظهرت ببعض العبارات مثل : عزيزي الغضب -كيس هائل يتسع لهرائي – أشلح الزوائد كلما خلوت الى نفسي – تقول قطتي – أغزل أحلامي- أطعم قصصي الخرساء _ يمدد تاريخ صلاحية الفرح….
بالاضافه الى الصور البديعية مثل الجناس: (النعس- التعس) (لا تنحل -لا يحل ) – الطباق الايجابي والسلبي مثل : (ساعود لا اعود )- (هنا وهناك) – (وقوفاوجلوسا) (الصباح المساء )، وفرة هذه الصور تهدف الى تزيين الكلام وإضفاء رونق على النص وجذب القارئ والسمو بالصورة الى عالم الخيال….
كل الحب الى الصديقه جنان خاشوف واتمنى ان اكون استطعت بمقالتي هذه الغوص في أعماق ما كتبته والى مزيد من التألق والإبداع…
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي