نشر الغُماري ثلاث روايات:(زمن التعب المزمن، والساعاتي صانع الزمن، خديعة الخديعة)في سنتين ٢٠٢٤ – ٢٠٢٣، مرتكن إلى فلسفة واقعية ببعد انساني وما يعانيه الإنسان بسبب تغيرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية السريعة على حياة البشرية جمعاء ، فالكتابة الروائية هنا تجربة شابة تقع في حقل التجريب الإبداعي فيما يختلف تناول الموضوع أعلاه بطريقة فنية من رواية إلى رواية وكذلك يختلف أسلوب توظيف أدوات الرواية: الأشخاص الزمان والمكان .. في توظيف تقنية الراوي الفنية بطريقة التناوب بين الراوي و صوت المتكلم والراوي الثانوي ثم يعود إلى الراوي وصوت المتكلم مجددا كما في رواية ،،الساعاتي صانع الزمان ،، موظفا ياسين الغماري امكانيته المتفردة في خلق سرد حواري من خلال التناوب لتقنية الراوي الفنية فيغدو السرد في المتن الروائي قطعة حوارية تختلف عن الحوار التقليدي ملثما يختلف عن السرد التقليدي للرواية العربية الحديثة، لهذا الأسلوب الحواري مشاربه الابداعية ففي هذه الرواية يكون السرد في اغلبه سردا حواريا محضا ينقل معاناة من رمت بهم مشاكل الحياة التي ليس لهم فيها يد إلى مستشفى الامراض النفسية والعقلية، بمعنى سردا حواريا تراجيديا بينما نجد اسلوب السرد الحواري في رواية ،، خدعة الخديعة ،، نجده سردا حواريا ساخرا تهكميا كما كتب د.عقيل هاشم في مجلة الفرجة (ياسين الغُماري يكشف في خديعة الخديعة عن سردية حوارية تهكمية شديدة الحساسية) ولكنه بالطريقة والأسلوبية ذاتها سردية حوارية تختلف فيها ادوات السرد الروائي : نوع الشخصيات والاماكن و….،
ولكي لا ننسى اصل المقالة عن رواية ،، الساعاتي صانع الزمن ،، وموضوعها المهم هو تطور الحياة الاقتصادية للدول والشركات العابرة للقارات والدول والأديان والقوميات ، وما صنعته في حقبة وجيزة من دمار منظم يظهر شكله الخارجي من أنها تطور في الحياة لكنها تجعل المجتمع البشري عبارة أفراد مستهلكين للسلع بشكل غير مسبوق واهتمام بالمظهر الخارجي بعيدا عن الجوهر الإنساني والروحي، فأحداث الرواية تدور في فرنسا في إشارة ذكية إلى مجتمع الغرب الرأسمالي وصناعته للفرد المستهلك لقيم مجتمعه وتحول المجتمع إلى أفراد لا تربطهم سوى علاقة واحدة أن يكون قلة أغنياء جشعين يتحكمون بالجميع من خلال المصالح المالية والسلعية فحتى الكنسية لم يحفل بها البطل ،الذي يروي تارة بصوت المتكلم عنها مما يجعله يبحث عن صديق له فلم يجده إلا في مستشفى الامراض النفسية والعقلية، اكبر منه سنا قوي التفكير والعقل والبنية وهو الساعاتي الشخصية التي حملت عنوان الرواية وكانت شخصية ثانوية لكنها شخصية محورية في تغير مجريات السرد الروائي إلى النصر على الجشع والطمع والأنانية تلك القيم المفروضة على المجتمع الفرنسي من الواقع السردي ، أما صانع الزمن من عنوان الرواية فهو يحمل فكرة أن ما يمر به الإنسان من الوقت وهو في غربة وعزلة هو زمن نسبي وما يفكر فيه لوحده في عزله عن المجتمع هو زمن خطر نفسيا على الإنسان قد يؤدي به الانتحار كما انتحرت احدى النساء من المتن الروائي، في إشارة إلى المجتمع المتماسك بقيمه بالضد من حياة الفرد الاستهلاكية وعزلته كما في أجواء الرواية ، طبعا بما أن الساعاتي صانع الزمن فإن ما جاء في السطر الاول من الرواية والذي يشير سنة ١٩٨٦ في فرنسا فهو وقت غير صحيح من السرد في المتن بمعنى أن الساعة التي أهداها الساعاتي إلى البطل هي رمزية فكرة التغيير في داخله وانه زمن غير صحيح و كذلك الى نسبية الزمن النفسي الذي مر به لوحده عندما كان يعيش الغربة لوحده واغترابه في وطنه الأم تونس الخضراء، فأوصلته هذه وتلك إلى مستشفى الامراض النفسية . كما يتضح من الاقتباس أن الساعاتي والبطل مرّا بمواقف متشابهة في الغربة بفرنسا وفي الوطن لذا كانا الاثنين يبحثان عن الصداقة بينهما ويتضح من خلال الاقتباس :
قطفتُ زهرة وشكّلتُها خلف أذني.)
ها قد أتى عيد الفطر إذن.
: قُلتُ للساعاتي على نحوٍ ملحوظ
«إذا كُنّا في الوطن، لعايدتكَ بعُلبة حلويات من المَحَال الأثير»
: ردّ بحماسة فائقة وكان ينظرني من زاوية عينيه
«اعتقدتُ أنّكَ بلا عاطفة»
بتعبير أدقّ العيدُ في الغُربة لا يطرق بابنا، لا يستحضر أنّنا في ترقّبه حتّى. في الوطن كنتُ أُنفقه بمُفردي وأذهب إلى البحر. وإحقاقًا للحق، في الوطن، العيد لم يطرق بابي على الإطلاق. وطني غُربتي فيها. لقد فقد العيد قُدرته على جلب البهجة، ولم نعد سُعداء بقدومه، ولكن متى يحلّ قدومه فإنّه يزيد من مُعاناتنا. لم نعد نحيي الأقارب أو نزورهم. والأقارب لا يجدون صعوبة في تمرير الإهانة، بل ينقلونها إليك بلباقة. في العيد كلّنا نبحث عن أشياء لم تعد موجودة وعلى الرغم من هذا، مازلنا نبحث عنها.) تلك التغيرات الاقتصادية الاجتماعية السريعة في دول الغرب ومنها فرنسا كانت ومازالت تقلقي بظلالها بشكل أكبر وأكثر شراسة اتجاه القيم الاجتماعية وعلاقات المجتمع بالوطني والديني الذي يشكل أواصل يتصل بها المجتمع مجتمع دول تابعة اقتصاديا لدول المركز الاقتصادي المتطور الذي عن مصالحه الاقتصادية والثقافية ونشر ثقافة تفكيك المجموع وتحويله إلى فرد منعزل مستهلك للسلعة ولقيمه المجتمعية في الدول الصغيرة التابعة له اقتصاديا .
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي