عبد الكريم الجويطي (ولد يوم 13 مايو 1962 بمدينة بني ملال)، هو كاتب وروائي ومترجم مغربي حاصل على للكتاب. اشتغل أستاذا، تم مندوبًا ومديرًا جهويًا لوزارة الثقافة وهو حاليا مكلف بالدراسات في وزارة الثقافة بجهة تادلة أزيلال. صدرت له عدة روايات ونصوص سردية: أولها ليل الشمس (1992)، رواية فازت بجائزة اتحاد كتاب المغرب للشباب. زغاريد الموت (1996)، عن منشورات افريقيا الشرق. رمان المجانين (1998).الموريلا الصفراء (2003)، للمؤسسة العربية للدراسات والنشر. كتيبة الخراب (2007)، وصلت إلى القائمة الطويلة للرواية العربية سنة 2009.المغاربة (2016). ثورة الأيام الأربعة (2021).
حاورته من غزة روان شقورة.
……………………………………………………………………………………………………………………..
- دوماً يتم الحديث عن البداية، ولكنُي سأبدأ في نقطة الانطلاق للانتشار الواسع على البُعد العربي في روايتكَ (المغاربة) العنوان يُعبر عن المضمون، فالمغرب تحدثت عن نفسها في أوراقك، فهل التأريخ غرضك أم إثبات وجود أم غاية أُخرى؟
نحن كائنات تاريخية، نولد ونموت في التاريخ، وتحكمنا دوما ذاكرة ما مضى، سواء كانت ذاكرتنا الفردية أم ذاكرتنا الجماعية. لا يمكن بناء جماعة دون بناء سردية تاريخية حول الذات الجماعية. كل قبيلة ،مثلا، لابد لها من جد مؤسس متوهم، يعتقد كل أفراد القبيلة بأنهم انحدروا من صلبه. فكرة الاشتراك في دم جد هي من يمنح التلاحم اللازم لأفراد القبيلة في مواجهة القبائل الأخرى. التاريخ قدرنا ،ولا يمكن أن نفلت منه بمجرد مغادرة عتبة أبوابنا. منذ دونكيشوت والرواية تلاحق مصير الفرد الذي يسحقه التاريخ، ويحدث شرخا مهولا بين ما يدور بدواخله وما يتحقق خارج ذاته. الرواية هي صرخة الإنسان الطويلة تحت عجلة التاريخ التي لا ترحم. حتى الرواية التي تعنى بدواخل فرد معين تكون مخترقة بالتاريخ، لأن كل حالات الإنسان نتاج لعمله. رواية المغاربة محاولة للجواب عن سؤال: ما معنى ان يكون الواحد مغربيا.؟أرى أن الهوية شيء يتشكل في مجرى الزمن، إنها صيرورة من التراكمات والتقلبات…
“بعد حين سيفسح دم، وسيخرج جسد إلى الأرض، لكن ماذا سيفعل المنتصر بنصره” هذا نص مقتبس من المغاربة، فهل الجويطي من دعاة السِّلم وقبول الآخر حتى لو كان عدو أشر؟
الإنسان شرير بطبعه منذ أن خرج من الغابة واهتدى للملكية الخاصة صار عدوانيا، يحارب، ويقتل من أجل أن تكون خيرات الأرض له وحده. الحرب هي الخاصية الملازمة للإنسان منذ عهود سحيقة، غير أنه ومنذ عصر الأنوار، وتطور الوعي الإنساني ببشاعة الحروب ولا جدواها بدأت البشرية تسير نحو عالم لا يجعل من الحرب شيئا مستحيلا وإنما يصعب اندلاعها…رغم أن العالم عرف حربين عالمتيتين مدمرتين، وشهد توازنا للرعب مع الأسلحة النووية، ورغم الحروب المتسلسلة والتي تكون الولايات المتحدة الأمريكية وراء معظمها، فإن كثافة الحروب تراجعت وصارت معظم مناطق الكرة الأرضية تنعم بأمان طويل. لا أحد يربح في الحروب. إنها إهدار للطاقات، وبما أن كل حرب تلد حربا أخرى، لأن المنهزم سيفكر في الثأر، فإن النصر يكون دائما مؤقتا وسريع العطب. الأدب ينحاز دوما للمظلومين والضعفاء والمنكسرين، ويكون دوما في صفهم، يعيرهم صوته، ويدافع عنهم. كتب تلك الفقرة وأنا أفكر في حروب الإخوة. تلك الحروب العبثية من أجل لا شيء، حروب لا تنجح إلا في تمكين العدو الحقيقي من الاستقواء على الجميع. مقتل كل بريء هو مقتل الإنسانية جمعاء….
- علمت حديثاً بانعزالك في المغرب عن أماكن الضجيج حتى البشر، ولجؤك إلى الهدوء التام بين الطبيعة والنفس، فهل عامل المكان والبيئة له تأثير على الجويطي؟ وما رأيك في المثقف الذي يتبنى قضية عالمية ويتجاوز قضاياه المحلية؟
قضيت طفولتي وسط البساتين. كنت أساعد جدي في أعمال الحقل، وكان اجتثاث بساتين المدينة، وتحويلها إلى علب اسمنتية أحد غصص حياتي. حلمت دوما بامتلاك بستان، اكون فيه طيلة النهار مع الأشجار، ومع تجليات الله في خلق وتجويد معجزة الحياة، الحياة وسط الطبيعة تعلم وتلهم وتحسسك في كل لحظة بأنك جزء صغير جدا من كتاب كبير، هو كتاب الطبيعة. الانتصار للإنسان، أينما كان، ومهما كان لونه أو دينه أو معتقده هي أحد خاصيات الأدب. الأدب إنساني بطبعه. أينما وجد إنسان مظلوم ومعذب، إنسان يتألم فعلى الأديب أن يكون في صفه.
- مَن هي كتيبة الخراب التي ذاع صيتها في عالمنا؟
كتيبة الخراب هم أولئك الذين يستولون على المدن ويعملون على اغتيال مظاهر الجمال فيها، هم أولئك الذين يتصرفون في مدن بعينها كأنها غنيمة حرب. هم أولئك الذين لا يعرفون بأن المدن تتنفس وتحس وتعرف ما يفعل بها. كتبت الرواية عن مدينتي التي كانت محاطة بالبساتين، وكنت وأنت وسطها تشم رائحة النعناع والمسك، وحولوها في عقدين من الزمن إلى مدينة اسمنية، يزهر فيها الحديد والرافعات وأصوات البنائين…إن كانت من نكبة في حياتي فهي نكبة مشاهدة مدينة تضيع من بين أيدينا. كان بإمكان المدينة أن تكبر وهي تتصالح مع أشجارها وبساتينها، لكن ،كان لكتيبة الخراب رأي آخر…
- في فترة من الزمن ترجمت رواية بلجيكية (نظافة القاتل) فبصفتك مترجم ما الفارق بين الرواية العربية والغربية؟
الرواية العربية ما زالت في مرحلة التأسيس. علينا أن نتحلى بالواقعية أثناء مقارنة الرواية العربية بالرواية الغربية. فهذه الأخيرة وراءها تراكم يصل على أقل تقدير لثلاثة قرون ،أما الرواية العربية، وبغض النظر، عن محاولاتها الأولى، فهي في نماذجها المكتملة لا تتجاوز ثمانية عقود. لم تعرف الرواية العربية التحولات الكبرى التي عرفتها مثيلتها الغربية. كما أن الواقع لم يسعفها، فكما نعرف، الرواية جنس أدبي ولد مع صعود المدينة، وتحول الثقل الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي من القرى إلى المدن، حيث تتوارى اصرة قرابة الدم إلى المجاورة في المكان. من حقنا أن نتساءل هل لدينا مدن تلهم الرواية؟ هل لدينا ساحات تقع فيها المصادفات؟ مدننا تشبهنا، إنها خليط من التمدن الأرعن والبداوة. مدننا تتجاذبها قيم متنافرة جدا. هذا مع الانتباه إلى أن الرواية كتبت بلغات انشقت عن اللاتينية وكونت نفسها شيئا فشيئا، مع تطور المدن والمجتمعات الحديثة، في العالم العربي كتبت الرواية بلغة، شبه مكتملة منذ قرون، لغة مثقلة بالغنائية وتهويمات الشعر، لهذا يلزم الكثير من التراكم ومن التجارب الملهمة لكتابة رواية عربية تفرض نفسها على العالم…
- (ليل الشمس) هي الولادة البكر لرواياتكَ، ما هذا التناقض الذي حمله العنوان؟ أكان في الليل شمس؟ أكان في الظلام نور؟ أم أنّ الظلام هو النور في ظل الواقع الظالم لعالم شخصيات الرواية؟
رواية ليل الشمس، رواية عن الجفاف في سنة قاسية. في سنة جفاف تصير الشمس عدوة، يخرج الناس من ليل حقيقي فيه ظلام إلى ليل رمزي، يرون فيه زرعهم وهو يذبل ويستغيث. ويتمنى الناس الا تشرق الشمس لأنها ستحرق ما تبقى في الزرع من نسغ. أبي كان تاجر زرابي ،لكنه كان فلاحا في دواخله. كان يحرث أرضا بور، وكنت أعيش مع محنة رؤية ما زرعناه يموت…بعد كتابة تلك الرواية تصالحت قليلا مع رعب الجفاف. الكتابة تشفي، أحيانا، أفضل من الطبيب والدواء….
- وقفت متأملة في عنوان روايتكَ) زغاريد الموت) متسائلة: أكانت زغاريد الموت هي التضحية من أجل الحياة؟ وحينما فتحت قارئة بعض أسطره “شاهرين صدورهم في وجه الرصاص المنهمر” علمت عزة الموت الجالبة لزغاريد، فهل الجويطي من دعاة الحرب لنيل الحرية؟
أنا مع المقاومة ،لأنها حق من حقوق الإنسان في الدفاع عن حقوقه. مع المقاومة لأن العالم لا يرحم الصامتين والمستكينين، مع المقاومة كفكرة لكسر عنجهية القوة والتفوق والإحساس المتجبر بالقدرة على فعل كل شيء. الإنسان الذي لا يخشى الموت يكون جبارا، ويقلب دوما المعادلات…الموت يلد دوما الحياة، وهناك موت ينتهي معه كل شيء، وموت فكرة يولد معه كل شيء. بهذا المعنى أرى المقاومة في غزة وفي غيرها من أماكن الظلم في العالم….
- “اللا تكافؤ بين المدفع والخنجر الحروب أعراساً مريرة بالدم” هذا سطر من رواية زغاريد الموت، الأديب مُدرك لعدم التكافؤ الطرفين، بل حتى شخصياته مُدركة ذلك، لكن الطرف الأضعف يُضحى لمعتقده الراسخ بالحرية والنصر من خلال التضحية المُقدمة لأجل الولي وهو رمز القوة الخارقة للوجود، فما رأي الجويطي الشخصي في الحرب القائمة في اللحظة الراهنة بين إسرائيل وفلسطين في غزة؟
أنا أتألم يوميًا، وأنا أشاهد الدمار الكبير التي حل بغزة، وبأهلنا هناك. في مثل هذه الحالات لا يكون للكلام معنى. ما سأقوله أو ما سيقوله غير لا يهب طفلا جائعا لقمة، ولا يسعف مصابا، ولا يجير أما ثكلى. هو عار يجللنا جميعا ونحن ندفن رأسنا في رمل الكلمات الباردة لتنحدث عن جمر إبادة جماعية مصورة. في غزة انتحر الضمير الإنساني مرة أخرى، مثلما انتحر في العراق، وبهت الغرب وهو يرى نفسه أمام قيمه وهي تستباح. لقد فهم كل من في العالم بأن إسرائيل واقعة في أيدي حكومة من المتطرفين المجرمين الذين لا يهددون استقرار الشرق الأوسط وإنما السلم العالمي. وكما أن لكل فعل رد فعل، والتاريخ جدل بين نقائض، فإن ما يجري في غزة من تقتيل همجي وما يراق فيها من دماء، أشعر كل الضمائر الحية في العالم بضرورة قيام دولة فلسطينية ،تتتمتع بكل مقومات الدولة ….
- آخر ما تم إصداره لأديبنا (ثورة الأيام الأربعة) ما هي الثورة بمفهومك، وهل بالإمكان تحقيقها في معطيات الواقع العربي؟
الثورة هي ذلك العصف الذي ينجز به شعب ما تحولا سريعا في واقع معيشه. الاصلاح بطيء والثورة سريعة مثل البرق. تريد أن تنجز كل شيء دفعة واحدة. هناك ثورات يتم التهيؤ لها بالأفكار وحرث تربة القيم. وهناك ثورات تأتي مثل العاصفة، تقتلع الجذور، وتمضي. الثورات الأولى تغير، والثورات الثانية تحدث وهم تغيير وتعود الأمور بعدها إلى سابق عهدها. العالم العربي غير مهيئ لثورات حقيقية، تغير الأوضاع نحو الأفضل، لأن ثوراتنا تستهدف تغيير نظام سياسي بآخر ،بينما الثورات الحقيقية تستهدف تغيير الإنسان من الداخل. ثوراتنا تحدث دمارا وقهقرة في الأوضاع لكنها لا تمس جوهر ومسببات هذه الأوضاع…
حاورته الأديبة روان شقورة.
محررة في مجلة أزهار الحرف.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي