سنبلات مضيئة لزينة حمود والألم الذي يفجر الإبداع
يعتبر الإحساس بالألم نعمة من الله والإحساس في حد ذاته (جين) كم قلت سابقا خلقه الله حتى يستطيع الإنسان من خلاله أن يحيا دون أن يُلحق بنفسه الأذى أو يقي نفسه قبل فوات الأوان ،ذلك أن فقدان الإحساس يؤدي إلى أمراض عدة تؤدي بدورها إلى تدمير الجسد تدريجيا من دون أن يشعر الإنسان ولنأخذ على ذلك مثالا:
إذا تعرض الإنسان للدغة بعوضة تنبهه* أعصابه لذلك الخطر فترسل رسالة إلى المخ عن طريق الأعصاب الطّرفيه فيشعر الإنسان بوخز إبرة هذه البعوضة،
فيداوي الجزء المصاب وهكذا ،فإذا فقد الإحساس فقد القدرة على إدراك ما أصابه وربما تطور الألم وانتقلت إليه عدوى ما فاهلكته فكأن الألم الناتج عن الإحساس مفيد للبشر وليس الأمر مقصورا على الألم الجسدي وفوأئد الإحساس بل إن الألم النفسي لا يقل أهمية عنه ، لكن السؤال هل كل إنسان يتعرض للألم النفسي يصبح قادرا على الإبداع ؟
الإجابة لا ،فلا بد من توافر عدة عناصر تساعد على الإبداع ينبغي توافرها وشحذها على أقل تقدير من أجل أن تتفجر لديه موهبة الإبداع كاللغة والاستعداد ( الموهبة) وممارسة الحالة الإبداعية عن طريق القراءة والحفظ والاحتكاك بالمبدعين، لأن الإبداع كما قلت سابقا عملية فيزيائية بحتة والتجربة هي عمادها وهي التي تجعل المُنتج يختلف من شخص إلى آخر والإطلاع والحفظ وهو ما يسمى عند النقاد بالثقافة الشعرية وأستطيع أن أقول أن ضعف الشعر والأدب عموما أساسه عدم الحفظ وهي فرية مورثت على الأجيال الحالية حين طُلب منهم عدم الحفظ والاكتفاء بالفهم رغم أن الحفظ لا يمنعك أبدا من الفهم ،ومن خلال هذه الدعوة وهذه الفرية التي انساقت وراءها الأجيال والشعوب والحكومات والغي الحفظ وتعاملت الشعوب مع التراث دون وعي فقديما كنا نحفظ ونحن صغار ثم نفهم ولا ضير في ذلك
ومن هنا خرجت أجيال ضعيفة لغويا وتراثيا وأدبيا وإبداعيا…لكن للإنصاف ليس معنى كلامي أن الألم فقط وهو الذي يُولد الإبداع قد تكون الفرحة والنشوة والسعادة أيضا حافزا على الإبداع ، فكلاهما إنعكاس يحرك مشاعر الإنسان فيبدع .
في ومضات زينة حمود سنبلات مضيئة الخوف الممزوج بالفرح الدفين أو الفرح المبتور بسبب فقدان الوطن لضمان حياة الإنسان فيه، وفقدان الحبيب الذي ولدّ لديها نوع من الغربة الداخلية شحذت زينة ومضاتها وثقافتها في اعتمادها على اللغة والتكثيف لتدافع عن وجودها في الحياه فتعترف بالحب والألم وتصرخ صامتة في ١٤٤ ومضة
قُسمت إلى قسمين:
(الوطن والأنا) ومابين بين كليهما رحلة صوفية في حضرة الباري عز وجل واللغة والحب على لحن الخلود . حين يفقد الإنسان وطنه أو يجده يضيع أمام عينيه يشعر أن زلزالا قويا ضرب كل شيء وكسر كل شيء ولم يبقي له في المكان شيئا وقضى على وقته فلم يعد هناك مكان ولا زمان ولم يتبق إلا الخذلان
كما في ومضة رقم ٩٥ *
تعتبر الكتابة لا سيما الإبداع نوع من الوعي الخاص بالكاتب والمبدع نتيجة تفاعله مع ما يجري في عالمه المعاش إلا أن هناك الكثيرون يعيشون على أرض الوطن ولا يتفاعلون معه ،أو ربما يتفاعلون وليست لديهم القدرة على الإبداع،لكن قدرة المبدع تكمن في تحويله ما يجري إلى نظام أدبي شعرا كان أو رواية بطبيعة بلاغية أدبية مجازية استعارية تجعله يفك شفرات الواقع لتتلاحم مع شفرات النص ومن هنا يحدث الإبداع.
فالمبدع ليس معزولا عن مجتمعه ولا عما يدور حوله في العالم،فالإبداع إنساني بامتياز، ومن هنا نجد زينه حمود تتحدث عن القدس في ومضات وإن كانت قليلة كما في رقم ٥٦.
قلت سابقا أن اللغة إختيار أي إنتقاء والإبداع اختيار الاختيار أي إنتقاء الإنتقاء واللغة عبر الاختيار أداة للتعبير عما يحدث في صدورنا ويجيش فيها نوظفها لنحيا ونتواصل ونفرح ونحزن فيتجلى الإبداع وتتحرك اللغة بين محطات الحياة لتتحول إلى سنبلات مضيئة
تفتح نوافذ الأمل لعل غدا أفضل اقرأ معي ومضات :
٨٤، ٨٥ .
يلفت نظري من البداية العنوان والغلاف، فالغلاف جميل والتصميم رائع الغلاف للصديقة اللبنانية :كارول بشارة والتصميم للصديقة اللبنانية: ليلى بيز المشغرية وكلاهما عضو معنا في ملتقى الشعراء العرب، كارول بشارة أبدعت في لوحتها فجّرت السنبلات فجعلتها مضيئة فلا تعرف هل هي صورة التقطت بانعكاس ضوء على سنبلات قمح أم هي ريشة أبدعتها لتأتي اللوحة متناغمة ومناسبة للعنوان الذي أضاءته زينة حمود والسنبلة هي الجذر الحامل للحبوب من ساق نبات الحبوب كالقمح،والجمع سنبلات وسنابل والسنبلة لا تضيء وإنما تُطعم لكن الشاعرة استعارت الإضاءة للسنبلة بجامع الفائدة فكما أنها تُطعم فهي أيضا تضيء لأن سنبلاتها كلمات تضيء لها حياتها وللباحثين عن النجاة فالزرع حياة واللغة حياة والشعر حياة جميعها حيوات تحمل الحَب والحُب ومضيئة من الضوء والضوء والنور مترادفان لكن الضوء أقوى وأسطع والضوء ذاتي كضوء الشمس والنار والضوء أسرع فالسنبلات مضيئة وفي الإضاءة حركة الفعل في الومضات وإحتياج الشاعرة إلى من يضيء لها حياتها ولعل ذلك ما هو ما تبدعه يجعل حياتها في سعادة بفضل إضاءة إبداعها وكلماتها كما تحتاج إلى السرعة لأن الضوء سريع ،لعل المشهد يتغير ويصبح لبنان في أحسن أحواله، هي حالة إذا ديناميكية قائمة على طرفي ثنائي أو ثنائيين أو طرفي الصراع (الأنا والوطن) وتدور الومضات حولهما إبداعيا وثقافيا ولغويا ومن خلالهما نفهم نص زينة حمود وومضاتها فهما صحيحا ونعي منجزها الإبداعي في عدة محاور : الواقع والأنا ،الإبداع والنص ،العلقة بين الإبداع والمبدعة، النسق البنائي للومضات وفضاء التأويل ،
جماليات اللغة والإيجاز في التعبير ،
التصوف وإشباع الروح كبديل لعدم لتحقيق الأمان في ظل واقع مأزوم.
وإذا ما حاولنا تطبيق هذه المحاور على سنبلات مضيئة نجد أن زينة حمود بحكم تخصصها في اللغة استطاعت أن توظف اللغة عبر كبسولات مضيئة تتأرجح فيها بين الواقع والأنا فتصبح العلاقه بين الإبداع والمبدع واحدة ونسقها البنائي للومضات متناسق وفضاء التاويل ينفتح على جميع الإحتمالات واللغه جميلة وصورها معبرة موجزة مبحرة في عالم الجمال والابداع، تحوي ومضاتها المضيئة كل أمور الحياة مع غلبت الفعل المضارع للتدليل على الاستمرارية
مثل : يرتجى ،
يصفعون، يجول ،تصرخ تستغيث، يلامس، تصطاد، يعبرون، ترميهم، يحملون يعبر ،تعانق ،يتساقط، تتوه الخ …..إلى آخر هذا المعجم الذي يدل على إستمرارية الألم والإبداع في آن واحد رغم وضوح الحب الذي ربما أيضا أورثها الألم وكبدها معاناة واضحة أفصحت عنها في كثير من ومضاتها وهودليل أيضا على معاناتها كما في ومضات ٢٤/٢٤/٢٥/٢٦/ ٢٧ وغيرها الكثير
والملمح الصوفي واضح وهو نوع من اليقين الغيبي أمام الادراك المحسوس القائم على الحواس الخمس أو الإدراك (اليقين الغيبي) أمام الإدراك المحس القائم على الحواس الخمس، فالإنسان روح وجسد كما في ومضاتها/٩٤/١١٦/
٢٣/٣١/٣٥
/٦٦/٩٣
تدور زينة حمود مع الومضة حيث ما دارت تكتب عن ذاتها وعن الوطن وما بين الذات والوطن جاءت سنبلات
مضيئة لتضيء لنا الطريق عبر إبداع ماتع ولغة عذبة، تحية إلى المبدعة الجميلة زينة حمود وإلى مزيد من الإبداع …
الهوامش
- *
أ:د. محمد مرشحة مجلة عالم الفكر
العدد ١٩٣
الألم والإبداع الأدبي بتصرف
الإنسان وفيزيائية الإبداع للمؤلف المعجم الوجيز
أرقام الومضات حسب ترتيب الدراسة
(95)
خلتُكِ مدينة
خالية من الأحزان
فما وجدتُ بكِ
إلا الخذلان
(56)
أُريقت الدماء
في أرض القدس
العالم يحتفل
بنجاة قطة
(84)
سنابل مضيئة
تعج في المكان
البحر شاهد
وحدها الروح
تعبر سلم الموسيقى
(85)
عيناك شباك
تصطاد الأمل
من صحاري القلوب
(24)
عشقتُ دمعتي
بمرايا
وجهِكَ المتشظي
فوق أكتاف الغربة
(25)
أورق الزهر
على ضفة النهر
تلألأ وجهُك
وسرد الحكايا
(26)
ملائكة اللّيل
أمام عشقك
تصلي
في معبد الشّياطين
(27)
_ مساحات الصّمت
تنبت اذرعً للقياك
في الخيال
(23)
دوران الصوفي
رحلة
في حضرة الإله
على لحن الوجود
(31)
وحده الله
يسمع حيرتك
ينقذك
بسجدة
في جوف الحنين
(35)
مررت مرور السّكارى
فوق رصيف العشاق
ففاح عطر الياسمين
من فم العذارى
(66)
في خفايا الروح
تسكنُ أشباحَ
المعرفة
(93)
في المعبد
عويل وصراخ
على أسوار المدن
أفواه وأجراس
تنتظر بصمت وأنين
ولادة الشراع
لتنقذ الألهة
من زوبعة العشّاق
(94)
أيادي مكبلة
بأذكار المِسبحة
وأُخرى تخنقها
سلاسل من ذهب
(116)
الله كلمة
حروفها إبتهال
صداها
يحي الإنسان
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي