قراءتي لكتاب “ثلاثية العشق” للشاعرة عبير عربيد
ها هو العبير يتنفس، يتحرر من كل القيود، يلوذ بالصمت، صمت الزاهد في صومعته الذي قد يطول، يدور ويطوف حول نفسه باحثا عن الذات الصافية. وحينما يتوهج النور في روحه ينطلق محلقا بجناحي الذات الروحانية في رحلة العشق الإلهي.
وها هي تناجيه فتقول: يا من أعشق، ثم تسرد رحلتها قائلة: لاحقت حسك، صعدت على سلم ايقاعاتكُ… لتصل الى استقبال النور الإلهي.. هذا النور الذي يداوي سقم النفس.
هي لا تكتفي بحب عادي، هي تعشق، هي تحب بشغف.. ويا له من عشق ! فمن عاش بصدق هذا الوصل البديع لامس عشقا تعجز الكلمات والحروف عن وصفه.
لقد وقعت في دوامة عشقك للذات الإلهية ولا أعرف ماذا وأقول. ذاب قلبي مع كل كلمة وكل صورة إبداعية خطتها أناملك الراقية. كلمات شفافة كشفافية الروح.
الكاتبة نثرت بجمالية فائقة عشقها وبصور بيانية لا تعد ولا تحصى لكن أيضا سطرت عبر كثير من القصائد رحلة الذات وتخبط النفس وكيفية الوصول الى هذا الضياء الذي ينير قلوبنا.
فإحدى طرق تمتين هذا الوصل هي:
- الصلاة الصامتة فتحدد قائلة: “فليس حفظ الكلام صلاة ولا الركوع على الركبتين سجوداً”ا لكن تعشق على طريقتها الخاصة فتقول: “يا من عشقت هواك، اتنشقك صلاة، أحملك بين أضلعي خشوعا”، ثم تضيف قائلة: “أتنفسك في النور وأستنير بك في الظلمة”…
- وفي عالم الصمت الماتع الإنسان يستطيع ان يتأمل. وفي التأمل تعمق لمعرفة النفس. فتقول في قصيدة تحت عنوان “لحظات تأمل”: “عرفتك حين عرفت نفسي”. ولا بد هنا ان نعرف ان النفس تحمل كثيراً من التناقضات: ففيها الخير والشر، فيها الحب والحقد، الى ما ذلك من تناقضات. لكن حينما الانسان يتعمق في معرفة النفس ويختار ما هو خير لنفسه أولا ولغيره ثانيا هنا يستطيع ان يرتقي ليتخلص من تبعات النفس الأمارة بالسوء. فها هي في نفس القصيدة تحدد كيف بتأملاتها وصلت الى التحرر فتقول: “عندما تحررت روحي من قيودها، تحررت من سجانيها، تحررت من كل انتماءاتها، حين حُلّ ذلك الوثاق المادي، فسبحت في سمائك بسلام”. فهنا وصلت الى ان تعيش بسلام مع نفسها لتعيش بسلام مع الآخرين.
- في قصيدة “أبجدية المحبة” تحدد انه بالمحبة تصل الى الشفاء من عذاب الفراق، والمشاعر المحطمة وتلوث الأمس.
- الحكمة: فبالحكمة يشع نور المعرفة من الداخل كما تقول الشاعرة في تفسيرها لمقول الاستاذة نازك أبو علوان. ثم في قصيدة “دوائر” تشرح لنا كيف النفس تعيش الصراع لتصل الى نقطة النهاية في هذه الدائرة المستمرة. وفي النهاية حينما يتجلى البهاء الرباني تنعم بصفاء ذاتي فتلتقي نقطة البداية بنقطة النهاية.
- ايضا حينما ترتقي الروح لتصل الى بارئها فلا مكان ولا زمان يحدد هذا الوصل بين الانسان والإله. وهذا ما عبرت عنه في قصيدة جميلة جدا تحت عنوان “بيني وبينك”.
- السير دون تردد في درب الإيمان المطلق. وهنا تصف الشاعرة كيف سارت على هذا الدرب في قصيدة “انشقاق وانعتاق”: تشرح كيف انشقت عن المادية والسطور المرئية، كيف تخلصت من كل التقاليد ومن كل عرف ومن كل عرق من كل زمان ومكان. ورغم بعد المسافات لم تشعر بهذا البعد لأنها بالنهاية كل دائرة اوصلتها الى المنشود.
- التقرب من الله لا يشوبه أي خوف فهي لم تخف يوما “فهل يهاب العاشق معشوقه؟ ! تتجلى هذه الفكرة في قصيدة “منك واليك”.
في النهاية اقول لقد حلقت روحي بجناحيها وأنا أقرأ هذه الكتابات الروحانية واتمنى لك دوام التألق والإبداع.
منى دوغان جمال الدين
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي