جماليات القبح في الشعر العربي خاصة وفي الفن عامة
القبح مصطلح نقدي حديث وهو شكل من أشكال الجمال.
مفهوم جماليات القبح يبرز انطلاقاً من أن الجمال هو الحقل الإبداعي الذي لا يعني بالضرورة التقاط الجمال وتجسيده إنما هو معالجه شيء أو فكره أو مشاعر بأسلوب فني ولغة بصرية لها جمالياتها ودلالاتها العميقة وقدرتها على التأثير على المتلقي مما يجعل أي عمل إبداعي جميلاً أو غير جميل لا علاقة له بالشكل إنما بالمضمون.
ارتبط الجميل دائماً بمعايير محدودة ومقاييس مدروسة بينما ارتبط القبح باختراق هذه المعايير والمقاييس كلها فلا حدود للقبح بينما الجمال محدود .
لهذا اهتمت الفنون المعاصرة بهذا المفهوم كمفهوم استاطيقي ( أصل كلمة Aesthetics يونانيّ (إغريقيّ) وكان يُقصد بها العلم المتعلق بالإحساسات طبقًا للفظ Aesthesi، الفيلسوف بول فاليري قال: علم الجمال علم الحساسية وفي الوقت الحالي اصطلح البعض على تسميته كل تفكير فلسفي بالفن، فالاستاطيقا فرع خاص بدراسة الحس والوجدان ) يمكن التعبير عنه كرؤى فنية واجتماعية وسياسية وفلسفية
قيمة القبح وأثرها وكيف تجلت الصور الشعرية الموغلة في القبح استثمار الطاقات والإيحاءات للمدركات الحسية والذهنية يسهم بإبراز التجربة الجمالية لفهم القبيح يجب أن نفكر بالمفهوم بحد ذاته فبعض الأشياء مفهومة بكل معانيها وحجمها.
أما بالنسبة لجماليات القبح عبر التاريخ فقد اختزل الفلاسفة والنقاد القبح في الفن حيث لم يكن مشكلة بل كان عدم وجود، حرمان، خيبة أمل ، و الشيء القبيح هو فشل الجمال في أمر ما يعني عندما يفشل الجمال بأمر ما عندها يكون قبيحاً.
تؤدي الازدواجية من عدم وجود الجمال والقبح أو فشل القيح بأن يصبح جميلاً إلى تشكيل (لحظة من الفن )حيث يكشف القبح والجمال عن أصالة معينة وجودية، فالقبح هو غياب الصفات المطلوبة في المنظور العام الجمعي ،و هو عدم الرضوخ لقواعد معينة، أما الجمال فهو( التوافق) بينما القبح هو( عدم التناسب والانسجام) الذي يؤدي بالضرورة إلى التنوع. هذا ما كتبه أفلوطين في تاسوعاته.
أما بوليكتس يقول أن القبح هو (النقص والافتقار الى الروحانية )غياب البنية والوحدة الروحانية والنتائج هو علامة من علامات القبح.
أما القبح في الشعر فهو شيوع القبح في العالم الخارجي الذي انعكس على النص الشعري منذ العصر الجاهلي مروراً بعصور الخلافة وحتى الزمن المعاصر .
قدم د. فندي الدعبل محاضرته في ملتقى القصة القصيرة بعنوان (جماليات القبح في الشعر العربي) كانت المحاضرة تحتوي على محاور ثلاثة حيث قدم لمحاضرته بمقدمة عن علم الجمال وتناول إشكاليات القبح موضحاً ذلك بالعديد من الأمثلة من النصوص الشعرية القديمة والحديثة .
جلسة غنية جداً بوجهات النظر من الحضور النخبوي أدباء وفنانين تشكيليين وشعراء وكتاب قصة قصيرة وروائيين.
من هذه الآراء :
أ. نسيب سليمان أكد على أن النقص في القبح هو ما يجعله منبع للعطاء و إعادة التدوير هو نوع من أشكال تصنيع القبح بشكل جمالي موحي .
أ. سمير أبو غازي رأيه أن جمالية الحداثة الشعرية خرجت عن السائد والمألوف لذلك أصبحت حدثاً ضرورياً وواجب .
أ. محمود خزعل قال أن الحياة حاجات تحدد المواقف وهي انعكاس لواقع معين يقوم على جانبيه الرؤية الواضحة بماهية الجمال والقبح .
أ. علي أبو عسلي وهو فنان تشكيلي قال انه لا يوجد فكر مستقل ولا مادة مستقلة . لذلك تعود رؤية الجمال والقبح للشخصية بناء على موقف شخصي بحت ونسبي تماماً انطلاقاً من الشخص ذاته .
د. إحسان قنديل إن الجمال نسبي ولكن هناك نسب متفق عليها في كل مجتمع وفي كل بيئة.
أكدت أ. عبير أبو شهادة على أن البيئة تلعب دوراً هاما في
هوية الجمال والقبح .
أ. نجيب جربوع أكد أن القبح والجمال متضادان لا يجتمعان .
أ. نهى عبد الصمد تؤكد أن الجمال هو الانسجام ،وجمالية القبح تكمن في جمالية التصوير للقبح .
كان هذا ما أوردته أ.نسرين الحسين المنحى للجمال المادي هو الخروج عن المألوف فكان هذا المقياس الجمالي للمجموعات البشرية لذلك السلطة تفرض مقاييس معينة للجمال .
أ. اكتمال برجاس أكدت أن إظهار القبح بشكل جمالي هو عمل إبداعي خالص.
أ. زيدان عبد الملك الجمال والقبح متزاوجان ويعودان للعامل الشخصي مبرزًا أن أي عمل فني هو قدرة المبدع على إخراج جمالية معينة من قبح موقف ما .
ضيفا الجلسة (أ. حسين قرضاب يقول معايير الجمال التي اختلفت عبر الزمن ولكن لتوظيف الفكرة أساس في الفن والإبداع.
أ. فيصل عزالدين قال إن المتلقي هو من يفرض نسبة القبح والجمال حسب بيئته ومعطيات مكانه حسب شروط يجب أن توضع لتقييم الجمال والقبح.)
أ. جهاد مقلد يؤكد أن مفهوم القبح والجمال منظور شخصي نفسي بحت .
أ. منيب صادق تقبيح الجميل أو تجميل القبيح مسألة ليست بريئة تنتمي لجذر سياسي أو جذر اجتماعي كل توثيق للجمال والقبح ينبري من نقطة إعلامية وتسويقية ،فقط الأدب والشعر بريء بنظرته للقبح والجمال بشكل موضوعي .
أ. خلود أبو يزبك العرب لهم دور الريادة العالمية في الشعر لذلك استخدام جماليات القبح عائداً للبيئة والوضع النفسي والوضع الاجتماعي للشاعر أو الفنان أو الأديب ونهاية للكلمة أكبر أثر في التطوير الإبداعي.
أ. أحلام أبو عساف رؤية الجمال والقبح تحتاج وعي مضاعف او ربما مبدع الأدباء والشعراء يحملون مسؤولية توثيق للجمال وتجميل القبح للإضاءة عليه.
أ. رودينا نصر لا يدرس القبح منفصلاً ،التعبير عن الجمال سهل إنما التعبير بتحويل القبح إلى جمال يحتاج إلى ذائقة والى مبدع لديه منظومة فكرية ولغوية بمعرض الحديث ورد أن القبح إشكالية وهو نسبي تماماً.
في المحور الثاني من المحاضرة أسهب الدكتور فندي بتناول أنواع القبح هي قبح جسدي وقبح معنوي موردا العديد من الأمثلة الشعرية و الروائية مقتبسا حلوها حيث توسع قائلا :
يختلف القبح بين المنظومات المختلفة أي أن كل قبح في كل بيئة يختلف عنه في البيئة المغايرة لها ،بمعنى أن ما نراه قبيح ربما في مجتمعات أخرى يكون جميلاً او قبيحاً بنسبه أقل أو أكثر.( براي الشخصي أن القبح في الشعر كان على مبدأ الهجاء دائما يعني القصائد التي كانت تهجو كانت تستخدم قبح المواقف لتصيغها على شكل أبيات شعرية توثق الحالة الاجتماعية أو الحالة السياسية التي كانت سائدة في العصر الذي نُظمت فيه تلك الأبيات.)
أما القبح المعنوي فهو يتناول الجماعة والقبيلة كما ورد أي أنه يخرج من منظور شخصي و يتجه نحو العقل الجمعي أو الفكر الجمعي لأي مجتمع .
و برأيي الشخصي بعد قراءة العديد من الدراسات والمقالات التي تناولت الموضوع أن الحياه قائمة على ثنائيات فكان استغلال القبح لإظهار الجمال واحده من أبرز التقنيات التي استخدمها الشعراء في أشعارهم على اختلاف الثقافات والعادات الإنسانية و تكريس فكره وثقافة المجتمعات هو ما أبرز القبح في الفن وفي المجتمع حيث أن السلطة في أي مكان قامت بتعزيز وتكريس أفكار معينة ووضع معايير محددة للقبح والجمال يسير عليها العقل الجمعي .
إن تعمقنا أكثر فان المقارنة تظهر القبح والرؤية الشخصية أيضاً تختلف من شخص لآخر في تحديد نسبة القبح في أي عمل فني و إبداعي .
دائما الفكرة هي أساس ،(الجمال والقبح) هما ليستا تقنيتان قائمتان بحد ذاتهما بل( الفكرة )هي التقنية القائمة بحد ذاتها، والقبح والجمال متلازمان ضمن الفكرة .
عندما يكون هناك شروط لتقييم الجمال فإنه يصبح محدود أو بالأحرى ما يجعل الجمال محدود جعله مشروطاً، بينما القبح يبقى دائماً بمعزل عن هذه الشروط لذلك يكون حراً دائماً.
إعداد وتحرير نادين الشاعر
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي