البنائية التكوينية وقصدية المكان
في “ديوان فاطمة” لياسين طه حافظ
مؤيد عليوي
المجموعة الشعرية “ديوان فاطمة ” للشاعر ياسين طه حافظ صادرة عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب ٢٠٢٢ ،
اما البنية عند غولدمان : (النظام أو الكلُّ المنظم الشامل لمجموعة من العلاقات بين عناصره؛ هذه العناصر التي تتحدّد طبقاً لعلاقاتها داخل الكلِّ الشامل.. فالبنية “شمولية” تختلف عن الحاصل الكلي للجمع، لان كل مكوّن من مكوناتها لا يحمل نفس الخصائص إلا في داخل هذه الوحدة، وينتج عن ذلك أن البنية غير ثابتة إنما دائمة ” التحوّل”، وتظل توّلد داخلها بنىً دائمة التوثب.. وهذا التحول ينتج عنه “التحكم الذاتي” للبنية) أ.د عهود ثعبان الأسدي، البنائية التكوينية والبلورة الغولدمانية، منشور في موقع جامعة كربلاء، تاريخ النشر ٢١ / ١٢/ ٢٠٢٣ .
قصدية المكان أن الشاعر أراد المكان في نصه الشعري عن دراية وصناعة عزز بها موهبته الشعرية ليكون المكان زمرا معبرا عن دلالة محددة يريدها الشاعر ياسين طه حافظ ،
أما عنوان المجموعة الشعرية “ديوان فاطمة ” فكلمة ديوان تعود بالمتلقي المبحر بالقراءة والبناء المعرفي وهو للنخبة من المتلقين -وليس القصد غير ذلك بالنخبة – ، يعود بك الى الشعر ديوان العرب قبل الاسلام وبعده، ويعود الى الشعر العمودي المدوّن كما ديوان المتنبي، أو ديوان من العصر الحديث لما يتبادر لذهنك، وقد أوجد مثل هذا المسمى المتصل بالموروث الشاعر أدونيس عندما اطلق اسم ” الكتاب ” على شعره وهو متصل بعنوان كتاب سيبويه في النحو ، و “ديوان فاطمة ” يشير حتما أن نصوص المجموعة الشعرية فيه متصلة بفاطمة فقط، والتي تمثل عند الشاعر رمزا شعريا كما كتب في التمهيد من مجموعته هذه 🙁 أنا اخترتُ هذا الاسم ووظفته في قصائدي منذ ١٩٨٥..واليوم أجد في “فاطمة” رمزا يأخذ بيدي في المدائن النائية ليوقفني أمام القرار الأخير في البحث عن معجزة أو المعنى .. أما لماذا هذا الاسم ؟ فأعتقد بانه اسم يجمع بين الجلال والجمال، فتحتويه القصائد.)، من هذه الكلمة (الجلال والجمال) يتبادر السؤال مَن يرى الجلال والجمال المثالي؟!، مَن ينشغل بذلك التجلي؟ العاشقون فقط من يبحثون عن جلال وجمال المعشوق المثالي الكمال كله كما يتخيلون.. نجد امثال هذا في شعر المتصوفة ورموزهم الشعرية، من هذا المدخل النقدي الأدبي الذي وجدته من اسهل المداخل للقارئ عموما، وإشارة للمتلقي المتبحر أن المجموعة الشعرية ” ديوان فاطمة ” تنقسم الى قسمين الجزء الاول منها رحلة في مثالية العشق أو تشبه السَفر الصوفي أو سَفر العرفان، وهذا الجزء في النصوص الاربعة الاولى ص ( ٧- ١٦)،ثم تأتي نصوص فيها بعض الواقعية ثم تتعشق النصوص الشعرية بين هذا وذاك ، ثم نصوص الحياة اليومية من حياة الوجود والواقع وحركة الناس، إذ العناصر الداخلية في البنية /النص الواحد تتصل بعناصر داخلية لجميع النصوص المكوّنة ل”ديوان فاطمة ” فضلا عن أن اسم فاطمة متوافر في اغلبية ساحقة للنصوص، واسم فاطمة له طاقته الرمزية المشعة بعلاقات مع نصوص المجموعة برمتها اينما وجد كأنك تقرأ قصيدة واحدة أو نصا واحدا عنوانه ” ديوان فاطمة ” ، فيما كان المكان يجسد تلاقحا ثقافيا بين الثقافة العراقية والثقافة الفارسية من خلال توظيف المكان ضمن البنائية التكونية ل”ديوان فاطمة” في البنية الواحدة /النص، ففي البنية/ نص “وأنا بانتظار فاطمة ” نجد الثقافة العراقية من خلال المكان/ “مقهى الشابندر ” يأخذ مأخذه من النص: ( لست وحيدا / لي في الاحياء الرثة مَن يقرؤني/ لي في الشارع من في نظرته شكر عن شيء،/ عامل” مقهى الشابندر” يهمس لي :/ ” ما تكتبه حلوٌ، هل تطلب شيئا؟ / لو أنك تكتب عني !” ) ص ٢٣ فالمقهى هنا فعلا هي المقهى لكنها أي مقهى فاسمها يشير الى شارع المتنبي ، لكن نجد تلاقحا انسانيا في نصوص الجزء الاول خاصة فأصفهان لم تكن المدينة / المكان بما تحمل من تاريخ قديم أو حديث، كانت اصفهان رمزا انسانيا فالسرد الشعري من نص ” اصفهان “: ( سوف نقضي الليلَ والنهارْ ،/ والليلَ والنهارَ حتى نكشف السرَّ/ فأصفهان ْ/ تخفي ، وراء هذه القصور والمبان / أصفهان !/ لكن نسمات من الاقاصي/ مرّت عليهم ، اسكر الشذى / ارواحهم ، فكل واحد / امال رأسه، غفا./ فاطمة، الصبية التي/ تأتي لهم بالخبز والاخبار كل يوم / رفَّ عليهم صوتُها / كأنه من خارج الدنيا ،يمسُّ/ الرحل الغافين في العراء :/” استيقظوا ! استيقظوا!/ فاتكم الوقت ، فأصفهان ! / مشرقة يتبعها عشّاقها/ مروا وانتم نائمون / اولاك هم يبتعدون الآن/ وهذه العجاجة / وراءهم لكي تصدَّ عنهم العيون../ ” ظلوا هنا أو غادِروا / فلن تعود بعد اصفهان ! “) ص ١٥ – ١٦ في هذه السردية واغلبها من قول فاطمة الرمز الاشاري كدليل للمارين بحثا عن الجلال والجمال والعشق الذي عبر عنه الشاعر ياسين طه حافظ بأصفهان، فيما يصف الشاعرُ غيابَ فاطمة الرمز للعشق هذه المرّة في نص ” عاشق فاطمة “( خلف تلال اصفهان في المساء / .. نسمع ضرب عود : “فاطمة / فاطمة غابت ولن تعود ” ) ص ٢١ ، ثم نجد فيما تقدم جزءا من طبيعة اصفهان وهي صحراء ” ورزنه ” الرملية التي فيها تلال الرمل، فحوّلها الشاعر الى مدينة شعرية فيها حياة وضرب عود وسؤال وجواب .. إذ (الشعر لغة داخل لغة ) كما يقول الفرنسي جان كوهين، أما في نص “عاشقات اصفهان” فان المكان/ اصفهان فيه قد اخذ محلا في الاقتباس الآتي : ( في زحمة الحقائق الصلبة / هل نصدق الخرافة؟ / اني وبعد عشق فاطمه والحب كالنار بأصفهان،/ ارجع مثلما/مرتحل القى به الموج/يعيش في العالم وحده) ٣٦فالحب نار تأكل صاحبه وهومقدس عند الشاعر فلا يريد ان يطفاه ولا يستطيع معه سبيلا كما النار التي كانت مقدسه في اصفهان وهو توظيف قد سبقه به عبد الرحمن منيف عندما جعل عنوان رواية له “قصة حب مجوسية ” ويريد المعنى ذاته ،وهو توظيف الشاعر لثقافة انسانية عامة من خلال المكان / اصفهان .
وقد وظف الشاعر المكان / عبادان بوصفه مكانا يجمع بين الثقافة الفارسية ببعدها الانساني والثقافة العراقية العربية ببعدها الانساني من حيث هو شاعر اللغة العربية وعراقي ؛ فجعل عنوان النص ” الشاهنامة في قطار عبادان ” ص ٦٧ ، وهكذا تجد المكان يأخذ مأخذا شعريا في البنية / النص ، فيخرج من مكانا عام الى خصوصية النص له علاقاته الخاصة ضمن البنية الواحدة مكونا اواصر قوية متصلة بالبنيات الاخرى في البنائية التكونية التي اعتمدها الشاعر حتى في رصف النصوص عندما بدأها بالتمهيد عن اسم فاطمة ثم النصوص الاربعة الاولى وقصديته في توظيف المكان شعريا .
حديث اليراع للأديبة جمال عبيد والهم العربي بقلم /ناصر رمضان عبد الحميد
حديث اليراع لجمال عبيد والهمّ العربيّ بقلم رئيس ملتقى الشّعراء العربناصر رمضان عبد الحميدـــــــــحديث اليراع حَديثُ اليراعِ هوَ الكِتابُ الثَّالِثُ...
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي