دراسة ثقافية
في نسق المنتوج الكتبي ومحاولة التأصيل للأبداع
مؤيد عليوي
توافرت فرص طبع الكتاب في العراق بعد ٢٠٠٣،بشكل لافت ومع كثرت المطبوع منه بين مدّ وجزّر في المحتوى أو الفحوى ، كنتُ باحثا عن نماذجَ تهجرُ الاتباع وتدعو الى الإبداع أو تحاول تأصيل الإبداع العراقي وأثره في الثقافة للعربية الحديثة والمعاصرة، من حيث النظرة الإنسانية والعمق المعرفي للمبدع من مثل شخصية عزيز السيد جاسم التي صدر عنها كتاب هدية مجلة” الأديب العراقي “، مُعنون ب ” الخبء والكلمات..لقاءات وحوارات مع المفكّر عزيز السيد جاسم ” بما تنطوي كلمة العنوان الاولى ” الخبء و الكلمات ” حين اضاف علي نجل الشهيد المفكّر عزيز السيد جاسم – استشهد في سجون النظام السابق بعد اعتقاله ١٩٩١ – ، ما لم تنشره المجلات والصحف، مع ما أرسله عزيز السيد جاسم للصحف ولم يكن حوارا في ملاحق نهاية الكتاب وقد اضافها رئيس تحرير مجلة” الأديب العراقي” د. علي متعب جاسم كما جاء في مقدمة الكتاب الهدية،
عندما نقرأ الكتاب لا ننسى أنها صدقيّة مبدع في وقت مضى منذ أن باشر المُحتفى به مبدعا اقصد الذي اسمه يزين الكتاب الهدية، منذ وقت بدأ رحلته الكتابية مع مجلة ” الآداب” البيروتية مطلع الستينات، وهو يخط لنفسه أسلوبا خاصا به ، لفت انتباهي رأيه بتفرد أدونيس علي احمد سعيد، الشعري الذي خلق له عالما خاص به أيضا في قصيدة النثر، أنْ عزيز السيد جاسم كان ينجذب بصدق صوب الابداع الحقيقي غير الخاضع للاتباع، وقد عبّر عن هذا في كلمته من الكتاب “خبء الكلمات” عن الامام علي بن أبي طالب ع مبدعا إنسانيا ثقافيا وفكريا وسلوكا اجتماعيا، هما يتفقان اقصد أدونيس وعزيز، على هذا في محور تفكيرهما كانت كلمة عزيز السيد جاسم :(أنني أطمح أن اتعلق بعمود النور الالهي، والعدل، والحق، والصدق، والحفاظ على الفطرة الانسانية النبيلة، أكثر من ميلي الى التعلق بالذاتي، فالذات محاصرة كما قال الشامخ – علي بن أبي طالب – بين (البقعة)و(الشرقة ) و(العرقة) أما النور فهو اللغة السرمدية هنا) نلحظ اثر عليا ع في شخصية عزيز السيد جاسم ، حتى أن نجله البكر اسمه “علي ” ، ففي سلوك عزيز المثقف والمفكر لا نجده يتبع جهة ما ولا شخصا ما بقدر ما بحثه عن القيم التي ذكرها كملته، وهذا من أثر شخصية الامام علي ع الذي لم يبتع احدا قبله في طريقة العيش والتعامل مع احداث وقته، فهو الاول في الكثير الكثير من نسق الثقافة العربية الذي لم يدوّن كثقافة بل دوّن بطريقة السلطة في أول التدوين عند العرب، فهو أول من رفض الحكم وقال كلمته الشهيرة كما جاء في نهج البلاغة من خطبة له لما أُريد على البيعة بعد قتل عثمان (دعوني والتمسوا غيري، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجةَ قد تنكّرت ،واعلموا أني إن أجبتكم ركبتُ بكم ما أعلم، ولم أصغِ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمَعَكم وأطوَعَكم لمَن ولّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً، خيرٌ لكم مني أميراً)، والخطبة تتفوه بإبداع الموقف غير المسبوق في ظروف لم يألفها قومه من قبل، كذلك علي اول من اختار عاصمة لحكمه أول من أسس الشِرطة عند العرب والاقرب للفقراء دون تمييز منه بين فقير وفقير، أما أدونيس الذي عشق عليا فينطلق بكتابه “الابداع والاتباع عند العرب “محللا التاريخ العربي من زاوية الابداع فقط بحسب رأيه الناقد، وهذا النقطة مهمة لتلقتي عندها شخصية عزيز السيد جاسم وشخصية أدونيس وهما مما تأثر بالأمام علي ع بوصفه مبدعا انسانيا ومثقفا عربيا يمارس الحياة اليومية بنظرة إبداعية غير مألوفة عند قومه الذين آثاروا أن يبقوا على الاتباع في الكثير من حياتهم اليومية.. ربما هذه النقطة لم يلتفت لها الكثير ممن كتبوا عن عزيز السيد جاسم لإهتمامهم بالمظهر دون الجوهر منه، كان الجوهر عليا ع في عمق وأصالة الموروث الابداعي ، كان عليا قوة تدفع بعزيز السيد جاسم الى الامام في مظهر اليساري المحنك المتمرد على الجهوية التي تريده تابعا لها مهما كانت تلك الجهة كما تجد هذا في تعامله الثقافي اليومي وصدق حواراته وتركيبة شخصيته التي ترفض الخضوع التي انتهت به ان يقضي في سجن الدكتاتور سنة ١٩٩١ ، وهي السمة التي جعلته مُؤثرا في الثقافة العربية كما جاء في الكتاب الهدية باسمه، كان عليا قوة خلق إبداعية في داخله باتجاه الابداع الادبي والفكري والثقافي الحديث والمعاصر.
ومن اللحظة الابداعية ذاتها التي تبحث عن الابداع نجد مجموعة شعرية للشاعر عبد الحسين برسيم بعنوان لافت” المنطقة الخضراء .. نصوص في استنطاق المكان ” يحمل اكثر من معنى متصل بنصوصها منها نص ” الحرس القديم ” الذي به تكوّر معنى العنوان المكان “المنطقة الخضراء” بدلالة السلطة القديمة الجديدة فالنص يبوح برفض عسكرة المجتمع الذي منه الافراد وهم يساقون للعسكرة بفعل السلطة المكان قديما وحديثا في كل نظام :
( الحرس القديم
يجيدون القاء التحية العسكرية
وينسون السلام
لأنهم رضعوا الحرب
من السواتر العتيقة
وعظام الجنود هناك
المنسيون في الاستعراض العسكري
في مناسبات الحرب الوطنية
التي لا تنتهي مقلعة اوسمتهم
التي طالما
تذمرت نسوانهم
منها
لأنها مرتع للغبار
والعناكب
الجنود المستجدون
لا يستعدون لهم
في الطرقات
حيث معسكرات التدريب
على الموت
وبيتسمون
لانهم
بعد حرب او حربين
سوف يكونكون
ايضا
الحرس القديم )
كما يذهب العنوان” المنطقة الخضراء ” الى حياة الناس ومعاناتهم في بيوتهم وهي أيضا منطقة خضراء أمنه بما تعني المنطقة الخضراء من اصطلاح سياسي وأمني، لكن لها معاناة ينطق بها المكان في نص ” المطلقات الصغيرات ” في خمس مقاطع مُعلَمة من ١الى ٥ ، فالنص يتفرد بلغة جديدة كما النص السابق في لغته غير المألوفة، اذ نقرأ في ١
( الصغيرات على صبر المنازل
وترتيب مائدة الطعام
يعزلن الورد من الاواني
وينثرن القمح للعصافير
في المساء
لم يبق للعائلة
إلا صورة الجوع )
الصغيرات متصلة بعنوان النص مطلقات فالجوع هنا له معنى الحاجة للرجل بعد طلاقهن ، النص بمقاطعه الخمس يلقي اللوم على اهلهن واهل ازواجهن الصغار مثلهن في السعي للزواج المبكر دون حسابات مسبقة، لكن اللوم كان بطريقة خفية يقع خلف المعنى الظاهر عندما تقرأه ستراه ، كما يذهب عنوان المجموعة الى معاناة الاسرة العراقية من كلمة” البيت او الدار ” فهو منطقة خضراء آمنه لكن فيه معاناته ، بسبب المنطقة الخضراء رمزا للسلطة وفعلها المؤثر دائما في حياة المجتمع المتكون من عوائل وأسر في نص ” بيت ابي ” ونص ” حارس العائلة” دون النظر الزمان او الوقت للسلطة بل المكان/ البيت من ينطق بمعاناة الناس حيث الخاص في ذاتية الشاعر للتعبير عن العام من خلال ما ينطق به المكان وقد كتبت أ.د رائدة العامري عن المجموعة الشعرية ” المنطقة الخضراء .. نصوص في استنطاق المكان ” ( يعد الديوان تجربة فريدة من نوعها لاستنطاق المكان بصورة أدبية رائعة، وينتقل الشاعر فيه ببراعة من الابعاد المتنوعة إذ ينجح في استكشاف عواملها الداخلية بشكل مثير؛ ليعكس العمق والغموض الذي يعيش فيه ) ص ٦ من المجموعة الشعرية للشاعر عبد الحسين برسيم ، الصادرة عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق سنة ٢٠٢٤ .
السيرة الذاتية والأدبية للقاصة السورية وفاء الخطيب
الاسم : وفاء الخطيب – wafaa alkhatb الجنسية : سورية مكان الولادة : محافظة السويداء swaida تاريخ الولادة : 26-02-1959...
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي