حوار مع سوزان عون.
شاعرة وأديبة لبنانية -أسترالية، تجمع بين الجانبين الأكاديمي والإبداعي. حصلت على شهادات في إدارة الأعمال، التربية، والعلوم الإنسانية من لبنان وأستراليا. عملت كمدرّسة ومشرفة لدورات اللغة العربية والقرآنية في البلدين.
منحتها مسيرتها الأدبية العديد من الجوائز والشهادات التقديرية من مؤسّسات وجامعات دولية مرموقة مثل جامعة ستراسفورد الأميريكية، ورابطة العالم العربي في المهجر بفرنسا، والاتّحاد الدولي للفنون والصحافة والإعلام في لبنان. كما حصلت على تقديرات من وزراء ومسؤولين في أستراليا ولبنان تقديراً لمساهماتها الثقافية والأدبية.
تولّت عون مناصب مرموقة منها مديرة البيت الثقافي العربي في أستراليا، ومستشارة لرابطة العالم العربي في المهجر، وسفيرة لجمعية حواس في لبنان. كما أنّها من المؤسّسين لملتقى الشعراء العرب ومجلة أزهار الحرف في مصر.
شاركت في العديد من الأمسيات الشعرية في سيدني وملبورن ولبنان، ونشرت نصوصها في العديد من المنصّات الإلكترونية والصحف الورقية اللبنانية والأسترالية. تُرجِمت قصائدها إلى الإنجليزية والفارسية والبرتغالية، وكتبت عنها العديد من النقاد البارزين، وصدرت لها مؤلفات شعرية عدّة.
تتميز عون بأسلوب شعري فريد يجمع بين العاطفة العميقة والتعبير الراقي، ما يجعلها واحدة من أبرز الأصوات الشعرية في العالم العربي وأستراليا.
من هنا كان لمجلة أزهار الحرف معها هذا الحوار، حاورتها جميلة بندر:
١.لقد قدّمتِ مساهمات ملحوظة في عالم الأدب والشعر، كيف بدأت رحلتكِ الأدبية، وما الذي ألهمكِ للكتابة؟
رحلتي مع الشِعر، رحلةُ بحّارٍ دفعهُ عشقهُ ليجوبَ البحارَ طلباً للمعرفةِ والاستمتاع في قاربٍ من الدهشةِ والجمال، ليكتشفَ ما طابَ لهُ من شواطئ الأدب العربي.
بالشِعر، أكتبُ ذاتي، أكتبُ نفسي، وحروفي هي انطلاقُ النورِ من بينِ جوانحي.
وهو أيضاً، شعلةُ النورِ والنار، في كلِّ صحراءٍ ومهجر، وواحةُ أملٍ وظلُّ خميلة، في هاجرة الصيف.
أما الإلهام، فهو الشغف الذي سكن روحي منذ نعومة أظفاري وجعل مني سوزان التي ترونها اليوم.
والشِعر والكتابة كانا وما زالا، موهبتي التي أحبّ.
الطموحُ عندَ الإنسانِ لا يقف إلّا بموته، وأنا أرى نفسي ما زلتُ في أوّل الطريق، والمسيرة ما زالت أمامي طويلة.
لا أنكر أنّ الكتابة منحتني الكثير والكثير من الآمال والأمنيات، تحقّق بعضها، وأنتظر تحقيق المزيد.
٢.كيف أثرتْ خلفيتكِ الأكاديمية في إدارة الأعمال والتربية والعلوم الإنسانية على أسلوبكِ الكتابي وموضوعاتكِ الأدبية؟
العلمُ والأدبُ والثقافةُ والفنّ، فنونٌ مُتّحدةٌ متوافقةٌ مع بعضها البعض، يشدّونَ أزرهم لرفعِ مستوى العمل الإبداعي عندَ كلِّ مهتمٍّ بالكتابة، وكلما زاد حجم المحتوى الثقافي العلمي المبني على أسس علمية سليمة، كانت الكتابة الإبداعية أفضل بكثير ودفعت الكاتب إلى إكتشاف المزيد من الأفكار الخلّاقة.
٣.هل يمكنكِ أن تشاركينا تأثير الجوائز والتكريمات التي حصلتِ عليها من مؤسسات دولية ومحلية على مسيرتكِ الإبداعية؟
التكريماتُ والجوائزُ وشهاداتُ التقدير، ما هي إلّا مسؤوليات كبيرة على عاتقِ الإنسان، قد تدفعهُ إلى مزيدٍ من الإبداعِ، أو قد تحوّلهُ إلى شخصٍ متكبّرٍ أناني، لا أنكرُ فرحتي بها، ولكن أقول مُجدّداً بأنّها حمّلتني مسؤليات ثقيلة جمّة، ودفعتني لأشتغل على نفسي وترتيب أفكاري أكثر، لكيلا أكرر نفسي في كل مرّة أكتب بها.
٤.من خلال تجربتكِ كمشرفة ومدرّسة لدورات اللغة العربية والقرآنية في لبنان وأستراليا، كيف تقيّمين تأثير هذه الخبرات على كتاباتكِ؟
لم أكن أتوقعُ أنْ يكون للتدريسِ دورٌ كبيرٌ في مسيرتي الكتابيّة إلا بعد أن اشتغلتُ في هذا المجال حقيقة، والذي كان حِصناً حَصيناً لي، فالثقة التي منحها لي من خلال ترداد المعلومات يومياً للطلبة، جعلني أقفُ على أرضٍ قويةٍ متمكّنة، وأمتلكُ إجاباتٍ تفي بالغرض، تشفي غليل السائلين، تماماً مثلما يحدثُ للكاتبِ عند كتابة قصيدة، رواية أو قِصّة، فكلّ أنواع الكتابةِ، تحتاجُ إلى إدراكٍ عميقٍ وثقةٍ بالنفسِ.
٥.حصلتِ على عدة شهادات تقديرية من مؤسّسات وممثلين حكوميين في أستراليا ولبنان، كيف انعكست هذه التقديرات على تطوّر مسيرتكِ الأدبية؟
بكلّ بساطة، سعادتي بها جعلتني أشعر بالفخر والاعتزاز بأنّ هناك من يُقدّر الكلمة العربية الأصيلة والشِعر ويكن للأدبِ كل الاحترام والثناء. أمّا التطوّر الذي سألتِ عنه، فما زلتُ أشتغل عليه وأجتهد لأكون من مصافِ الشاعرات اللاتي يفتخر بهن وطني الأول لبنان ووطني الثاني أستراليا.
٦.في كتابكِ “ليلى حتى الرمق الأخير”، كيف استلهمتِ هذا العمل وما هو الدور الذي يلعبه في تكوين تجربتكِ الأدبية؟
كتابي الشِعري “ليلى حتى الرمق الأخير” محطةٌ مُهمّة في حياتي، بهِ ولجتُ إلى عالمِ الأدب بالقصيدةِ النثريّةِ الجميلة والكلمة المميزة التي لا تشبه أي كلمة كتبتُها سابقاً.
أعتبرهُ خلاصةَ حُبي للشِعر النثري “المفهوم” غير المتداول عليه بين أكثريّة كُتّاب القصيدة النثرية الغامضة، فترى ما يكتبونه غارق بالرمزية والغموض ويبعد القارئ عن الواقع الحقيقي لأصل الكتابة الإبداعية للقصيدة.
وأعدّ كتابي الثاني “ليلى حتى الرمق الأخير”، نقلة نوعية كبيرة في أسلوبي وتعاملي مع النص الشعري النثري، ابتعدتُ عن النص الموزون، بنصٍ حرٍّ، يؤرّخُ كلّ لحظة من الصورة الشعريّة التي أعيشها، ما منحني تحليقاً خاصاً بي، أحبّه وأرتاح فيه، أجد نفسي وأجد صوت سوزان عون الحقيقي، بعيداً عن التزييف والخداع أو المبالغة.
٧.نلتِ المرتبة الأولى في كتابة القصة القصيرة من الراديو الأسترالي SBS. كيف تقيّمين هذه التجربة مقارنةً بكتابة الشعر؟
أرى ما قامَ به الراديو الأسترالي قبل كل شيء، خطوة مهمّة يُشكر عليها لأنه سعى وما زال يسعى بخطى قوية للحفاظ على اللغة العربية في بلاد المهجر كأستراليا التي تعتبر جغرافياً بعيدة جداً عن بلاد العرب والمتحدّثين باللغة العربية، حتماً لهم كل الشكر والتقدير، وفوزي بالمرتبة الأولى، مرحلة مهمة في حياتي دفعني للاستمرار في كتابة القصّة.
والشاعر أو الكاتب قد يبرع في مجال واحد، أو قد يمتلك الفنّ بمعظم تشعباته مما يجعله ذو قدرة فائقة على تقديم أنواع شتى من كتابات ومقالات أو قصص.
٨.شاركتِ بنصوص مترجمة للإنكليزية في الأنطولوجيا العالمية للشعر، كيف تتعاملين مع عملية الترجمة، وما هي أبرز التحديات التي واجهتكِ أثناء ترجمة بعض قصائدكِ إلى لغات مختلفة، مثل الإنجليزية والفارسية والبرتغالية؟
صراحةً أشكرُ الصديقة المتميزة جداً الشاعرة تغريد بو مرعي، والصديقة الأستاذة مينا غانمي على ترجمة بعض النصوص الشعرية إلى لغات أخرى عالمية، هي خطوة ممتازة جدا لتعريف العالم العربي والأجنبي على ما نكتبه. التحدي الوحيد هو إيصال المعنى الحقيقي للمعاني في اللغة العربية وبلاغتها، وقد تعجز بعض اللغات على إيصال المعنى الحقيقي للنص الشِعري والأدبي.
٩.حدثينا عن تجربتكِ في كتابة “جدائل على أكتاف الحب” و”إن أمطرت”. كيف تعكس هذه الأعمال تطوركِ الأدبي؟
ما بين الكتابين عدّة سنوات، تبدّلت بها طريقة كتابتي للقصيدة النثريّة واعتمدت التكثيف والاختصار وعدم التعقيد أو التطويل.
حبّاتُ الندى
بعد غياب،
معزوفتي اليوم، تُسابقُ الريح،
وتُشبِه هِجرةَ الطيورِ في مواسم الشتاء.
ترفّقْ أيُّها الساكنُ بين سطوري
بوريدٍ يُرسلُ دفقاتٍ من أمنياتٍ
لا يفترِسُها الجفاء.
وادْنُ،
لعلكَ تَعُدُّ حبّاتِ الندى
التي تَكوّرتَ بين حنايا الروح،
وأقحوانات المنى.
شرائطُُ العيد
شرائطُ العيد الوردية،
سقطتْ عن جدائلي قبل أوانها،
تتألّم..
أكتبُ للإنسانية المعذّبة،
أكتب للمستضعفين.
أكتبُ للحبِ بمعناهُ الأشمل،
حبًا لذاتِ الله، كنتُ ولم أزل.
أنا كاتبةُ الدمعةِ والفرحة،
واللوعةِ والأمل،
واليومِ والماضي والمستقبل.
للإنسانِ أكتب،
وبالإنسانيّةِ أحيا، ولأجل الإنسان أموت.
١٠.كيف تتعاملين مع الصعوبات التي تواجهينها كأديبة مغتربة، وما هي أبرز التحديات التي واجهتكِ في مسيرتكِ الأدبية؟
الشعرُ في الغربةِ أم في الوطن، يظلُ وديعة الشاعر أو الكاتب.
وأرى أنّ الشاعر المهاجر لا يكلُّ ولا يتعب، يودّ أن تصل كلمتهُ لكلِّ الناس.
ولكن ظروف الحياة للشاعرِ العربي المقيم في الغربة أصعب من ظروف الشاعر المقيم في بلده.
حيثُ يجدُ الشاعرُ المغتربُ صعوبةً كبيرةً في وجودِ مستمع عربي يفهم ما يودّ قوله، وهذا يؤثر على استمراره في العطاء.
عدا عن صعوبة الطبع والنشر والتوزيع، والأمَرّ من ذلك كلّه وما زادَ الطين بلّة، ثورة الأنترنت الظالمة والناجحة معا.
الأنترنت المفتوح ووجود أماكن اللهو، جذب الكثير من الشباب، فبات الكتاب الورقي موضة قديمة، وربما سيصبح تحفة أثريّة يوماً ما، للأسف.
هذا الكلام لا ينطبق على الشباب في مواطن الاغتراب فحسب، بل في كل بقاع الأرض.
قلّة الوعي والإدراك لخطر الأنترنت وسرعة انتشاره، واستعماله بدون رقابة وتنظيم، أثّر بشكلٍ كبيرٍ على ثقافة المجتمع.
فانتشرت المعلومة الصحيحة والخاطئة بالوقت نفسه كما يحدث تماماً في مجموعات “الواتساب”، فمن يتأكد من صحة المعلومة قبل إعادة إرسالها، وهكذا دواليك.
وأيضاً انشغال بعض الشباب بمواقع التواصل الاجتماعي، وابتعادهم عن اكتساب المعرفة والعلم، ناسين مسؤوليّاتهم الكبيرة تجاه أنفسهم ومجتمعهم.
فانخفض بشكل كبير مستوى بلاغة الكلمة الواردة في النصّ الشعري، كانخفاض مستوى القراءة والكتابة والنبوغ الشعري وضاعت المواهب الحقيقية في لجّةٍ لا نعرف متى ستنتهي.
١١.في ضوء مشاركتكِ في مهرجان الشمس، الرسول الأكرم (ص) في إيران، كيف تقيّمين تأثير الثقافة الإسلامية على أدبكِ؟
كما أشرتُ في حوارات سابقة، عشقي للغة العربية رافق دراستي أيضاً لتجويد القرآن الكريم، وله الفضل الكبير في استعاراتي اللغوية والأدبية وتحسين نطقي لمخارج الحروف العربية.
١٢.كيف تسهم وسائل الإعلام والصحف في نشر أعمالكِ وتعريف الجمهور بأدبكِ؟
لا أنكرُ فضل وسائل الإعلام التي ساعدتني في نشر مقالات عني أو ما أكتبه، ولكنّ ثورة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أحدثت نقلة نوعية في انتشار المحتوى الرقمي، الأدبي، الثقافي، الفني، والاجتماعي إلخ، وبكل مجالاته الخاصة والعامة.
هذه النقلة بإجابياتها أو سلبياتها، رسّخت مكانتها بين الأجيال وبكل أعمارهم، فأصبحت منبراً عاماً لكلّ من يودّ نشر محتوى أدبي أو غيره.
١٣.كيف تنظرين إلى مستقبل الأدب والشعر العربي في ظلّ التغيرات الثقافية العالمية؟
الشِعر، الشاعر، الكاتب، الأديب إلخ، حالات إنسانيّة عميقة وراسخة بالنفس البشريّة، ستظلّ موجودة إلى حين انتهاء الحياة، ليست أموراً دخيلة على حياة البشر، ستبقى على قيدِ العطاء، ولكن ستتأثر حتماً بالجنون الذي يسمى التغيرات الثقافيّة العالميّة.
فالشعر وليد الأيام واللحظات، لذا نرى الشعراء المغتربين، يكتبون الوطن والأرض والتراب والقمح والسنابل.
يكتبون وجع بلادنا من الحروب والمؤامرات وفساد الأنظمة الحاكمة.
يكتبون حلم العودة إلى أحضان الوطن يوماً ما، بعد أن يتحقّق حلمهم في وجود وطن خالٍ من الفساد، ليعيشوا في ربوعه همْ وكلّ الناس، حياة مميزة ناصعة، تليق بإنسانيّة البشر.
١٤.ما هي المشاريع الأدبية التي تخطّطين لها في المستقبل، وكيف ترين تطوير أدبكِ في السنوات القادمة؟
أعيشُ حالياً فترة هدوء على مستوى الطباعة الورقيّة، ولستُ متحمّسة كثيراً له، رغم كمية النصوص الأدبية الكثيرة التي أمتلكها وما زالت حبيسة الأوراق.
أما التطوّر الأدبي، فيأتي من خلال الممارسة اليومية للكاتب من خلال المطالعة والتي تمنح الكاتب تطوّراً ملحوظاً في أسلوبه، فالبقاء في مكانٍ واحدٍ والاتّكال على الذاكرة وما حفظته في مرحلة ما من العمر، ستقتل الإبداع والتطور الأدبي عند الشاعر أو الكاتب.
١٥.ما رأيكِ بالملتقيات الشعرية، وخصوصاً ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟ وبما أنكِ كنتِ من المؤسّسين، هل يمكنكِ أن تحدّثينا عن تجربتكِ مع ملتقى الشعراء العرب بشكل عام، والشاعر ناصر رمضان عبد الحميد بشكل خاص؟
رأيي بأيّ ملتقى هو الاحترام إذا كان هدفهم إبقاء شعلة الأدب والثقافة متوهّجة ومشتعلة لإيصالها لمن سيأتي بعدنا.
وملتقى الشعراء العرب، هو بيتي الأدبي الجميل والذي تعرّفت فيه على وجوه جديدة، وأعتزُّ بوجودي فيه مع كوكبة عظيمة من الأدباء والشعراء من الجنسين طبعا، وبكل فخر كنتُ من المؤسّسين له مع الشاعر ناصر رمضان ونخبة من الشعراء والشاعرات المبدعات.
لقد حقّق ملتقى الشعراء العرب نجاحاً ملحوظاً منقطع النظير خلال فترة قصيرة جداً، فانطلق انطلاق الصاروخ إلى الفضاء، وذلك بفضل جهود الشاعر المصري الأستاذ ناصر رمضان، فإدارته الذكية للملتقى أثمرت عن العديد من الإنجازات على المستوى العربي والعالمي بكلّ صدق. فله وللملتقى ولكِ أستاذة جميلة أجمل التحايا.
وشكرا جزيلا على هذا اللقاء الحواري الممتع.
حاورتها من لبنان جميلة بندر
عضو بملتقى الشعراء العرب
محرّرة بمجلة أزهار الحرف.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي