عندما اكملتُ قرأتها، اتصلتُ من العراق حيث أعيش، بياسين الروائي حيث يعيش في وطنه تونس، كان سؤالي هل الأحداث واقعية وكم نسبة المتخيل الأدبي فيها؟ أجابني : أن المتخيل الأدبي نسبته ٢% فقط، ثم سألني هل أنت في صدمة من أحداثها ؟ قلتُ : نعم في صدمة قوية مما قرأتُ !!.
وهذا الموقف اقصد سؤالي عبر احدى وسائل التواصل الاجتماعي للروائي التونسي ياسين عن نصه، كنتُ قد سمعتُ من قبلُ، وتأكدتُ من د.سعيد عدنان الذي أجابني مؤكدا له الشكر الجزيل : أن الناقد د.علي جواد الطاهر يسأل القاص عن نصه والشاعر عن شعره ، قدر استطاعته لذلك، قبل أن يشرع بالكتابة عن القصص أو الشعر.
أما رواية ” زمن التعب المزمن” فكان جانبها الفني مستوفيا من جميع جوانبه الفنية وموضوعها، بوصف الجوانب الفنية تقنية على حد تعبير د.عناد غزوان، من اسلوب المتكلم والمناورة بأسلوب الراوي، ثم الحوار بين الشخصيات، كذلك التعامل مع أدوات الأدب الروائي من المكان (البنك وغيره ) ولعبة الوقت التي بقيت كما هي متسلسلة رتيبة بما يناسب صدق الواقع التي جاءت منه، كما أن الشخصيات وحركتها وانفعالها كانت متقنة بطريقة الرسم لا الكتابة بمعنى أن الرسم بالكلمات كان واضحا للتعبير عن مواقف الشخصيات ودواخلها وطريقة تفكيرها وما ينتج من أحداث ومواقف فقد أتقن الروائي التونسي ياسين أدواته الكتابية وتقنياته الفنية في روايته هذه لافت ان البطل لا اسم له تسير الأحداث معه دون اسم وبما أن الرواية واقعية ٩٨ % بمعنى أحداث حقيقة جرتْ على أرض الواقع وكان البطل مظلوما بفعل أصحاب امريكا الرأسمالية بعد انتهاء النظام التونسي سنة 2011 ،فهذا الرمزية بعدم وجود اسم للبطل المظلوم تعني يشوع هذه الظاهرة فالظلم تكرر مرارا أينما حلتْ أمريكا واصحابها في متن الرواية ، التي كتبَ عنها كتّابا ونقادا قبل هذه السطور من العراق ومن سوريا، لكن لم يكتب عنها كتّابا او نقادا من تونس مما يجعل الرواية أكثر واقعية وذات صدقية عالية إذ لهذا المفصل المهم في النسق الثقافي التونسي أهمية في صدق واقعية الرواية أليس من الغريب الان اليوم اقصد أن تصدر ثلاث روايات لشاب تونسي اسمه ياسين الغماري ولا يُكتب عنها حرف واحد من نقاد وكتّاب من تونس؟!، ماذا فعل ليواجه كل هذا؟! ، اذ تدور أحداث ومواقف الرواية عن شاب تونسي يعمل موظفا صغير في بنك يتزعمه ويديره شخص ( البارون) له علاقات رأسمالية مع أمريكا ونظام ما بعد 2011 حزب النهضة الاسلامي، كما أنه يشارك صهر الرئيس المخلوع في الاموال، ولا يهم( البارون) سوى الأرباح على حساب المواطنين في تونس، يقدم الشاب البطل أفكاره عن مساعدة الناس وتقليل الارباح من خلال مناشدته لتحقيق العدالة المناخية والعدالة الاجتماعيّة والعدالة الماليّة الأمر الذي جعل بعض الكتّاب وأستاذة جامعية بالتنديد بأخذه إلى سوريا لقتله في فوضى أمريكا هناك كما كان حدث مع بعض الشباب بعد ٢٠١١ في تونس حيث النص التونسي الروائي لياسين الغماري: (أرسلتْ كاتبة وأستاذة جامعيّة تونسيّة رواياتي إلى جهة سياسيّة مظلمة مع توصية بتحريضهم ضدّي، بدعوى أنّ ميولاتي الأدبيّة تُنافي توجّهاتي الدراسيّة العلميّة، بدعوى أنّ أعمالي تُناشد العدالة الاجتماعيّة والعدالة المُناخيّة والعدالة الماليّة. ثمّ دعت إلى تسفيري إلى سوريا كما كان يحدث ما بعد الثورة مع بعض الشباب الذين أظهروا مستويات عالية من الادراك وقُدرات ومواهب تُنافي تخصّصاتهم الدراسيّة، على نقيض غيرهم، بتسفيرهم وقتلهم فيما بعد وإلقاء الملامة..)، فتشتعل الحرب عليه من كل جانب في حياته.. فيما يكمل بطل الرواية الماجستير بإصراره على طموحه، وسط حرب طاحنة عليه من البنك وزمره داخل وخارج البنك، ثم يحاول طبع رواية أدبية ليجد الوسط الثقافي ينكر عليه كتابة روايته حتى يصل الأمر أن يتهم بالجنون ومحاولة الانتحار، ثم يعيش على أمل النصر لأنه على حق ،هم على الباطل. نلتفت الى توضيح مع عنوان الرواية ” زمن التعب المزمن” – سيرة روائية – حقيقة هذا ما جعلني أسأل الروائي التونسي عن واقعية الاحداث والمواقف ومدى المخيال الادبي في رواية ” زمن التعب المزمن” ثم نرى استهلال أو مقدمة الرواية ، مع تذكرك للتوضيح “سيرة روائية” لتقرأ استهلالا ثلاثيا (يا من تدخل إلى هُنا، تخلِّ عن كلّ أمل / دانتي) وقد قصد الروائي بناية البنك التي عمل فيها وسببت سلطة المال والسياسية ما سببته له من متاعب على لسان بطل في السرد الروائي لا اسم له محاولا أن يجعل مقاربة واضحة بين شخصيته وشخصية البطل ، فالبنك وسلطة المال وشبكة العلاقات بين المال وسطوته على أغلب المثقفين التونسيين إلا القليل منهم ما رحم ربي، من كل مشرب فكري وديني وثقافي ليأتي الاستهلال الثاني في الصفحة ذاتها : (الجميع يُفكّر في تغيير العالم، لكن لا أحد يُفكّر في تغيير نفسه /تولستوي) بما يتصل من المتن الروائي ليشمل استاذة الجامعة والذين كذبوا على البطل كتابته لروايته، ثم يأتي الاستهلال الثالث ليضرب فكرة امركة العالم من خلال المال المالي والعولمة وزمرهم الليبرالية الجديدة في كل مكان من العالم وليس تونس فقط :(إن القيمة الأولى في نجاح أي مشروع اقتصادي هي الإنسان، ليس الاقتصاد إنشاء بنك وتشييد مصنع، بل هو قبل ذلك تشييد إنسان وتعبئة الطاقات الاجتماعية في مشروع تحركه إرادة حضارية /مالك بن نبي) . وتختم الرواية بدفاع أحلام مستغانمي عن حق البطل في انه يكتب رواية ولو كان شابا ..
الشاعرة إيناس أصفري لمجلة أزهار الحرف حاورها من القاهرة ناصر رمضان عبد الحميد
تقديم : تربُطني علاقةٌ وشيجةٌ بالشّاعرة السوريّة المبدعة إيناس أصفري، علاقةٌ ثقافيةٌوأدبيةٌ تحولت فيما بعد إلى صداقةٍ متينة. تابعتُ مشوارها...
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي