شريعة الرومانسية وسنة الحب في ديوان نافذة البوح للشاعرة نبيلة بيادي
ينساب المجاز في جداول اللغة كاشفا عن غدير البوح ومشكلا شعرية خاصة لها أقانيم جديدة هجينة وأصيلة هذا ما طالعته وما بدا لي إزاء قراءة ديوان نافذة البوح للشاعرة نبيلة بيادي. هذا التلقي الأول لنصوصها الغديرية لم يكن من باب الاندهاش ولا من أبواب المحاباة من جهة، ومن أخرى فإنه تلق تواق للحرف المطرز بالشعر وأنا أقف على الاستهلال الأول للديوان بعد كلمة الشاعرة وكلمة الناقد شعرت بذلك الحس الرومانسي الٱسر في قصيدة عتاب فقلت لربما هاته عادة الشعراء أن تكون القصائد العاطفية هي فاتحة الديوان، ليتبخر هذا الحكم بسرعة حينما سأطالع قصائد رومانسية. موغلة في الرهافة، والسمو العاطفي، لتتوالى بعدها قصائد تترا لا تنم عن شعرية رومانسية حداثية فحسب بل تشي بقدر كبير من التمكن والشوق الفني العالي، وفي كلمتي هذه لن أكون مقيدا بروائز معينة إزاء فعل النقد بل يكفي أن أصيخ السمع لنبضات نصوص الشاعرة هي التي ستخبرني عن نفسها بنفسها ولعلها تفصح بتيمة الحب المؤٓطّٓر ضمن شعرية الرومانسية التي تحوط تجربة الشاعرة.
رومانسية جعلت الحب سنة في مذهبها الشعري وليس لدي إلا دليل واحد على ذلك وهو الكم، أي أن عدد القصائد الرومانسية يفوق بكثير عدد القصائد التي تناولت أغراضا أخرى من قبيل الزهد والتأمل وما إليه، فالقصائد الرومانسية تشكل الديوان كله وعددها كبير نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قصيدة همسات وقصيدة تساؤلات وحسرة ومحراب الهوى وشوق ورحيل ودمعة وحديث وفنجان واحتلال قلب ومدينة العشق وقصيدة عيون وعذرا يا سيدي والقائمة تطول وتطول وإنها قصائد تبحث عن الروح فينا تنبش ذاكرة الأفراد لتفصح عن تجارب عاطفية عاشتها الشاعرة أو عاينتها فأصبحت خبيرة بها. فهي قصائد تستجيب للهوى وتحتفي بالنغم تنتصر بالبيان والبديع مثل قصيدة همسات وتقول في مقطعها الأول : أعترف أنني قصيدك
وأبحث في القوافي
عنك
عن عنوانك
أهمس خلسة باسمك
وأرجوك في الغياب
والحضور
إن البديع كمحسن فني جلي في هاته القصيدة؛ من خلال السجع، إضافة إلى السر البياني الذي يحوط القصيدة وهذا ينطبق على قصائد عدة من قبيل قصيدة رحيل وذكريات ونظرات ولم يحدث، ووجه، وغيرها. نجد حضور المحسنات البديعية نفسها بشكل كبير طبعا مع سطوة البيان الذي أبان عن شعرية الشاعرة بيادي وعن مجازاها الذي لولا صدور هذه المجموعة وهي باكورة أعمال الشاعرة لما عرفناه .. يهمني أيضا أشير إلى ورود الأسس الفنية للشعر الحديث والمعاصر في هذا الديوان يتصل الأمر بتوظيف الشاعرة للأسطوة وتوسلها بها خدمة للقصيدة ويتجلى هذا في قصيدة شوق بذكرها لطائر الفينيق، تقول :
شوق غريب
يعصر أحلامي
كأنه طيف لا يختفي
بل يزاحمني
في أيامي
كأنه الفنيدق الذي ينبعث
كل مرة
ويتسلل من الرماد
ليعذبني..
إلى ٱخر القصيدة لا نغفل الإشارة إلى كون الديوان يحتفل بما يتصل بالهموم القومية ذلك ما يتبين لنا حينما نقرأ قصيدة صرخة فلسطين وهي صرخة شاعرة ترفض الوضع القائم في بلاد القدس التي تواجه العدو منذ أواخر الأربعينيات من القرن الماضي والجدير بالإظهار أن ورود هاته القصيدة غالبا ما جاء نتيجة الأحداث الأخيرة التي عرفتها مدينة غزة بخصوص ما سمي بطوفان الأقصى.
ومن خلال هاته الملامح العابرة والكاشفة نسبيا عن كنه الديوان يتسنى لنا الإحاطة بجل الجوانب الجمالية التي يحويها وبفرادته كديوان اجتمع فيه ما تفرق في سواه. لكن الذي اجتمع فيه أكثر واتحد وانتصر هو الحب أي سنة الحب ضمن شريعة الرومانسية التي اتبعتها الشاعرة نبيلة بيادي في ديوانها نافذة البوح الذي طوحت فيه بما يعتمل في سويداء قلبها وما يخفيه بطينها الأيمن من قلب الشعر.
إنها رومانسية بشريعة على مقاس الشاعرة وبسنة مغايرة لما كانت الرومانسية عليه مع روادها الأوائل سواء عند الغرب أو العرب، إنه بحق ديوان يحتفي بالحب الإنساني بل بالإنسان ذاته وله يغني.
السخيري اسماعيل
2024.07.25
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي