الدكتورة جيهان الفغالي
كاتبة لبنانية حاصلة على دكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة الروح القدس الكسليك، وشهادة الكفاءة التعليمية من الجامعة اللبنانية. تتابع حالياً دراسة الماجستير في الإدارة التربوية من جامعة لارنكا في قبرص، حيث تركز على صعوبات تعلم اللغة العربية. تتمتع بخبرة تزيد عن ثماني سنوات في تعليم اللغة العربية، ولها رواية أدبية بعنوان “حُطام القدر” نشرتها في 2021. تتحدث العربية والإنجليزية والفرنسية وتدرس اليونانية.
من هنا كان لمجلة أزهار الحرف معها هذا الحوار.
حاورتها جميلة بندر.
.كيف أثر حصولك على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة الروح القدس الكسليك على مسيرتك الأكاديمية والأدبية؟
-انّ حصولي على شهادة الدكتوراه سمح لي بالاطّلاع على الآداب العالميّة، الأمر الذي وسّع تفكيري النقدي. كما جعلني أقارن بين الأدب العربي والعالمي، ومعرفة مدى التفاعل بينهما والتأثّر والتأثير. لقد تناول موضوع أطروحة الدكتوراه نتاج أديبين لبنانيّين عالميّين، وكان عنوان الأطروحة ” جدليّة الفضاء بين “خالد” الريحاني و”نبيّ” جبران”، وقد تعمّقتُ في دلالة المكان والزمان في هذين النتاجين، وكان لا بدّ من أن أتطرّق إلى دراسات حول الفضاء ورمزيّته ودلالاته في الأدب العالمي، وتعرّفتُ إلى غاستون باشلار الذي سلّمَ أنّ المكان هو الأساس لفهم الذات والعالم. وبعد حصولي على الدكتوراه تمكّنتُ من التدريس في الجامعة اللّبنانيّة، ومنحي المؤهّلات الأكاديميّة اللّازمة والخبرة المتعمّقة في تعليم اللّغة العربيّة وآدابها. ولكنّي أؤمن بأنّني ما زلتُ في بداية الطريق الأكاديمي والأدبي، وينقصني الكثير ولن أكتفي، لأنّنا حين نكتفي يموت الطموح وتتلاشى الأحلام. وهنا أردّد قول ” أبو نواس”:
” فقل لمن يدّعي في العلم فلسفةً حفظتَ شيئًا وغابت عنك أشياءُ”!
2.بما أنك حاصلة على شهادة الكفاءة التعليمية في اللغة العربية، ما هي التحديات التي واجهتها أثناء دراستك لهذه الشهادة وكيف تغلبت عليها؟
-أثناء دراسة الكفاءة التعليميّة في كلّيّة التربية، كنتُ أدرّس في الجامعة اللبنانيّة، كلّيّة الآداب، وفي ثانويّة بيت مري الرسميّة في الوقت نفسه. وقد شكّل هذا الأمر تحدّيًا كبيرًا، وأنا أمّ لثلاثة أبناء. وكانت خبرتي التعليميّة متواضعة في ذلك الحين- إذ كان اهتمامي منصبًّا على دراسة الدكتوراه في اللّغة العربيّة- فكانت ساعات الليل مخصّصة للعمل الأكاديمي. بقيت على هذه الحال مدّة سنة كاملة استطعتُ خلالها بجُهد وإصرار وعزيمة أن أقوم بمسؤوليّاتي كاملة.
3.كيف ساهمت تجربتك التعليمية في التعليم الثانوي والجامعي في تطوير أساليبك في تدريس اللغة العربية؟
-إن تجربتي في التعليم الثانوي والجامعي قد أسهمت وبشكل كبير في تطوير أساليبي في تدريس اللغة العربية. حاولتُ أن أستخدم أساليب تعليميّة تفاعليّة لجذب انتباه الطلّاب وتحفيزهم على تعلّم اللّغة العربيّة وعلى القيام بأبحاث حول موضوعات متباينة.
كما ساعدتني تجربتي التعليميّة في اختيار الأسلوب التعليمي الذي يتناسب وقدرات الطلّاب وتطلّعاتهم، سواء أفي المرحلة الثانوية أم الجامعيّة. فالنصوص التي اخترتُها لطلّاب المرحلة الثانوية، فرع علمي، مغايرة للنصوص التي قمتُ بتدريسها لطلّاب المرحلة الثانوية- الأدبي، كما لطلّاب قسم علم النفس في الجامعة اللبنانيّة.
4.هل يمكنكِ أن توضحي لنا كيف تسهم دراستك الحالية في الماجستير في الإدارة التربوية من جامعة لارنكا في قبرص في تعزيز خبراتك التربوية؟
-الماجستير في الإدارة التربوية تجعلني أكتسب مهارات قياديّة وتطوير استراتيجيات إداريّة أكثر فعاليّة. كما تساعدني في تحسين مهارات التواصل مع الطلّاب وأولياء الأمر. وقد حصلتُ منذ مدّة على شهادة كيفية التعليم عن بُعد، التي تخدم مباشرة شهادة الماجستير في الإدارة التربوية، إذ أستكشف أدوات وأساليب جديدة لتحسين التعليم باستخدام التكنولوجيا والابتكار في الأساليب التربوية.
5.في روايتك “حُطام القدر”، كيف تتعاملين مع الموضوعات الاجتماعية، والثقافية، والإنسانية والوطنية؟ وما الذي دفعك لاختيار هذه المواضيع تحديداً؟
-الكاتب ابن بيئته، ومن الطبيعيّ أن يكون هناك تأثير لحياته الاجتماعيّة والإنسانيّة والوطنية وغيرها، في كتاباته، وأن يجسّدها في قلمه.
لطالما استفزّني مشهد طفل مشرّد، أو امرأة مسلوبة الحقوق، أو موت أحدهم شاء القدر أن يتواجد في المكان الخطأ. وأتساءل دومًا: هل هناك عدالة على هذه الأرض؟ ويأتي الجواب بالنفي! أعلم أنّنا لم نختر أن نولد بالظروف التي نحن فيها، ويمكننا، أحيانًا، أن نحسّن بعضها، أكرّر ” أحيانًا”. ولكن ما ذنب الأطفال الذين يُقتلون يوميًّا لأسباب لا علاقة لهم بها؟ ما ذنب المشرّدين الذين حُكم عليهم بالفقر والجوع؟ أتعلمون كم قصّة جميلة كانت لتُكتب لو عاش هؤلاء ظروفًا مغايرة؟
ما ذنب المرأة التي يؤخذ منها أبناؤها، وتعود إلى منزل أهلها أمًّا عزباء؟ هذه الموضوعات شبه المنسيّة، وغيرها، لطالما شكّلت بالنسبة إليّ تساؤلات مستمرّة، لم أجد تفسيرًا لها، حاولتُ أن أتطرّق إليها في روايتي ” حُطام القدر”، لعلّني أوفّق في تسليط الضوء عليها بُغية إحيائها وإيجاد حلول لها، بإذن الله.
6.كيف أثّر عملك في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها على رؤيتك للغة وأدبها؟
-إنّ تعليم اللّغة العربيّة لغير الناطقين بها كان نقلة نوعيّة بالنسبة إليّ، إذ كانت مسيرتي الأكاديميّة مختصّة بتعليم الطلّاب الناطقين باللغة العربية، خصوصًا اللّبنانيين. كنت، وما زلتُ، أدرّس بحسب المنهج اللبنانيّ. ولأنني تواجدت في بيئة غير ناطقة باللغة العربيّة، ورأيت إقبالًا على تعلّم لغتنا الأمّ، كان لا بدّ لي من أن أسلك هذه الدرب الجديدة. أدرك اليوم كم أن اللّغة واسعة، وبإمكاننا استخدامها بحسب ظروفنا. صحيح أنني أؤثر التعليم الجامعيّ والثانويّ، بحسب المنهج الذي اعتدتُ على تدريسه، ولكن التحدّي الذي شعرتُ به عند تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها كان عظيمًا، لأن أسلوب التدريس مختلف تمامًا عن تعليم الناطقين بهذه اللغة، كما أنني لم أجد المصادر الكافية لذلك، وقلتُ لنفسي: نعم، يمكنكِ ذلك!
7.كونك تدرسين اللغة اليونانية، كيف يسهم تعلّم اللّغات في توسيع أفقك الأدبي والبحثي؟
-اللغة إنسان، وأنا من عشّاق اللّغات، لأنّها تفتح أمامنا أفقًا غير محدودة. أفهم اللغة الإسبانية لأن هناك تشابهًا بينها وبين اللغة الفرنسية التي درستُها في صغري. كما أدرس اللغة اليونانية، ولكن أجدها أكثر صعوبة. إنّ تعلّم اللّغات وإتقانها هو تحدّ بالنسبة إليّ، إذ يسهم في الوصول إلى مصادر أدبية بلغتها الأصلية، الأمر الذي يساعدني في فهم عميق للقضايا الفكرية. النصوص المترجمة تحمل دلالات مختلفة عن فكر الكاتب في النص الأصلي. كما أنّ تعدّد اللغات هو انفتاح على شعوب مختلفة بتاريخها وثقافاتها ومجتمعاتها.
8.ما هي التحديات التي تواجه الطلاب العرب، خاصة اللبنانيين، في قبرص أثناء تعلمهم اللغة العربية، وكيف تقترحين تجاوزها؟
-موضوع واسع وهو رسالة الماجستير التي من المتوقّع أن أنجزها خلال شهرين. إن الطلاب العرب في بلد غير ناطق باللغة العربية، قبرص، يعيشون تحدّيات كثيرة، أهمّها تعلّم لغتهم الأمّ، التي ليس لها تمثيل كبير من حيث الناطقين بها، هذا ما يقلّل من الحاجة إلى إدماجها في المنهج التعليمي. والتحدّي مضاعف لأن هؤلاء الطلاب يعيشون في بيئة متعددة الثقافات، يتحاورون بلغات أجنبية، ويدرسون اليونانية، الإنكليزية وغيرهما، بالكاد يتواصلون باللغة العربية مع عائلتهم. هنا يأتي دور الأهل في محاورة أبنائهم باللغة العربية، وتعليمهم الفصحى، قراءةً وكتابة، وهذا تحدٍّ آخر.
9.في ضوء تجربتك المتنوعة، ما النصيحة التي تودين تقديمها للشابات الطموحات في مجال الأدب والتعليم؟
-إلى كل امرأة مهتمّة بالأدب والتعليم أقول:
ابحثي دائمًا عن فرص للتعلّم المستمرّ. ليست اللغة وسيلة تواصل فحسب، بل أداة تأثير، عبّري من خلالها عن أفكارك وهويّتك، ولتكن حدودك السماء وما بعدها!
10.كيف ترين تأثير الأدب العربي في المجتمع اللبناني والعربي بشكل عام، وهل هناك جوانب معينة تودين التركيز عليها في أعمالك القادمة؟
-لطالما كان الفنّ عمومًا مؤثّرًا في المجتمعات على مرّ التاريخ، والأدب نوع من الفنون الجميلة. فكيف بأدب قال فيه عميده طه حسين: “الأدب العربي هو مرآة تعكس حياة العرب، وأفكارهم، وآمالهم، وآلامهم. هو التاريخ الذي يُكتب بالحروف الحيّة، ويسجّل به العرب تجاربهم الإنسانيّة عبر العصور.”
للأدب العربي تأثير جليّ في المجتمع اللبناني والعربي على وجه العموم؛ كان له تأثير سياسي واجتماعي على مرّ التاريخ، فبرز الشعر السياسي وازدهر في العصر الأموي. وخلال فترة النهضة العربيّة، كان الأدب وسيلة للدعوة إلى الاستقلال ورفض الاستعمار، نذكر قصيدة محمود درويش ” سجل أنا عربي”، ومقالة جبران خليل جبران الشهيرة” لكم لبنانكم ولي لبناني”، كما كتابه “النبي” الذي عبّر خلاله عن فلسفته وأفكاره في الحريّة والمساواة ورفض الظلم.
كما أسهمت كتابات الشاعرة العراقية نازك الملائكة، بالإضافة إلى تجديد الشعر العربي الذي أدّى إلى فتح آفاق جديدة للتعبير الشعري، أسهمت في التأثير في النساء العربيات، كذلك رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران التي ألهمت الأجيال اللاحقة للتمرّد على التقاليد.
بالنسبة إلى أعمالي القادمة، لن أتوقّف عن التعلّم الأكاديمي” يا رب زدني علمًا”، وسأتابع تدريس اللّغة العربية لأنها رسالتي السامية، ولكن سيكون تركيزي منصبًّا على الناحية الأدبيّة، ومطالعة آداب عالميّة، بغية تطوير الأبحاث الأدبيّة.
11.ما رأيك بالملتقيات الشعرية وخصوصًا ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟
-إن ملتقى الشعراء العرب هو منصّة أدبيّة تجمع بين شعراء من العالم العربي، غايتها نشر الثقافة وتبادل الأفكار والإبداعات. هذا ما يرفع مستوى الفكر ويقوّي الروابط الثقافيّة بين البلدان العربيّة، كما يمكّن الشعراء من استلهام أفكار جديدة ومبتكرة.
أودّ أن أشكر رئيس ملتقى الشعراء العرب الأستاذ ناصر رمضان عبد الحميد لجهوده القيّمة في تعزيز الوعي الثقافي وتوسيع آفاق الفكر، وأقدّر بشدّة اهتمامه بإجراء هذا الحوار. كما أشكر القيّمين على مجلّة “أزهار الحرف”، والمحاورة الأستاذة جميلة بندر على طرح الأسئلة المميّزة. إنّ هذا الاهتمام يعكس حرص مجلّة “أزهار الحرف” ورئيس تحريرها الأستاذ ناصر، على تعزيز الثقافة الأدبيّة ودعم المبدعين.
حاورتها من لبنان جميلة بندر
عضو بملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي