د . منى نوال حلمى / مصر
========================== حتى اعداد فنجان من قهوة يحتاج الى " فلسفة " =============================================== ان الفلسفة ، ليس لها مكان ، حتى بين الطبقة " المثقفة " التى تتحدث عن التنوير، والتغيير .
وكذلك فى وسائل الاعلام ، مقروءة ، مسموعة ، مرئية ، لا نجد أى اهتمام بالفلسفة .
وهذا أمر محزن ، يثير الشجون . فكيف ننسى ، أو نتجاهل ، فضل الفلسفة على الفكر الانسانى ، وكيف أنها أساس أى تقدم حضارى ، للانسان الفرد ، أو للمجتمعات والدول ؟؟؟.
كم أستمتع وأنا أتكلم ، أو وأنا أكتب عن الفلسفة .
كانت ولا سواها، السلوى والعزاء مع ابتلاءات الحياة، ودقات قلبى المسكونة بألف عفريت، وطرقات روحى المحتلة بالأشباح، وخيالات متآمرة على هدوئى وسكينتى واطمئنانى.
لماذا لا أحكى لها عن كل شىء يؤرقنى، يسحب سجادة الهناء والراحة من تحت قدمى، دون أن يتأنى ليعرف كم أنا الآن، أحتاج الراحة والأمان والطمأنينة والسكينة، ألم تكن هى الطبيبة المداوية دائمًا، وحتى قبل أن أشكو وأبكى ؟.
” الفلسفة ” صديقتى الحميمة الوفية، الوحيدة التى أسمح لها بالنوم بجانبى على فراش نومى المقدس، تحتضننى، تغنى لى، تمنحنى عصارة تاريخها وإيمانها، تعطينى حقنة حكمتها الأخيرة.
” الفلسفة ” صانعة المعجزات فى النفس البشرية، التى ما زالت عند الغالبية، ترادف كثرة الكلام المعقد المتضخم المتغطرس، الذى لا طائل من ورائه، إلا إهدار الوقت والتقاعس عن الفعل.
متأكدة أنها مثل الأشياء الجميلة الراقية، سوف تمر مرور المطر على سحابات الصيف، لن يتذكرها أحد. حتى منْ يتأسفون على أحوالنا، التى تحتاج إلى وقت طويل، لكى تفيق وينعدل مسارها، ينسون أنها هى التى تملك مفاتيح السعادة والشقاء .
الفلسفة، تلك الساحرة، الواعية، الناضجة، المفكرة، الحكيمة، التى تفتح لنا أبواب حرية الفكر وجرأة الأسئلة، ولا نفتح لها بابًا واحدًا صغيرًا، أو نافذة واحدة ضيقة، لكى تتنفس على أرضنا.
لست وحدى التى أدين للفلسفة بكل المنح والامتيازات التى أنعم بها، ولولاها كنت الآن «ريشة فى مهب الريح» لا جذور لها تعصف بها الحياة كما تشاء وترميها أينما تريد.
بل أقول إن البشرية كلها، إذا كانت قد حققت شيئًا «مفيدًا»، «نافعًا»، «راقيًا»، «عادلًا»، «مبدعًا»، «ممتعًا» للإنسان، فهو كلها بفضل الفلسفة، ومولود من رحمها المعطاء.
هناك خطأ شائع، أن الفلسفة رفاهية، وأن فعل التفلسف هامشى غير ضرورى، تقوم به أقلية منعزلة، مستريحة. تماما مثل الخطأ الشائع ، الذى يروج لمقولة أن الذكورية تكرم المرأة .
لكن التفلسف، شئنا أم أبينا، جزء لا يتجزأ عن الحياة. والفلسفة هى المنارة التى ترشدنا إلى الفهم، وهو ضرورة للتغيير والتقدم والتحرر والسعادة.
إن التفلسف، هو السؤال عن أصل الأشياء ، أو كلمة ” لماذا ” .
لكل تجربة بُعد فلسفى. بمعنى أن كل تجربة إنسانية تحوى خصوصية إنسان معين فى زمان ومكان محددين. لكنها فى الوقت ذاته تتجاوز ذاتية وخصوصية ذلك الإنسان، لتلمس آفاقًا إنسانية يواجهها البشر فى كل زمان ومكان. ونقصد بهذا معنى الحياة ومصير الوجود والمرض والحزن والموت والتجارب القاسية ، التى يمكن أن تفقدنا توازن العقل وطمأنينة الروح والتصالح مع صفعات الزمن.
إن الرغبة المستمرة فى الفهم تجعلنا ندرك أن التجربة، فى حد ذاتها، ليست ” مهمة ” ، أو ” تافهة ” . القضية هى كيفية النظر إلى التجربة. القضية هى كيف نتجاوز ما هو جزئى وشخصى وعابر، إلى ما هو كلى وغير شخصى وغير عابر.
إذا كنا نريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياتنا، ومن العالم المتهاوى حولنا، فإنها وحدها «الفلسفة» هى الحل .
” الفلسفة ” ، تمنح ولا تفكر فى الأخذ، فى عالم يأخذ كل شىء، ولا يعطى شيئًا ، إلا التعاسة وأمراض الجسد والروح، والشراهة لكل الغرائز المتدنية .
و«لماذا»، هو السؤال الذى يحرمه، ويجرمه، ويكفره، «الأوصياء» من كل شكل، ولون ، منذ بدء الخليقة حتى الآن .
هل نطلب من المرأة المقهورة ، أن تتفلسف ؟؟.
إذا كان التفلسف هو التأمل العميق، من أجل الفهم، والمعرفة، فإن المرأة الفقيرة، المظلومة ، المقهورة ، تكون أحوج الناس للتفلسف. بمعنى أن تتساءل عن وضعها الخاص. لماذا أنا فقيرة؟. لماذا أنا مظلومة ؟. ولماذا أنا مقهورة ؟. وبالتالى، تستطيع أن ترتد الى أصل الأشياء. فيتعمق التساؤل، ويمتد إلى الإنسانية بأكملها، فيصبح لماذا الفقر ولماذا القهر فى العالم . وهذا بالطبع ينطبق على أى انسان مقهور ، أو مظلوم ، أو فقير .
كل شئ ” فلسفة ” ، و” الفلسفة ” هى كل شئ . تحية الصباح تحتاج الى فلسفة ، اعداد فنجان قهوة يحتاج الى فلسفة ، والصمت فلسفة بليغة ، السخرية فلسفة عميقة كبرى ، الشهيق والزفير ، فلسفة .
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي