صباحٌ …تحت سماء واحدة
منذ انشقاق الضّوء لم يتعب من الزغردة.
تدفُقُ النغم لا يستأذن المدى، الأُذنَ، القلب.
في باله حديثُ البراري حين تنفُّس الصباح بعد سبات عميق.
في حالتي يصحّ المثل (والأذن تعشق قبل العين أحيانا).
النظرُ هنا غير مهمّ للجانبين…السمع فحسب يفعل فعله، أقلّه من جانبي.
أنيسُ الصباحات لا يسأل من هو جمهوره.
مكافأته ذاتيّة طالما أنّه المؤلّف والمنشِد والمايسترو والمستمع.
يستطيع هذا المخلوق المتناهي الصِّغر، المحبوس داخل قفص خشبيّ معلّق وقضبان، أن يُحيل صباحاتِنا والمغارب دَفْقَ ذهب وياسمين (ماذا عن ضيق أفق جناحِه مقابل انطلاق حنجرته المزغردة؟).
كنت أريد الاسترسال بعد، ممتنّةً لمخلوقات في الطبيعة تهِبُ الجمالَ في حزنها…إلى أن قاطعني هدير غاضب (في السماء الافتراضيّة نفسها)…طغى، فامتنعَت أنغامُ جاري الصغير عن التتابع والاسترسال.
أنبأني الاقتحام السماويّ بويلات أجنحة الحديد وحديّة المناقير، بحمولتها زاهقةِ الأرواح وناهبةِ الأرزاق والأحلام، فلا يعود الأزرق عميقًا يطغى، بل شاحبًا مخطوفًا بالرّماديّ والأسود والفزع الصارخ.
أحسستُ بالذنب لسلامي وذعرهِم، لموسيقى مزغردة هنا وهديرٍ عاصف هناك، لخضرةِ جبال الجنوب وسهول البقاع وتلوّنها، وقد تلقّت عنّا “سهام الشمال” المسمومة…ففغَرت فاهها حتّى الأعماق، مستأنسةً بمياه تبرّد لهيبها.
من قال إنّ الغادر يرأف أو يتأنسن أو يركن إلى سلام. كلّ لبنانَ يقهرُه في سلامه ومقاومته، في ازدهاره وحريّته، في حبّه للحياة كما في إيمانه بالاستشهاد…كلّنا، في نظره، أعداء.
ساد صمتٌ حزينٌ لحين، وعاد العصفور إلى التحليق على موجاتِ سمائه. صوتُه الأحبّ خالدٌ عبر الأزمنة…كطائر فينيق مهما تكاثَف الرمادُ فوقه…سيحلّق ثانيةً وثالثةً ورابعة…
الإعلامية إيمان ريدان
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي