مساء الشعر والإبداع، مساء الجمال الذي يسكن الحروف وينبض في القلوب.
تحية ملؤها الود لكم أحبتي
لكل من يعشق الكلمة وينبهر بسحرها. نتمنى أن يكون هذا المساء واحةً للإلهام، تتلاقى فيه أرواحنا على ضفاف الإبداع، حيث تتفتح زهرة الحروف وتتعانق القوافي ..
بكل إجلال وتقدير، نرحب اليوم بشاعر كبير أثرى عالم الأدب بكلماته العذبة وأفكاره العميقة، فنحن أمام قامةٍ أدبيةٍ سامقة، تُحلّق بقصائدها في سماء الإبداع، لتنسج لنا من الحروف ألوانًا من المشاعر والصور التي تُلامس الروح. مع شاعرٍ نبغ من قلب بغداد واحتضن تراثها وثقافتها، ليعيد إلينا بريق العصور الذهبية للشعر العربي بأسلوبه الراقي وإحساسه العميق. إنّه الشاعر البغدادي الكبير عدنان الجميلي، الذي يحمل في كلماته عبق بغداد العريقة، ويتقن نسج الحروف لتصبح قصائده لوحة فنية تمزج بين الأصالة والمعاصرة.
لقاؤنا اليوم مع شاعرٍ لا يقتصر على إتقان اللغة وعمق المعنى فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى تلامس روح الشعر العربي القديم بألق وثراء لا يخلو من لمسات الحداثة. حديثنا اليوم مع الشاعر عدنان الجميلي ليس مجرد حوار، بل رحلة إلى عوالمه الشعرية، التي يتجلّى فيها أثر شعراء العصر العباسي، تلك الحقبة التي أُشبع فيها الشعر بالرهافة والإبداع.
فمرحبًا بالشاعر الذي يعيد إلى الأذهان عصور المجد الأدبي، ويحاكي شعراءه بقوة تعبيره ورقة إحساسه،
يشرفنا أن نلتقي بمن كان للكلمة لديه سحرٌ وللبيان بصمةٌ لا تُمحى ..
الشاعر الكبير عدنان الجميلي
الشاعر عدنان الجميلي / العراق / بغداد
بكالوريوس علوم عسكرية ..
كتب الشعر بعمر 13 عام متأثراً بالشعر العباسي..
له ديوانان شعريان الأول
( دوامة العشق السومري)
والثاني ( اللحظة المدهشة)
و دواوين مشتركة مع شعراء العرب….
إعداد ديوان ( الحلم العربي ) ديوان شارك به 168 شاعر وشاعرة
إعداد ( ديوان المواعظ والحكم ) ديوان شارك به 200 شاعر وشاعرة
اشترك بكثير من المهرجانات العراقية والعربية ..
نشرت له الكثير من الصحف والمجلات …
مدير تحرير مجلة زهرة الليلك..
والأمين العام للمنظمة العالمية للآداب والفنون..
من هنا كان لمجلة أزهار الحرف أن تحاوره وتتعرف على مشواره الإبداعي
حوار ليلاس زرزور
1_ في البداية، كيف كانت بدايتك مع الشعر ؟ و كيف استطعت أن توفّق بين دراستك العسكرية، وخوضك ميادين الحروب، وبين كونك شاعرًا متألقًا في ميدان الغزل؟ هل ترى في هذا التباين تناقضًا أم تكاملًا؟
…نعم لقد عشتُ طفولة جميلة جداً ببغداد بمنطقة قريبة على أرياف بغداد حيثُ الطبيعة الساحرة والهدوء والأمان والمُحيط الإجتماعي الجميل وكل هذا خلّفَ صوراً جميلة بذاكرتي وعشقاً لوطني وساهم في فتح آفاق جميلة في خيالي ……لذلك التقيتُ بالشعر وأنا بعمر 13 عام ..فقد قرأت شعراً جميلاً ..أبقى بذاكرتي سحراً ودعاني أن أتابع هذا الجمال بكل وقتي وجهدي …….فأتقنت النظم على أول بحر شعري بعمر 14 عام وكنت أقرأ كل ماتقع عيني عليه من شعر فأتقنت البحور جميعها بعد فترة..أما التوفيق بين عملي كعسكري وبين شعر الغزل أقول أنّ البُعد عن الأحبّة وخوض الصعاب هو أدعى للغزل والشوق من اي شيء آخر فأنا أرى أن هناك تكاملاً وليس تناقضاً فلاشك أن الحياة الصعبة والإبتعاد عن الأحباب هو أقوى دافع لكتابة الغزل والإشتياق ولنذكر هنا عنترة العبسي والسيوف تقطر من دمه وهو يتذكر عبلة ويقول:
ولقد ذكرتُكِ والرماحُ نواهلٌ
منّي وبيضُ الهندِ تقطُرُ من دمي
فوددتٌ تقبيل السيوفِ لأنها
لمعتْ كبارقِ ثغركِ المتبسّمِ…..
وهكذا هو حال الشاعر تتفجر موهبته بالبُعد وبالأماكن الصعبة ليتذكر الأحباب ويتغزل ….ليتحول بروحه من عالمهِ الصعب ألى عالم العشق والجمال فيجد بذلك راحة لنفسه المتعبةوشجونه
س2: هل لكل قصيدة قصة خلفها ؟ أم أن الشعر أحيانا يُكتب بدون سبب واضح سوى إلحاح الإلهام ؟ وماهي رسالتك في الشعر ؟ وهل تعتقد أنك قد أوصلتها أو أوصلت بعضها للقارئ؟
لا أعتقد أنَ لكل قصيدة قصّةحقيقية خلفها فأحياناً يتمنى الشاعر شيء ويعيش في هذه الأمنية طويلاً وهي أمنية ربما لاتتحقق أبداً لكنه يتوق لها ويتمنى أن يعيشها حقيقة ..فهنا يسكب اشعاره وكأنه يعيش الأمنية كما لو أنها حقيقة وهذا خاصةً في الشعر الوجداني ..أمّا رسالتي في الشعر فأختصرها لك وأقول أن رسالتي هي دعوة للرومانسية والحب الصادق النقي البعيد كل البعد عن الماديات لذلك ترين أن كل قصائد الغزل التي كتبتها تخلو من أي شيء مادي يخص المرأة أو أي وصف لمفاتنها بل هو غزل عذري عفيف يغازل الروح ويتغنى للحب الصادق لاحظي ما أقول:
مَهما ابتَعَدتِ تَرينَني بِخيالِكْ
فأنا صُراخُ الريحِ فـَوقَ رِمالِكْ
ضِيعي كأزهارِ الجبالِ ..بلَونِها
سأكُونُ عِطرَ الياسمينِ بِشالِكْ
طِيري معَ الأَوزِ المُهاجرِ وَارحلي
سَترينَ جِنْحي لو شَدَدْتِ رِحالِكْ
غُوصي لأعْماقِ المُحيطِ وَدَثِّري
شُعَباً منَ المَرجانِ دُونَ مَجالِكْ
ثُـمَّ اسْكُني بمَحارَةٍ وَتَنَكَّري
بينَ اللآلئِ فَهْيَ من أمثالِكْ
سَيَذُوبُ قلبُكِ مِنْ تَلَوُّعِ شاعِرٍ
سَكَبَ الشُجونَ على ثَرى أطلالِكْ
هذه هي بعض ملامح ما أكتب من غزل وهي تخلو من كل وصف مادي للمرأة ….وأظنّ أنني أوصلتُ رسالتي ومازلتُ أواصل إيصالها للقارئ فلاشي يفرحني بهذه الراسالة أكثر من أن يتأسى عاشق حقيقي بما أكتب عن الحب بجمالهِ وشجونه
3_ كشاعر غزل، كيف ترى المرأة في عالم الشعر؟ هل تختلف رؤيتك لها كشاعرة عن رؤيتك لها كمصدر للإلهام في قصائدك؟
المرأة هي محور الكون الكلي ولولا المرأة لما كان هناك شاعراً واحداً على وجه الأرض فهي الأم والأخت والزوجة والحبيبة وهي مصدر الحنان والحب والإلهام . أنا أراها مثل الملاك الذي يمشي على قدمين .. فأقول:
قَليلاً يَظَلٌّ المَدْحُ في قَولِنا لِمنْ……….. بِهِنَّ أرانا اللهُ بَعْضَـــــاً مِنَ الخُلْدِ…..
فَهُنَّ لَنا كَالروحِ في ساعَةِ الصَفا……… وَهُنَّ لَنا كَالموتِ في ساعَةِ الصَدِّ
وَهُنَّ لِحِفْظِ الودِّ حِصْنٌ لذيْ الهَوى.. حَصينٌ وَأوْفى في الثَباتِ عَلى العَهْدِ…
ولاتختلف نظرتي عنها كونها شاعرة أو ملهمة فالحب يتجلى لها بكل حال فهي الحب ومنبعه على مرّ الأزمان..
4_ ما موقفك من النقد الأدبي؟ وهل تعتبر النقد جزءًا من تطور الشاعر، أم أنه قيد قد يحدّ من حريته الإبداعية؟
الجواب:
.النقد إذا كان بناءً ومن ذوي خبرة فهو ركن من أركان تطور الموهبة ….ولكن أحياناً وبصراحة نرى تمجيد مزيف لنص شنيع لاجمال به..وهذا يعود للعلاقات الشخصية ..وأعتبره أنا خيانة للأدب وانحطاط أخلاقي…وهناك نقد هدام يقتل المواهب المبتدئة وهي في مهدها وأعتقد أن الناقد يجب أن يكون من نفس الإختصاص ..أي أن من ينقد الشعر يجب أن يكون شاعراً لامعاً وممتازاً ومن ذوي الخبرة الكبيرة لينقد الشعر فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال..وفي مجال القصة والمقال والفنون الأدبية الأخرى كذلك….الخ.. أما عن نفسي فأنا أؤيد بأن الذوق العام أن يكون هو الناقد كما كان في العصور القديمة ….ليبقى الرائع ويذهب الغث .
5_ الوطن، مفهومٌ عظيم في القصائد والشعر، كيف عبر الشعراء عن قضايا الوطن ؟ وهل ترى أن للشعر دورًا في بناء روح الانتماء الوطني؟
الوطن هو العشق الأكبر لدى الشاعر وهو المُلهم الأول للقصيدة وقد عبّر الشعراء كثيراً عن حبّهم لأوطانهم وانتمائهم له وللشعر دور كبير جداً في بناء روح الإنتماء للوطن والتفاني من أجله ..بل والتغزل به وكأنه الحبيب الأوحد فعبّر الشعراء عن قضايا الوطن بكل صدق وشفافية وتأثروا وأثّروا بما يحدث له وأبدعوا في إيصال فكرة حبه للقارء أقول عن بغداد:
لكِ فوقَ حَرْفي مُهْجَتي تتسطَّرُ……….يامَنْ هَواكِ من المجرّةِ أكْبرُ …
بَغدادُ أمي..لم أجدْ وَصْفاً لها………….فَبكَتْ حُروفي لَوعةً تتَحسَّرُ..
عشْقي كَنخلكِ شامخٌ نحوَ السَما……….وأُصولُهُ تحتَ الثرى تتَجذَّرُ
عطرُ الجنانِ على ثراكِ أشُمُّهُ……. لو جادَ غَيثٌ من سمائكِ يَمطرُ
ومعَ العَصافير التي فجراً شَدَتْ…….صوتُ المآذنِ في السَماءِ يُكَبِّرُ
سِفْرُ البُطولةِِ قد مَلأتِ سطورَهُ………مجْداً تتيهُ بهِ العُصورُ وتفخَرُ
كمْ قدْ غَفرتِ شرورَ حاسدةٍ أتت.. تُبدي العناقَ وخلفَ ظَهْركِ خِنجَرُ..
قد دَوَّخَ الأعداءَ ثغرُكِ باسماً…………..والنارُ منها في ثيابكِ تَسْعَرُ
بنتَ العراقِ .أبوكِ رغمَ جراحهِ……. يختَلُّ نبضُ الأرضِ لمّا يَزأرُ
لاتخفقُ الراياتُ فوقَ تُرابهِ…………….إلاّ تَجَلّى ذو الفقارِ وَحَيدرُ
رغمَ الخطوبِ يظَلُّ من يدكِ النَدى……. عن نجدةِ الملهوفِ لايتأخَّرُ
كرماً وأخلاقاً سَموتِ إلى الذُرى………… وشجاعةً مشهودةً لاتُنكَرُ
فالكَفُّ لو سألتْ نوالَكِ تَغتَني…………… والكفُّ لو مُدَّتْ لشَرٍّ تُبْتَرُ
وَدَّ الذي من عاشَ فيكِ لوَانهُ………………يبقى شباباً لايشيخُ ويكبَرُ
فكأنَّكِ الفردوس قدْ نزلتْ لنا…………… وكأنَّ دجلتَكِ العظيمةِ كوثرُ..
6_ تمنح الألقاب في عالم الشعر ، ما رأيك بهذه الألقاب؟ وهل تراها تعبيرًا عن التقدير أم أنها أحيانًا تقيد الإبداع ؟
الألقاب الآن أصبحت مهزلة فهذا أمير القوافي وذلك فارس الشعر وهذا عبقريّ الحروف وذاك عميد الأدب وهكذا . وللأسف صارت تمنح ممن لايستحق أن يمنحها أصلاً لم لايستحقها اصلاً . الألقاب ياسيدتي يجب أن تمنح من كبار الشخصيات الأدبية الموثوق بها وبشتى مجالات الأدب …فمن غير المعقول أن تمنح مثلاً من شاعر فاشل الى شاعر فاشل فقد دوخونا بالألقاب الكبيرة مثلاً في الشعر لمن هو لايمتْ للشعر بصلة . نعم هي تقدير ومحبة ولكن يجب أن تمنح من ذوي الإختصاص الكبار وليس لكل من هب ودب..وأمامك الفيس بوك وانظري كم الألقاب التي تدعو أحياناً للسُخرية .
7_ أي العصور الأدبية أثرت في مسيرتك الشعرية؟ ومن هو الشاعر الذي ترك بصمة عميقة في وجدانك وأثر في تطور أسلوبك الإبداعي؟
لاشك أنّ الشعر في العصر العبّاسي وصل لذروته لذلك تأثرت به تأثراً كبيراً
لما به من صدق وقوة وبلاغة وعاطفة وتنوع بالموضوعات.. والشاعر الذي ترك بصمته من العصر العباسي في وجداني هو شاعر الحب والغزل العفيف ( العباس بن الأحنف) ..الذي لم يكتب بيت شعري واحد في غير الغزل والحب فهذا الشاعر هو مدرستي الشعرية التي أقتدي بها وهناك شاعر آخر من العصر الأموي تأثرت ومازلت أتأثر كلما أذكره وهو المجنون ( مجنون ليلى) فهذا الشاعر العاشق الخالد ترك بوجداني شيء كبير من الشجن وصدق الحب وكيف لا وقد مات في البراري من شدة حبه وصدقه لذلك اشعر أنني اشبهه كثيراً من خلال البعد عن الأحبة والصدق في الحب والشوق الدائم
8_ تميزت بتفوقك في السجالات الشعرية على مختلف المنصات والمنتديات. ما هو سر هذا التفوق، وكيف تتعامل مع هذه التحديات الأدبية؟
الحقيقة أنا لم أشترك إلا بسجالات الغزل والحب ولأن لغة الحب والشوق هي لغة قصائدي لاشك أنني أقدّم أفضل مالدي من إحساس تدعمهُ لغة ومفردات عميقة في العشق والشوق لهذا السبب ربما كان تفوقي في سجالات الغزل وكذلك أنني حتى في السجالات أتوخى أن تكون أبياتي صادقة ومشحونة بإحساس روحي فالحب هو قضيتي في الشعر علماً أن السجالات في موضوعات أخرى لم اشترك بها لعلمي أنني لن أجدَ نفسي بها وما اشتراكي بسجالات الغزل إلا لمتعة القارئ وكأن السجال إكمالٌ لرسالتي في الشعر … ولكِ أن تلاحظي الصدق في هذه الأبيات من سجال لي :
في الحسنِ مالكِ من نظيرِ………ياهالةَ القمرِ المُنيرِ
عندي رضاكِ ألذُّ من……….برْد الشرابِ على الفطورِ
لاعاشقٌ مثلي ولو……………………..أنّي أتيتُكِ بالأخيرِ
ماغابَ وجهكِ لحظةً………………إلاّ تمثّلَ في ضميري
أنا دون حبّكِ ضائعٌ………..كالطيرِ في الليلِ المطيرِ
سيظلُّ يطحنني الهوى…..إنْ لم نكنْ نفسَ الشعورِ
يامن أسرْتيني هوىً…………………..اللهُ أوصى بالأسيرِ
إمّا الغرامُ يضُمّنا ………………….أو أن أعيشَ بلاسُرورِ
9_ برأيك، هل الشعر موهبة فطرية تولد مع الشاعر، أم أنه صناعة يمكن اكتسابها بالتعلم والممارسة؟ وكيف يكتسب الشاعر الخبرة الفنية المطلوبة ليكون مبدعًا؟
نعم الشعر هو موهبة فطرية وإستعداد نفسي وروحي يتولد مع الإنسان منذ أن يعي ماهي الحياة وهذه الموهبة هي البذرة الأولى التي على الشاعر أن يصقلها ويطورها بالمطالعة الواسعة والثقافة العامة كي يكتسب معجماً لغوياً يستطيع من خلاله أن يعبّر عما يشاء والصناعة إذا دخلت في الشعر أفسدته لأن الشعر هنا سيكون به تكلّف ولايدخل القلوب والشعر الحقيقي هو مايدخل القلوب بلا استئذان وللأسف أن أكثر مانرى اليوم من قصائد على وسائل التواصل الإجتماعية هي قصائد دخلت الصناعة بصياغتها فأفسدتها وأصبحت نظماً لايثير الإعجاب ولا الدهشة في قلب المتلقي والحقيقة أن كل شاعر لايعيش بأجواء قصيدته بروحه ومشاعره فمن المحال أن يأتي بقصيدة رصينة تثير مشاعر القارئ
10_ قصيدة النثر أثارت جدلًا بين الشعراء والنقاد. هل ترى أن قصيدة النثر ترقى لمستوى القصيدة العمودية، أم أن لكل منهما سحره الخاص؟
لو سألنا أنفسنا هل كلمة ( الشعر ) وكلمة ( النثر) تعطيان نفس المعنى ؟ فالجواب هنا كلا .. وكلمة قصيدة هي مختصّة بالشعر حصراً فمن الخطأ أن نقول قصيدة النثر ..بل نقول النص النثري . ولاشك أن للنصوص النثرية جمهور كبير وواسع يملأ مواقع التواصل الإجتماعي وهناك نصوص نثرية غاية في الجمال والإبداع والفكرة الرائعة لكن الشعر شعر والنثر نثر . والإختلاف هنا أن القصيدة الشعرية سواء كانت بالشعر العمودي أو شعر التفعيلة تتميز بوجود الموسيقى الداخلية والموسيقى الخارجية ليميزها عن النص النثري . وهناك نصوص نثرية تتفوق على بعض القصائد بجمال تصويرها وخيال كاتبها ولكن مهما يكن تبقى القصيدة الشعرية هي الأعلى مرتبةً عندي.. ولكل من النص النثري والقصيدة العمودية وقعه الخاص للمتلقي فالأذواق الأدبية كثيرة ومتنوعة …
11_ الترجمات الشعرية تفتح بابًا لعوالم جديدة، لكن هل تعتقد أنها تنجح في نقل روح الشعر وأصالته من لغة إلى أخرى؟ وهل ترى أن الشعر المُترجم يفقد شيئًا من قوته؟
نعم الترجمات الشعرية ضرورية جداً لتبادل الأفكار بين الشعوب والأمم فلكل شعب وأمة أفكار وعادات إجتماعية ودينية وفلسفية في الحياة فهنا تنضج هذه الأفكار وتتلاقح بين الشعوب وتفتح عوالم ومضامين جديدة وأفكار يرسمها الشعراء على الواقع بقصائدهم فيكون هناك تطور ونضج أدبي ومعرفي ..
والشعر المترجم من لغة الى لغة أخرى لاشك أنه يفقد من قوته وتأثيره على المتلقي لأن الروح الشعرية هنا تمثل البيئة والتراث الذي يعرفهُ أهل هذه البيئة ويعرفون اسراره وخفاياه .. مثلاً أنتِ لو ترجمتِ أبيات من الشعر العباسي ويقرأها قارئ أنجليزي أو فرنسي فمن المحال أن يستمتع بها كما يستمتع بها القارئ العربي .والعكس صحيح ..
12_ من هو الشاعر، في نظرك، الذي يستحق بحق لقب “شاعر”؟ هل هو من يملك المهارة اللغوية فقط، أم أنه من يستطيع لمس القلوب وإثارة العواطف بتجاربه؟
الشاعر برايي هو من يستطيع أن يُدخل كلماته وشعوره في قلوب القراء فيعيشون مع قصيدته وبودهم أن لاتنتهي والشعر هو ليس التمكن من اللغة العربية والعروض فقط والشاعر الحقيقي تتوفر به هذه المقومات
1.الموهبة الفطرية.
2..التمكن من اللغة والعروض والبلاغة وإستخدام المحسنات اللفظية .
3…خيال واسع وإبتكار جديد للمعاني
4…معجم لغوي ثري يستطيع من خلاله أن يرتجم إحساسه كما يشاء
- ثقافة عامة شاملة.
6.. التمكن من مزج التراث القديم الحافل بالأصالة مع الحداثة ..
7.. إستخدامه إسلوب السهل الممتنع . وهذا يعني عدم إدخال القارئ بألغاز ودوامات لايفهم ماذا يريد الشاعر بها أن يقول وما أكثر هذا في قصائد اليوم.
8.. التواضع والتحلي بالخُلق الكريم .
9.. إن يكون مصور بارع بالتقاط الصور الشعرية وكتابتها شعراً ..
هنا فقط يستطيع لمس قلوب الناس وإثارة عاطفتهم .
13_ كيف ترى دور الشعر ومكانته في العصر الرقمي ووسائل التواصل الإجتماعي ؟ هل تخدم الشعر أم أنها أساءت له بحيث أصبح يجمع بين الغث والسمين ؟
الحركة الأدبية الراهنة مميزة ورائعة رغم كل مافيها من هنات ..فوسائل التواصل الإجتماعي أتاحت الفرصة لكل من يعبر عما بداخله فظهرت لنا أسماء مميزة ورائعة جداً من شعراء وشاعرات وفنانين …وهذا أعطى زخم قوي للتنافس الشريف …رغم شهرة البعض المزيفة وانزواء شعراء لامعين بسبب المجاملات …واستطيع القول أن الحركة الأدبية الراهنة بأوج حالاتها خلال هذا الحراك الأدبي الكثيف. والحقيقة أن وسائل التواصل الإجتماعي أثرتْ المشهد الثقافي كثيراً رغم وجود الغث والسمين بها.
14_ كيف تعبر عن المشاعر المعقدة التي يصعب شرحها بالكلمات ؟ وهل تعتقد أن الشعر قادر على احتواء ما لا يمكن التعبير عنه ؟ وهل يمكن اعتبار الشعر مرآة للزمن الذي يُكتب فيه أم أن القصيدة تعبر عن خلود يتجاوز حدود الزمن والمكان ؟
الشاعر الفذ المتمكن من أدواته يستطيع أن يعبّر بقصيدته عن أصعب الخلجات النفسية المعقدة وما الإبداع إلا هو المقدرة عن التعبير بما يصعب التعبير عنه والقصيدة أحياناً تكون مرآة للزمان الذي تُكتب به وأحياناً تكون خالدة تتجاوز حدود الزمان والمكان حسب فكرتها وموضوعها . أعطيك مثالاً على هذا …فالقصائد التي مدح بها الشعراء الملوك والرؤساء هي قصائد عبّرت عن زمنهم وقادتهم ..فهذه قصائد رسمت الزمان وتحددت به ورسمت المكان كذلك…والمثال الآخر لو أخذنا قصيدة ( المؤنسة ) لمجنون ليلى فهي قصيدة تتجاوز الزمان والمكان لأنها تعبر عن الحب الذي يبقى مابقيت الأرض والسماء ..وهكذا.
15_ ما العلاقة التي تربط الشاعر بالوحدة ؟ وهل يمكن أن يولد الشعر في ضوضاء الحياة ؟
أنا أعتبر الشاعر هو رفيق الوحدة ورفيق التأمل والقصيدة تأتي له على شكل أفكار تدور بهواجسه وتتبلور فكرتها وتتضح صورتها ليمسك القلم وكأنه يرسمها لايكتبها .. أما ضوضاء الحياة ومشاغلها وارهاصاتها فهي تشكل أفكار ربما سعيدة وربما حزينة وهذا مما لاشك به يعطي الشاعر فرصة لكي يكتب مايعتريه من هذه الضوضاء ومايعتمل بمشاعره اتجاهها فضوضاء الحياة وضجيجها هو من يكمل وحدة الشاعر وتأمله
16_ عندما تمسك بالقلم هل تشعر أنك تُسيطر على الكلمات أم أن الكلمات هي من تُسيطر عليك ؟ وهل يخشى الشاعر الحقيقي من لحظة الصمت الإبداعي ؟
عن نفسي أنا لا أمسك القلم إلا حينما تدعوني القصيدة لكتابتها وعندما تدعوني القصيدة لا أخشى من لحظة الصمت الإبداعي فليس عندي اي شك أنّ ما أكتبه هو خارج من نبضات قلبي ليستقر في قلوب القراء . وأقول لكِ أن القصيدة عندي تكتمل صورتها تماماً وماعليَّ سوى ترتيب تسلسلها المنطقي . ومايخرج من القلب لاشك أنه يدخل القلوب أو يلامسها بكل حال ولاحظي هنا التدفق الشعوري الذي ربما ماكان عليّ سوى أن أضعه بكل سهولة على الورق :
……………………………………. بَعيدَةٌ أنتِ………………………….
بَعيدَةٌ أنتِ لاتَدْرينَ ما أرَقي………….. ولا اشْتياقي إلى عينيكِ أو قَلَقي..
وما سواكِ بهذا اللٌيلِ يَشْغَلُني………..لا والذي خَلَقَ الإنْسانَ منْ عَلَقِ..
لا أعْلَمُ الوَقْتَ ..إنّ الليلَ لَيسَ بهِ……….إلا أنا وصِياحُ الديكِ في الأُفُقِ..
رَسَمْتُ صُورَتكِ الحَسناءَ في قَلمي……….وقدْ قرَأتُ عليها سُورةَ الفَلَقِ
وكمْ وَددْتُ بِساطَ الريحِ طَوعَ يدي……… لَغِبْتُ فيكِ بهِ في لُجّةِ الغَسَقِ
وأينَ أنتِ..وفيما بيننا رَسَمَتْ ………….. سُودُ الحوادِثِ آلافاً منَ الطُرُقِ
عِشْتار…لمْ تُخْبريها إنني كَلِفٌ………. والروحُ في بُعْدِها في آخِرِ الرَمَقِ !!
نَخوتُ صَبْري وروحُ الليلِ تُخْبِرُني…………..ماذا سَيَفْعَلُ مقتولٌ لِمُحْتَرَقِ
فالشوقُ كالنارِ لو بالشَمسِ أسْكُبُهُ…لَظَلَّ يَنْدى جَبينُ الشَمسِ بالعَرَقِ
حاوَلْتُ أسْلو..وَأشْباحُ السُلوِّ هَوَتْ….. فقدْ رَمَتْها شَواظُ الشَوقِ بالحَرَقِ
فأينَ أهْرُبُ كيْ أرْتاحَ سَيٌدتيْ………… وقيدُ حُبٌكِ في كَفٌيْ وفي عُنُقيْ…
قدْ قَدَّرَ اللهُ أنٌَ الحُسْنَ أجْمَعَهُ…………… مُلْكٌ لَدَيكِ وإنيْ بالغرامِ شَقيْ
فَلَمْ أَجِدْ عاشِقاً أوْدَى الغَرامُ بهِ……مِثليْ..ولامِثْلُها في الحُسْنِ والألَقِ
أبْلَيتِ كُلَّ دَواءٍ كُنتُ أعْهَدُهُ………… بسِحْرِ عَينيكِ …من داءِ الغَرامِ يَقيْ
فما اتٌزانيْ وَصَبْريْ يومَ إنْ عَصَفَتْ…….ريحُ الحَنينِ سوى نِمْرينِ منْ وَرَقِ
أمُرُ منْ بابكِ المَهْجورِ ألْثِمُهُ..
…. لكيْ أشمَّ بَقايا عِطْرِكِ العَبِقِ
الذَنبُ ذَنْبيْ..رَأيتُ البَحْرَ يَفْصِلُنا……..والحُسْنُ يُغْريْ… وَما فَكّرْتُ بالغَرَقِ
17_ هل الشاعر مسؤول عن نقل الحقيقة في قصائده ، أم أن الخيال هو سيد المشهد الشعري ؟
إن أجمل الشعر هو مايكون حقيقي وواقعي ليكون تأثيره على القراء بشكل كبير وواسع والشاعر الفذ هو من يسطيع نقل الحقيقة ويعززها بصور جميلة تتلائم مع موضوعها من خياله الواسع . وربما يستخدم الشاعر خيالهُ فقط ليرسم به صور انسانية تبعث الفرح والسرور في القلوب والأرواح المتعبة أو يرسم بقصائده وخياله المُحلّق حالات يمرُّ بها الإنسان فيستمتع بها قارئ ويتأسى بها عاشق ويتصبر بها مهموم .. وأضع هذه القصيدة للقارئ ليرى القارئ ويتحسس هل هي حقيقية أم من رسم الخيال:
………………………….نافذة النسيان…………………………….
يامَنْ وَقفْتِ على شبّاكِ نسْياني…….تَخْشَينَ بَرْقَ السَما لمْ تعْلَمي شاني
خلْفَ الزُجاجِ الذي كفّاكِ تَلْمَسُهُ……..شَوقٌ إلى الأملِ المرْجوِّ أضْناني
تَوَدُّ تَحْطيمَهُ روحي فأرْهَقَها…………..إسْنادُ كفّيكِ كَي يَبْقى . فأبْكاني
ويَضْرِبُ المَطَرُ المَجْنونُ نافِذَةً………….كَذاكَ تَضْرِبُها بالدمْعِ أجْفاني
فَخَلْفها أنتِ. بلْ رُوحي التي سَكَنتْ…..بقلبِ قَلبي وفي نَبْضي وَشِرياني…
يَزْدادُ حُبّكِ في قَلبي وَيَمْلكُهُ…………مَهْما تمادَيتِ في صَدّي وَهِجْراني
بَيني وبَينكِ ماتَ الوقْتُ إذْ وَقَفَتْ…..على احتضانِكِ في الأحْلامِ أزْماني
أحْيا بصَبْرٍ وَصَدٍّ منكِ ياعَسَلاً…………روحي فداكِ . هُما أمرانِ مًرّانِ
إنْ تَحْقدِ النارُ عندي ليتَ لَعْنَتَها……تَبقى بصَدْري فأفْدي عُمْرَكِ الهاني
أسبابُ عِشْقكِ حتّى الآنَ أجْهَلُها………. وأعْنَفُ الحُبِّ ما قَد كانَ ربّاني
طَوقُ الحَمامةِ طوقُ الحُبِّ في عُنُقي……ماكانَ يَخْلَعُهُ وَجْدي وحِرْماني …
تركْتُ ألفَ فُؤادٍ ذابَ يَعْشَقُني………من أجْلِ قَلبِ كَصَخْرٍ ليسَ يَهواني
وما نَدمْتُ على إدْمانِ حُبّكِ يا ………عُمْري . ولكنَّ سوءَ الحَظِّ أَدْماني
أفدي غَزالاً بطولِ الصَدِّ أهْلَكَني………………….. وَلو بهاتِفهِ حَيّا لأحْياني
وَما تَزَلْزَلَ إصْراري فعَنْ ثقَةٍ…….لنْ يُهْزَمَ الحُبُّ من رُوحي وَوِجْداني….
18_ هل يمكن للشاعر أن يعيش من دون الحب ولا سيما أنه شاعر الغزل ؟ وهل القصائد التي وُلدت من الحب أعمق من تلك التي ولدت من الألم او كانت لعموم الموضوعات الأخرى ؟
لايمكن إطلاقاً أن يعيش الشاعر بدون حب . فكيف إذا كان هذا الشاعر شاعر غزل؟ الشاعر يتميز برهافة الإحساس والعاطفة القوية والشعور العالي بما يحيط به من أمور ورسالته هي في كل الأحوال للحب سواء حب الوطن أو الحبيبة أو حب الخير والحث على أنتشاره وشاعر الغزل لم شاعراً يتغني للمرأة لولا الحب .. أما القصائد التي تُكتب عن الحب الحقيقي الصادق فبرأيي أنها أعمق وأصدق بكثير من كل الموضاعات الأخرى بل حتى أصدق من قصائد الرثاء وذلك لأن الحب هو أعظم عاطفة بين كل عواطف البشر وهو أعنف من كل العواطف الباقية فهو يضرب القلب والروح والعقل بآن واحد …
إنــهُ الحبُّ لايُرَدُّ بَتاتا…………………………….لاتقولي أوانهُ قـد فاتا
فهو كالسيلِ إنْ أتى من علُوٍّ …يجعلُ الصخرَ في المدى أشتاتا
إنّ عينيكِ ياحياتي وعُمري………………….لا أرى من شراكِها إفلاتا
في هواكِ المُحالِ صرتُ دُموعاً……. تجعلُ النيلَ أحمراً والفُراتا
كانَ يبغي الخُلودَ في الحُبِّ قلبي………..فتسجّى بنارهِ ثمَّ ماتا
19_ ما الذي يجعل قصيدة كُتبت على عجل تبدو كأنها للقارىء استغرقت دهوراً لتنضج ؟
القصيدة التي تُكتب على عجل وتبدو كأنها استغرقت وقتاً طويلاً هي القصيدة التي تأتي للشاعر بموقف معين وحدث كبير ويكون الشاعر عندها ممتلئ بالدفق الشعوري الصادق فيكتبها على عجل كي لايتبدد هذا الدفق الصادق فتخرج من قلبه وتستقر بقلب قارئه .. لكن في الغالب والأعم إذا كتبت القصيدة على عجل بدون هذه المعطيات ستكون غير رصينة وغير صادقة . عندك مثلاً أن أكثر الشعراء في وسائل التواصل الإجتماعي يكتبون بسرعة وبدون مراجعة وتمحيص للنص وذلك فقط لغرض النشر فتأتي القصائد باهتة وخالية من الروح .
20_وأخيرًا، ما الكلمة التي توجهها إلى الشعراء الجدد الذين يسيرون على درب الإبداع، في عالم تتسارع فيه التغيرات، وتختلف فيه الأذواق؟
..أنصح كل الشعراءوأقول إيّاكم
والغرور والبحث عن الشهرة …وأن لاتستعجلوا بالنشر ..دعوا القصيدة ل10 أيام….أعيدوا قراءتها مرات ومرات وستكون أجمل بعد هذا …وأنصح كل الشعراء حتى الكبار منهم بمواصلة قراءة الشعر باستمرار. وأنصح المبتدئين بقراءة الشعر العباسي فهو كنز ثمين جداً لتطوير الموهبة ..
حاورته من هولندا ليلاس زرزور
عضو ملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي