هؤلاء جعلوني إنسانًا
جميلُ أن يُهدي الإنسان عطرهُ للآخرين ويجعله الله كالغيث أينما ذهب.
وأنا اتقصى عن حياة هشام الذهبي شخصية طالما الكثير سمع بها وتناقلتها القنوات الفضائية. قمت بالصدفة بالذهاب الى (مؤسسة البيت العراقي للأبداع) اول دخولي انبهرت بالمكان وجدته وكأنه عرسٌ بهيج على الجانبين محلات لبيع الأطعمة والشاي والقهوة ومكان للعب الأطفال بالإلكترونيات وقاعة للبليارد استوقفني محل لبيع العطور قال البائع: أنا ابن هشام الذهبي فرحبنا به شعرت برهبة ليست كرهبة الحرب بالتأكيد أمام هالة الكتب المرصوفة بعناية وحين يأخذني الفضول لتقليبها أجد رصانة المطبوع وأناقته ناهيك عن محتواها بشكل عام هي من مؤلفات هشام الذهبي (هؤلاء جعلوني إنسانًا) (أطفال الشارع ضحايا ام جُناة) فالعنوان عتبة النص والاهتمام بالعتبة يجعل المتلقي يكوّن فكرة عن مضمون الكتاب قبل أن يقوم بالاطلاع عليه.
اشتريت الكتب وجلست خلف إحدى الطاولات في انتظاره وطلبت من بائع القهوة فنجانًا نظرت اليه يبلغ من العمر ثلاث عشر عامًا كان وجهه معتمًا سألته هذا السؤال القاسي.
منذ متى وانت هنا؟
أطال النظر الى الأرض ثم أردف قائلاً: منذ ثلاث سنوات
شعرت أن صوته متهدج ويرتجف في حنجرته ومضطربً بعض الشيء
قالها بحرارة: أبي وأمي منفصلين وزوجة ابي لا تطيقني فهربت الى الشارع! قالها في همس (اللعنة على الذكريات)
بداخله صراخ كنت أشعر بالصوت وصداه داخل قفصه الصدري يدمره من الداخل
قال مبتسمًا: لن أجد أفضل من أبي هشام سأكمل دراستي واكون شابًا ناجحًا.
شعرت بالألم لماضيه المؤلم وشعرت بالفرح لشعوره بالحب والامتنان لمن احتضنه واهتم به.
سألت نفسي ماذا يكتب هشام الذهبي؟ ومن هو هشام الذهبي؟ هل هي كتابة جديدة لم ينتبه اليها أحد؟ وما هي خصائص الكتابة التي يُقبل عليها؟
تصفحت الكتاب واسارير وجهي ترتع في صفحاته ويمضي الوقت وانا في لحظة استجمام سعيدة وكأني في مدينة ساحلية فاتنة عشت لحظات من الانتشاء والدهشة
والتقطت بعضًا من الصور.
التقيته فوجدته إنسانًا بسيطًا نشأ من عائلة بسيطة وقبل أن يتركنا تذكّر حادثة عندما كان صغيراً
(قلتُ لأمي: يمه باجر عيد، ردت قائلة: يُمه العيد لأهل العيد)
لاحظت من خلال كلماته لونًا من العشق والمحبة العظيمة لخالقه وكثيراً من القناعة يبتسم قائلاً: حب الناس ودعائهم لي هو أعظم هدية منحني الله إياها.
وقته ليس ملكًا له كانوا هناك ضيوفًا ينتظرونه.
عدت الى البيت وبذرت بذوري وجهزت دفاتر ملاحظاتي.
أسلوبه في الكتابة سلس ينساب كما ينساب الماء الصافي الذي لا يعيقه شيء في مجراه
عقدة محبكة بأحكام وراء حبكتها عقل خبير بالنفس الإنسانية، التشويق تلو التشويق
اهتم بكتابه بعناية، أقبلت بشهية على الكتاب التهمت الصفحات التهامًا المتحدث يشعرك بصدقه كما لو وجانه يهمس بأذنك يدخلك الى مغامرة تلو المغامرة
يكبر الطفل وتكبر معه أمنياته بأن هذا الطفل سيصير شابًا مثقفًا محبًا للحياة.
درس علم النفس ليجد ضالته ويجد الحلول لمشاكل الأطفال النفسية خصوصًا الأطفال الذين يرعاهم في داره الإيوائية وصاحب الحاجة أولى بالسعي اليها.
فالإنسان يحتاج لإنسان آخر يغايره كي يعرف به نفسه.
هؤلاء الأطفال هم وطنه وأغنيته الخالدة هم أبطاله يراقبهم يسايرهم ويعطيهم من اهتمامه وحياته الشيء الكثير. وجد فيهم نفسه لذلك كان عنوان الكتاب
(هؤلاء جعلوني إنسانًا) وجد من خلالهم نقطة حنانه وعشه الدافئ وحمامته البيضاء وانفرج ما به من حزن وضيق فالفرج لا يأتي إلا عبر الجمع بين الباطن والظاهر.
وجدت أ قلمه نطق بحروف كونية زمردتها هي الجمال والعشق والتفاني في رعاية الآخر.
تزاحمت ف ي رأسي أسئلة كثيرة وصاخبة أرجأت الخوض فيها فكرت فيما سمعته وقرأته!
أطفال مختلفو الطبائع والأمزجة والأذواق!
كيف تمكن من سد احتياجاتهم الفنية والنفسية والذهنية؟
وأنا أحتسي كوب الشاي تساءلت: كيف يمكن لهذا الرجل الأصيل أن يهتم بهذا العدد من الأبناء! إنه مشغول بما هو أعمق باحث أصيل دائم الانشغال والبحث لم يفكر أن يكون معروفًا ولم تشغله الشهرة نراه متدبراً حكيمًا يفكر بهدوء وعزلة بمشروعه الإنساني.
الدار فيها المشرفين التربويين يعلموهم جميع أنواع الفنون من رسم وخط وموسيقى وأدب فقد اشتركوا في مسابقات دولية وأحرزوا مراكزاً متقدمة تجده يفخر بهم ويذكرهم بالأسماء.
أول عمل قام به ابتكار برنامج العلاج النفسي للأطفال من خلال المواهب وهذا البرنامج أوجد أطفال مبدعين في عدة مجالات وهذا الابداع عزز من ثقتهم بأنفسهم وخفف من قلقهم نحو المستقبل وهذا ما جعلهم في قمة النشوة وقام بتعيين عدد من الشباب الذين بلغوا السن القانوني، وقام بتزويج أحد الشباب واستئجار دار له.
وكذلك قام بالسفر خارج العراق والاشتراك بمهرجانات وأنشطة دولية جعلتهم ينظرون الى أنفسهم نظرة مملوءة بالفخر والاعتزاز بعد أن كانت نظرتهم الى أنفسهم نظرة دونية بسبب تواجدهم في دار الايتام.
فمنهم الفنان التشكيلي ومنهم الموسيقي ومنهم الممثل السينمائي ومنهم الممثل المسرحي والخياط والحلاق إضافة الى الابداع في المجالات التعليمية فمنهم من حصل على اعفاء عام في دروسه ومنهم من يشمل أغلب المهارات.
شعاره التعامل بالإنسانية ولديه حكمة خاصة إن الانسان لا يشعر بإنسانيته
إلا من خلال ما يقدمه من أعمال تخدم الإنسانية والآخرين.
فالكتاب يحتاج الى وقفة تأمل وتدبر وإحساس بالآخر فتختلط الدهشة والغرابة
والكثير من الرغبة في الفهم والاستيعاب.
علمًا أن الكتاب تم اعتماده كمنهاج تدريسي لقسم اللغات والآداب للعام 2016
في جامعة الأباما في الولايات المتحدة الأمريكية.
سعاد محمد الناصر
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي